المصدر: المدن
الكاتب: بتول يزبك
الاثنين 8 نيسان 2024 14:38:40
بعد تشنّجٍ سياسيّ طرأ على العلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين، وصل الرئيس القبرصيّ، نيكولاس خريستو دوليدس، صباح اليوم الإثنين 8 نيسان الجاري، إلى العاصمة بيروت، في زيارةٍ رسميّة، حاملًا في جعبته ملفين إثنين: اللجوء السّوريّ والهجرة غير الشرعيّة من الشواطئ اللّبنانيّة نحو شواطئ الجزيرة –الدولة، كبوابةٍ لأوروبا. أما الغاية المرجوّة من وراء الزيارة، فهي البحث عن سُبل التعاون بين قبرص ولبنان وخلق أرضيّة مشتركة للحوار بينهما.. بعد فترة احتقانٍ وتباين في الآراء والتوجهات العامة (راجع "المدن").
وهذان الملفان، يتسقان، مع الهموم السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي تؤرق لبنان الرسميّ منذ نحو السّنتين، وجعلته يتخبط في دوامةٍ من الحلّول الترقيعيّة، وإلتباس الرؤى الجيوستراتيجيّة، وتعثر الخطط الأمنيّة، والمحاولات الدبلوماسيّة مع النظام السّوريّ والمجتمع الدوليّ الّتي باءت بالفشل. هذا وناهيك بالتصريحات الرسميّة التصعيديّة بلهجتها الابتزازيّة، الّتي وسعت الشرخ بين الدولتين (راجع "المدن").
زيارة رسميّة
وتأتي هذه الزيارة الرسميّة الّتي تستمر ليومٍ واحد، غداة زيارة سبق وقام بها وزير الخارجيّة، كوستانتينوس كومبوس، لبيروت، قبل نحو ثلاثة أسابيع، وخُصصت حينها للتباحث في ملف الهجرة غير الشرعيّة وسُبل التعاون في هذا السّياق، فضلًا عن موضوع الممرّ البحريّ الذي أنشأته قبرص إلى غزّة. وقد تواترت معلومات، أن هذا الملف سيكون حاضرًا أيضًا على طاولة النقاش اليوم، بالنظر للمخاوف القبرصيّة من تدحرج الاشتباكات ووصولها إلى حربٍ واسعة في العمق اللّبنانيّ، وما يحمل هذا التصور من تداعيات على الدولة الجزيرة. واُستهلّت الزيارة الرسميّة للرئيس ووفده، في السّراي الحكوميّ، حيث التقى دوليدس برئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وانضمّ إلى الجلسة الثنائيّة قائد الجيش العماد جوزيف عون. واستحوذ موضوع اللجوء السّوريّ وتدفق اللاجئين بصورة غير شرعيّة إلى قبرص محور اللقاء.
لحق ذلك محادثات عامة بين ممثلي البلدين، ضمّت عن لبنان كلًّا من: وزير الداخليّة بسام المولوي، سفيرة لبنان في قبرص كلود الحجل، قائد الجيش جوزيف عون، الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة، المدير العام لرئاسة الجمهوريّة أنطوان شقير، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسريّ، مدير عام قوى الأمن الداخليّ اللواء عماد عثمان، مستشارة وزارة الخارجيّة والمغتربين فرح الخطيب ومستشار الرئيس ميقاتي زياد ميقاتي. وقد اعتذر عن عدم المشاركة في الاجتماع وزير الدفاع الوطنيّ موريس سليم. أما عن الجانب القبرصي فحضر وزير الخارجية كوستاندينوس كومبوس، وزير الداخلية كوستانتينوس يوانو ، سفيرة قبرص في لبنان ماريا حاجي تيودوسيو، الناطق باسم الحكومة كوستانتينوس ليتمبيوتيس، قائد الجيش القبرصي الجنرال جورج تسيتسيكوستاس. وانتقل الرئيس القبرصي إلى قصر عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي ووزير الداخليّة في محطته الثانية لليوم. فيما خرج برّي بعد الاجتماع قائلًا للصحافيين: "اللقاء مع الرئيس القبرصيّ كان جيّدًا وليس هناك عتب من قبرص على لبنان بل هناك تعاون مثمر".
وأشار رئيس المجلس إلى أن التطورات في الجنوب وقطاع غزة والوضع الفلسطيني ككل كانت حاضرة في اللقاء. وحول إمكانية حصول حلحلة في الملف الرئاسي بعد عطلة الأعياد؟ أجاب الرئيس بري : "ان شاء الله".
اللقاء بميقاتي
وفي كواليس اللقاء بين دوليدس وميقاتي، أكدّ الأخير للصحافيين أن اللقاء تمّ التطرق فيه إلى "حرص لبنان وقبرص على العلاقات التاريخية والأخوية بينهما، وسعيهما المشترك للحفاظ على أمن الدولتين وشرق البحر المتوسط"، وشددا على" أهمية إيجاد حلّ شامل ومستدام لأزمة النازحين السوريين وما تتركه من انعكاسات على دول المنطقة، وفي مقدمها لبنان وقبرص". وأضاف أن الجيش والقوى الأمنيّة يبذلان قصارى جهدهم لوقف الهجرة غير الشرعيّة. ووضع ميقاتي الحلّ في عودة السّوريين إلى المناطق الآمنة أو بلدٍ ثالث. وبنتيجة المحادثات تم التوافق على أن تقوم قبرص بمسعى لدى الاتحاد الأوروبي لوضع "إطار عملي" مع لبنان على غرار ما حصل بين الاتحاد الأوروبيّ وكل من مصر وتونس، ومن شأن هذه الخطوة المرتقبة منح الحكومة اللبنانية المزيد من المساعدات الضروريّة لإعطاء اللاجئين السوريين حوافز للعودة إلى بلدهم.
بدوره أعرب الرئيس القبرصيّ عن أهمية الزيارة الأخويّة التي يقوم بها على رأس رفد حكومي إلى لبنان، مشدّدًا على أن "سياسة الجوار التي تعتمدها قبرص مع لبنان قائمة على الأخوة التي تربط العلاقات التاريخية التي تربط البلدين". وقال: "إن زيارتي للبنان هي الأولى بعد تولي رئاسة الجمهوربة، وتأتي في أعقاب التطورات الأخيرة الحاصلة من جراء الأعداد الكبيرة للنازحين والمهاجرين السوريين غير الشرعيين، الذين ينطلقون من السواحل السّورية أو عبر الساحل اللبناني والمراكب غير الشرعيّة التّي تنطلق من السواحل اللبنانية إلى دولة قبرص". مضيفًا: "إن قبرص تتفهم الأوضاع اللّبنانيّة وحساسيّة الموضوع بالنسبة إلى لبنان، وأهمية الحلّ النهائي والشامل لهذا الموضوع، عبر الضغط على الاتحاد الأوروبي والمحافل الدولية لاستيعابهم التحديات التي يواجهها لبنان، وفي الوقت نفسه نحن نتفهم موقف لبنان الرسمي بأن الحل النهائي لن يتم إلا عبر عودتهم إلى أراضيهم، خصوصاً أن هناك مناطق معينة أصبحت آمنة في سوريا، وأكثرية النازحين هم نازحون اقتصاديون، وعلى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية العمل لتمويل مشاريع إنمائية في سوريا، وتحفيز عودتهم إلى بلادهم لحل هذه الأزمة التي لا تضرب أمن لبنان وقبرص فقط، بل أمن البحر المتوسط". وشدد الرئيس القبرصي على أن بلاده تدعم لبنان في كافة المحافل الدولية عبر زيادة الدعم التقني والمادي لمؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها الجيش اللبناني.
خلافات وتباين في وجهات النظر
والخلافات الحاليّة تأججت بالمرتبة الأولى، إبان الثورة السّوريّة، وتحول أطوارها من السّلمية إلى المُسلّحة، وتوافد أعداد لا يُستهان بها من اللاجئين إلى لبنان ورهطٌ منهم إلى لبنان فقبرص أو من السّواحل السّوريّة فقبرص، أكان بتقديم طلبات لجوء (عبر المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين) أو بصورةٍ غير شرعيّة عبر المراكب (قوارب الموت). ووفقًا للأرقام الرسميّة، شهدت الجزيرة المتوسطيّة زيادة بنسبة 60% في عدد الوافدين خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 مقارنة بالعام السّابق. وقد أصبحت قبرص تدريجيًّا، وجهة مفضلة للهاربين من الأوضاع السّياسية والاقتصادية الصعبة في لبنان وسوريا (راجع "المدن")، بوصفها بوابة للوصول إلى أوروبا، في ظل نقص خيارات الهجرة الآمنة، خصوصاً أنها تبعد أقل من 200 كيلومتر عن سواحل طرابلس اللّبنانيّة وطرطوس السّوريّة. ورغم هذه الزيادة، اتخذت الحكومة القبرصية موقفًا أكثر صرامة، حيث تسعى إلى اتخاذ إجراءات لتقييد وصول المهاجرين إلى قبرص من جهة، وتقليل عدد طالبي اللجوء على أراضيها من جهة أخرى (راجع "المدن").
وفي وقتٍ يدعي فيها لبنان أنّه يقوم بواجباته على أكملٍ وجه، من خلال الخطط الأمنيّة والحملات التنظيميّة وعرقلة مساعي المهربين، وأن الأزمة تبدأ في أوروبا غير القادرة على الإتيان بحلّ جديّ، يزعم الجانب القبرصيّ أن لبنان هو آخر سدّ للاجئين أمام أوروبا، وقد ينهار (راجع "المدن")، وقد حثّ الاتحاد الأوروبيّ على إعادة النظر في قضيّة اللجوء وكذلك تقييم الوضع في سوريا، ذلك تماشيًّا مع التّوجه الأوروبيّ الجديد المندرج تحت مظلّة "ميثاق الهجرة" والسّاعي إلى معالجة الشوائب التّي تتخل سياسة اللّجوء الأوروبيّة الحاليّة، أكان بضبط الحدود والحؤول دون عمليات الدخول غير النظاميّ، فضلًا عن تنظيم إدارة اللجوء وخصوصًا أثناء الأزمات.
ويقول المراقبون إن الخلافات نشأت بداية حول ترسيم الحدود البحريّة بين الدولتين، وتقسيم الثروات الغازيّة والنفطيّة في البحر المتوسط، واعتراض لبنان على مراحل المفاوضات النهائيّة في العام 2007، بعدما "انطلقت عمليّة الترسيم من نقطة خاطئة أدّت إلى الترسيم البحري الحدوديّ بخطّ غير مقبول لبنانيًّا". وتبعتها قضيّة اللاجئين وتراكمت الخلافات بعدها.
"قرارات غير محبّذة"
يُذكر أن رئيس الجمهوريّة القبرصيّة الذي حضر لمناقشة مسألة المهاجرين الوافدين إلى الجزيرة، قد قال في وقتٍ سابق، إن "الوضع صعب، لكننا سنتعامل معه"، على متن محاولات قبرص الحثيثة لإيجاد حلول مع الاتحاد الأوروبيّ لمعالجة القضيّة. ووفقًا لما أوردته "وكالة الأنباء القبرصيّة"، فإنّ مئات المهاجرين وصلوا في الأيام القليلة الماضيّة إلى قبرص، معظمهم من اللاجئين السّوريّين، مبحرين من لبنان.
وقبل يومين، كان قد ردّ الرئيس القبرصيّ على أسئلة الصحافيين عما تطلبه بلاده من الاتحاد الأوروبيّ، فقال: "سأجتمع برئيسة المفوضية الأوروبية الأحد". وأشار إلى أنه سيلتقي في لبنان حكومة تصريف الأعمال وسيرافقه وزيرا الداخلية والخارجية ورئيس الحرس الوطني ومسؤولون آخرون. ولفت إلى أنه تحدث هاتفيًّا مع رئيس الوزراء اللبناني أخيرًا قبل الزيارة. وقالت الوكالة حينها، إنه "اعتمادًا على نتائج الاجتماعات برئيس المفوضية الأوروبيّة ورئيس وزراء لبنان في الأيام المقبلة، سيتم تنفيذ القرارات، التي قد لا تكون محبّذة، ولكن هدفها الوحيد هو حماية مصالح جمهورية قبرص وأمن مواطنيها".
ووٌصفت الزيارة الحاليّة بأنّها جزء من حملة سياسيّة ودبلوماسيّة، أطلقتها السّلطات القبرصيّة، بالتّوازيّ مع الحراك الأوروبيّ الذي تستعد للمشاركة فيه عددٌ من الدول وخصوصًا الّتي لم توافق على المشاريع الطروحة لإعادة اللاجئين السّوريّين إلى سوريا، أكان بسبب التقييم الذي يسبتعد حقيقة أن سوريا باتت آمنة أو بإنتفاء أي إمكانيّة لإيجاد حلٍّ مُرضٍ للصراع السّوريّ بظلّ بقاء نظام الأسد. حقوقيًّا، قال مراقبون إن السّلطات اللّبنانيّة والقبرصيّة، ليست مخولة لتقييم الوضع في سوريا أو إعادة اللاجئين قسرًا إليها، وأن حقّ اللجوء هو حقّ مكرّس بالموجب الدوليّ، وليس امتيازًا تعطيه السّلطات لمن تشاء.