المصدر: Kataeb.org
الأربعاء 3 أيلول 2025 11:39:02
قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في خلال احتفال تكريمي للعلامة الراحل الأباتي جبرايل القرداحي بدعوة من الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الاباتي ادمون وبلدية فيطرون، في باحة دير مار ضومط - فيطرون:"يسعدني أن أشارككم اليوم في هذا الاحتفال المبارك الذي يرفع من جديد اسما مميزا من تاريخنا الروحي والعلمي، هو العلامة الأباتي جبرائيل القرداحي، الراهب الماروني المريمي، الذي عاش بين ١٨٤٨ و١٩٣١، وترك لنا إرثا يفيض بالعلم والمؤلفات والرسالة. إن تكريمه اليوم هو استدعاء لذاكرة حية تضيء حاضرنا وتوجه مستقبلنا. فنحن أمام رجل، لم تقتصر رسالته على جدران ديره، بل عبرت إلى فضاءات المعرفة والكنيسة والوطن، لتعلن أن العلم إذا لم يقترن بالإيمان يذبل، وأن الإيمان إذا لم يتجسد في ثقافة حية يبقى عقيما".
واشار الى انه "إبن بلدة فيطرون العزيزة، وسليل عائلة القرداحي المعروفة بتراثها الروحي والزمني والأدبي، دخل الرهبانية المارونية المريمية سنة ١٨٦٢، فكان أحد أبنائها الأوفياء الذين جمعوا بين النسك والعلم، وبين الصلاة وخدمة الفكر. في روما أكمل دراسته وتعمق في العلوم واللغات، وأعطي أن يكون كاهنا وأستاذا، وارتقى من منبر التعليم ليصبح معلما للأجيال وحارسا لذاكرة الكنيسة. كان رجل إيمان ورسالة. خدم الكنيسة، وأحيا تراثها السرياني، وأثبت أن الكلمة المصلاة في الليتورجيا هي عينها الكلمة المدونة في المخطوطات والكتب. فأحيا ذاكرة الكنيسة وأعاد إليها لغتها الأم، لغة الأجداد والقديسين، وأثبت أن السريانية ليست لغة الماضي، بل لغة الإيمان الحي".
واشار إلى ان "المكرم لم يكتف بالكتابة بل مثل لبنان في محافل علمية كبرى، وشارك في مؤتمرات في أوروبا وسويسرا، متحدثا ومدافعا عن السريان وتاريخهم وحضارتهم، فكان شاهدا بليغا للبنان الرسالة. وقد اعترف به كبار علماء عصره، وقال فيه أحد المستشرقين الألمان (الشهير تيودور نولدكه) الذي قال فيه: من الشرق إلى الغرب، لم يعرف الغرب عالما أعظم من الأباتي جبرايل القرداحي وهو بعد حي. هذه الشهادة وحدها تكفي لتجعل من تكريمه اليوم واجبا وطنيا وكنسيا، بل واجب وفاء للبنان بأسره".
ورأى ان "الأباتي جبرايل القرداحي هو البرهان الساطع على أن الرهبان الموارنة لم يحفظوا فقط الصلاة والإيمان، بل صانوا اللغة والثقافة، وأغنوا التراث الذي نعتز به اليوم. وفتحوا للبنان أبواب الريادة العلمية والثقافية. إن تكريمه اليوم هو تكريم للرهبانية المارونية المريمية التي أنجبته، وللكنيسة التي خدمها، وللبنان الذي حمل اسمه عاليا في المحافل. وهو تذكير لنا، نحن أبناء هذا الجيل، أن قوة لبنان ليست في ثرواته المادية فقط، بل وفي رجاله الذين جعلوا من العلم صلاة، ومن الصلاة ثقافة، ومن الثقافة وطنا ورسالة".
وختم:" فالعلم لا ينفصل عن الروح، والثقافة من دون إيمان تبقى ناقصة، والإيمان من دون ثقافة يبقى معرضا للنسيان. من الأباتي جبرايل القرداحي نتعلم أن خدمة الكلمة هي خدمة للإنسان وللوطن. إن ما قدمه هو عربون محبة عميقة لهذا التراث السرياني الذي هو جزء لا يتجزأ من هوية لبنان. تكريم الأباتي جبرايل القرداحي اليوم، هذا الراهب الماروني المريمي المميز، يذكرنا أنه تكريم لرجل عاش صامتا وبسيطا، لكنه ترك صدى عميقا ما زال يرافقنا بعد مرور أربعة وتسعين عاما على وفاته. واليوم، فيما نحتفل بذكراه، من هنا، من دير مار ضوميط فيطرون، نرفع الشكر لله الذي أعطى كنيستنا ورهبانيتنا ولبناننا هذا الراهب الجليل، ونصلي أن تبقى سيرته نورا لأجيالنا المقبلة، ودعوة إلى الثبات في الإيمان والالتزام بالثقافة والهوية. صلاتنا إلى الله أن يجعل تكريمنا له اليوم دعوة إلى أن نحيا مثله، أمناء لله، وللكنيسة، وللبنان الرسالة".