الراعي: لبنان ارض قداسة وليس أرض حروب ونزاعات فلنسعَ إلى إبقائه أرض قداسة وصلاة

 توج البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات بلدة بقاعكفرا، بمناسبة عيد مار شربل قديس لبنان والعالم، بقداس احتفالي اقيم في باحة كنيسة مار حوشب الأثرية بعد مسيرة صلاة على نية السلام في لبنان من امام بيت القديس. وعاون البطريرك الراعي النائب البطريركي على الجبة وزغرتا المطران جوزيف النفاع والمدبر العام الأب طوني فخري، كاهن رعية بقاعكفرا الخوري ميلاد مخلوف ومعاونه الخوري خليل البطي، كاهن رعية مار شربل في كاليفورنيا الأميركية الخوري غطاس الخوري، امين الديوان الخوري خليل عرب، القيم البطريركي الخوري طوني الاغا، الخوري جورج يرق، خادم رعية انغولان في فرنسا الخوري شارل قصاص، وكاهن رعية سيدة التلة-دير القمر. 

وحضر القداس النائب ستريدا جعجع، النائب السابق جوزيف اسحق، القائمقام ربى الشفشق، رئيس الاتحاد ايلي مخلوف، رؤساء بلديات بزعون رامي بو فراعة، حصرون المهندس جيرار السمعاني، حدث الجبة جورج شدراوي، قنات د. أنطوان سعادة، عبدين نبيل ابو النصر، بقرقاشا جورج البطي، رئيس مجلس إدارة مستشفى بشري الحكومي أنطوان جعجع، قائد سرية أميون العميد ميلاد نصرالله، قائد مفرزة الشمال القضائية العميد ريمون خليفة، رئيس مكتب استقصاء الشمال المقدم بطرس سيدة، مدير مكتب اللواء الياس البيسري المقدم الفرد صغبيني، مدير مكتب مخابرات بشري المقدم ايلي زكريا، المقدم خليل الاشقر، آمر فصيلة بشري النقيب شربل انطون، رئيس رابطة مخاتير قضاء بشري الكسي فارس، مأمور نفوس بشري جان ايليا. وحشد كبير من الاعلاميين والاخويات والفرسان والطلائع والمؤمنين الذين توافدوا الى بقاعكفرا من مختلف المناطق اللبنانية. 

وفي بداية القداس، رحب الخوري مخلوف بالحضور، شاكرا  للبطريرك الراعي ترؤسه القداس السنوي ومشاركة أهالي بقاعكفرا فرح العيد، داعيا الجميع للمشاركة في الصلاة من أجل السلام في لبنان والعالم، طالبا شفاعة القديس في يوم عيده. 

وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان:

"حينئذٍ، يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (متى 13: 43) . قال فيها: "هذه الكلمة الالهية، في انجيل اليوم، تنطبق تمامًا على القديس شربل، ابن بقاعكفرا العزيزة. فانه يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب، بشكل منظور وعجيب في القارات الخمس، ما يجعلنا نتساءل: ماذا تراه فعل القديس شربل لله ومعه حتّى استحق هذا الحضور الفاعل في قلوب جميع الشعوب وضمائرهم؛ فلا نستطيع الاجابة إلاّ بكلمة واحدة:"عجيب الله في قديّسيه".

فيطيب لي أن أقدّم أطيب التهاني والتمنيات لكم يا أهالي بقاعكفرا الأعزّاء، ويا جميع الحاضرين من محبّي القدّيس شربل، المتمثّلين فضائله، والملتمسين شفاعته من أجل حماية لبنان أرضًا مقدّسة، وأرض القدّيسين".

اضاف:" إنّه "الزرع الجيّد" الذي زرعه ابن الانسان يسوع المسيح في ارض بقاعكفرا  اولًا، ثم في حقل الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة، واليوم في حقل العالم. اننا نلتمس الليلة شفاعته، راجين التمثّل في فضائله، والتماس تشفّعه من اجل لبنان وطنه في هذا الظرف الدقيق والخطير للغاية، وكلنا رجاء وثقة بانه لن يترك وطنه وشعبه، ولكن علينا نحن ان نعيش زمن صلاة وتوبة ومصالحة، لكي نستحق تدخّله".

وتابع: "أجل زرعه الله في ارض بقاعكفرا زرعًا جيدًا فنشأ صالحًا تقيًا في بيته وفي بيئته، محبًّا للإماتات والتقشّف. كان يرعى بقرته وينفرد للصلاة والتأمل في مغارة معروفة اليوم بمغارة القديس شربل، حيث دير الراهبات اللبنانيات المارونيات. وكان ابناء بقاعكفرا  يلقّبونه "بالقدّيس".وزرعه الله زرعًا جيدًا في ارض الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة، الغنية بتراث النسّاك، فدخلها سنة 1851 وهو في الثالثة والعشرين من عمره، سائرًا على خطى خاليه المتنسّكين في الوادي المقدس الابوين دانيال واغوسطين. دخلها اولاً في دير سيّدة ميفوق ثم انتقل الى دير مار مارون عنّايا، حيث دخل الابتداء مبدّلاً  اسمه من يوسف الى شربل، وهو قديس شهيد من اجل ايمانه سنة 107، وقد اراد ان يتمثّل به شهيدًا من نوع آخر. فعندما  ابرز  نذوره الرهبانية، الطاعة والعفّة والفقر، قرر ان يكون هبة كاملة لله وللرهبانية والكنيسة. وتهيّأ للكهنوت في دير القديسين مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان، على يد قديس هو الأب نعمة الله الحرديني. فتعلم منه الفلسفة واللاهوت معاشين بمثل حياته، بحكمتين: "الشاطر هو يلي بخلّص نفسه" و"ان تكون كاهنًا مثل المسيح فامامك طريق واحد هو طريق الجلجلة. سيم كاهنًا في 23 تموز 1859 في كنيسة الكرسي البطريركي بكركي، وعاد للتوّ  الى دير مار مارون عنّايا، جاعلاً من قدّاسه اليومي محور كل نهاره، ناميًا في الفضائل الانجيلية: بطاعة اسطورية، وفقر كامل، وعفّة ملائكية، رجل صمت وصلاة وعمل . ومن بعد ان اكمل تماهيه مع يسوع المسيح المخلص والفادي، ففيما كان يقيم قداسة الاخير، وبلغ الى مكان رفعة جسد الربّ ودمه، وتلا الصلاة:" يا ابا الحق، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك"، سقط ارضًا مصابًا بفالج ادخله في غيبوبة دامت تساعية الميلاد، وفي ليلة ميلاد ربنا على ارضنا، كان ميلاد شربل في السماء في 24 كانون الاول 1898، فظلّ اهل المنطقة يشاهدون نورًا يلمع من قبره طيلة اسبوع". 

وسأل: "ماذا يقول لنا القديس شربل اليوم؟ يقول لنا اولاً ان نثق بالله سيّد التاريخ، ونلتمس تدخّله في الوقت الذي يريده، والطريقة التي يريدها، والمكان الذي يريده. هذه الثقة تعلمنا انتظار تجليات الله بالصلاة والتوبة والاتحاد الدائم بالله. فنحن بحاجة الى العودة الى الله، وتصحيح حياتنا ومسلكنا معه.

ويقول لنا ثانيًا ان لبنان ارض قداسة. وقد ذكّرنا اياها وافتتحها لنا وامامنا بتطويبه سنة 1965 مع ختام المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني لتكون تعاليم هذا المجمع عنصرة جديدة في حياتنا الكنسية واللبنانية. اجل لقد افتتح درب القديسين بشخص القديسة رفقا، والقديس نعمة الله، والطوباوي الاخ اسطفان، والطوباوي ابونا يعقوب حداد الكبوشي، والطوباويين الشهيدين ليونار وتوما، والطوباوي العتيد البطريرك الكبير مار اسطفان الدويهي في 2 آب المقبل في لبنان، وأخيرًا لا آخرًا القديسين الاخوة الشهداء المسابكيين الثلاثة في 20 تشرين الاول المقبل في رومية. اجل يقول لنا: لبنان ارض قداسة ووحدة بين المواطنين واخوّة، وليس أرض حروب ونزاعات وقتل وتدمير وتهجير. فلنسعَ إلى إبقائه أرض قداسة وصلاة. ويقول لنا ثالثًا، إنّ أعمال الرسالة تحتاج إلى أن تترافق بالإماتة والصلاة وأفعال تواضع".

وختم: "فلنصغِ، ايها الاخوة والاخوات، الى القديس شربل الصامت بلسانة، والمتكلّم بأفعاله وآياته وعجائبه تحت كل سماء. ولننهض بثقة وايمان، ولنبدّل نمط تفكيرنا، ولنفتح اذهاننا لما يقوله لنا، فنعطي عيده قيمته في حياة كل واحد وواحدة منّا. للثالوث القدوس كل مجد وشكر وحمد الآن والى الابد، آمين".

وفي نهاية القداس، قدم أهالي رعية بقاعكفرا هدايا تذكارية للبطريرك الراعي والمطران نفاع .