الردّ بقرار من مجلس الوزراء بنزع شرعية سلاح الحزب

ساد اعتقاد عام بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية ان لبنان قد اقترب من البرهة «المؤاتية» لإيجاد حلول لمجموعة الازمات التي يتخبط فيها منذ اربعة عقود وأبرزها استعادة الدولة لسيادتها واعادة بناء مؤسساتها، والعودة إلى ممارسة الدولة لسياسة خارجية متوازنة، تخدم مصالح لبنان العليا على المستويين العربي والدولي.

وتعزّز هذا الاعتقاد من خلال تكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة العهد الاولى، وبالتالي تجاهله في انتقاء وزراء الحكومة من النخب غير الحزبية، والمشهود لها بثقافتها وخبراتها ومواقفها الاخلاقية والوطنية.

وجاء خطاب القسم ليؤكد اصرار الرئيس عون على اعتماد نهج اصلاحي واضح، مع تشديده على استعادة لبنان لسيادته الكاملة، بدءًا من حصر السلاح بيد الجيش والقوى الامنية الأخرى، ثم جاء البيان الوزاري للحكومة السلامية ليؤكد على معظم الوعود التي وردت في خطاب القسم، وخصوصاً لجهة استعادة الدولة لقرار السلم والحرب، والتخلص من رهن لبنان في خدمة المصالح الايرانية والفلسطينية، من خلال اسقاط ثلاثية، الجيش والشعب والمقاومة، والتي تسببت منذ عام 2006 بأضرار جسيمة في بنيته العمرانية والاقتصادية من خلال حربي 2006 وحرب «اسناد غزة» ما بين 8 تشرين أول 2023 و 23 تشرين ثاني في عام 2025.

ترافقت هذه التطورات الايجابية التي رافقت انتخاب العماد عون مع مجموعة من المتغيرات الكبرى على الصعيدين الاقليمي والدولي، بما فيها نتائج الحرب الاسرائيلية ضد أذرعة ايران العسكرية بدعم اميركي كبير ومتعاظم. وكشفت هذه الحرب مدى ضعف القدرات العسكرية لدى حزب الله ومدى ضعف وهشاشة القوة العسكرية الايرانية، وبالتالي سقطت معها فكرة محور المقاومة والممانعة والذي جهدت ايران لبنائه خلال أربعة عقود.

شكل سلاح حزب الله في لبنان طيلة هذه الفترة منذ اقرار اتفاق الطائف موضوع خلاف بين اللبنانيين حيث اعتبرته الاكثرية كسلاح بقية الميليشيات وأُلغي بنص الطائف على سحبه، بينما ذهبت فئات اخرى وبدعم سوريا إلى الادعاء بأنه سلاح مقاوم.

زاد الشرخ الداخلي حول وجود هذا السلاح بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان. وأدى الموقف الداخلي والخارجي المعارض لوجود سلاح الحزب، وخصوصاً بعد صدور القرار 1559 عن مجلس الامن إلى تصنيف الحزب كمنظمة ارهابية، كما ارتفعت أصوات المطالبة داخلياً بحل التنظيم المسلّح، انطلاقاً من اعتباره ميليشيا مسلحة.

في العام 2006 وتلبية للدعوات لاعتماد لبنان استراتيجية دفاعية وطنية عقدت طاولة الحوار في المجلس النيابي برئاسة الرئيس نبيه بري، ولكنها لم تتوصل إلى أي اتفاق في موضوع سلاح الحزب، واكتفت بالقول بنزع السلاح الفلسطيني والذي لم ينفذ بتوجيهات الحزب، وبنتيجة اندلاع حرب تموز 2006، والتي خرج منها الحزب مدعياً تحقيق انتصار إلهي وبالتالي فرض هيمنته الكاملة على الدولة ومختلف مؤسساتها.

لم تنجح جميع الضغوط الدولية والعربية الداعية لمعالجة مسألة سلاح حزب الله منذ 2029، وأدى هذا الفشل إلى عزل لبنان، بعد اتهام السلطة بالعجز السياسي والامني وبسقوط حق الدولة في سيادتها الكلية على أراضيها وقراراتها الوطنية.
استمرت الاوهام التي قالت بتوازن الردع مع اسرائيل وبالقدرة على حماية لبنان إلى ان وقعت مواجهة «اسناد غزة» بين الحزب واسرائيل، حيث ظهرت حالة عدم التكافؤ بين الحزب واسرائيل، والتي لم تقتصر على التفوق الناري والتكنولوجي، بل اثبتت عمق الاختراق المخابراتي الاسرائيلي، والذي نتج عنه اغتيال القارة الكبار للحزب وتدمير اسلحته وبناه التحتية الاساسية.

اعتقد معظم المراقبين ومعهم القيادات اللبنانية، ان وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، بعد المواجهة الشاملة لفترة شهرين بين الحزب واسرائيل، والتي اضعفت الحزب ومعه ايران ستؤدي حتماً إلى اقتناع الحزب بتسليم سلاحه للدولة. كان من الواضح ان مفاعيل الاتفاق لا تقتصر على منطقة جنوب الليطاني بل تشمل كامل الاراضي اللبنانية، انطلاقاً من نص الاتفاق على تنفيذ القرار 1701 كاملاً، والذي يستند صراحة على مندرجات القرارين 1559 و1680. وأوحى موقف المسؤولين في الحزب وقولهم بالوقوف وراء الدولة بوجود امكانية حقيقية لتسليم السلاح، ولاستعادة الدولة سيادتها كاملة، وفتح الباب لإنجاح الجهود الاميركية لتثبيت وقف اطلاق النار، وبالتالي العمل على تحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجنوب، والبدء بتدفق الاموال اللازمة لاعادة اعمار كل ما هدمته الحرب.

ظهر من المحادثات التي أجرتها مورغان أورتاغوس مؤخراً في بيروت بأن الحكومة الاميركية تضغط وتحث الدولة اللبنانية على تطبيق القرار 1701 في اسرع وقت ممكن، في المقابل شدد الرئيس عون على أهمية تسريع الحوار لإنهاء مسألة السلاح. لكن وبسحر ساحر انطلقت مواقف من مسؤولي حزب الله ترفض تسليم السلاح، وكان الخطاب الاخير للشيخ نعيم قاسم قاسياً وعالي اللهجة، مؤكداً قرار الحزب بعدم التخلي عن سلاحه.

السؤال المطروح الآن: هل يمكن ربط صحوة مسؤولي الحزب للاحتفاظ بالسلاح بقرار ايراني للاحتفاظ بسلاح الحزب كورقة ضغط في المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني والتي شهدت جولتين في مسقط وفي روما مؤخراً.؟

في رأينا ان التشدد الحاصل لا يشكل انقساماً في الرأي بين قيادات الحزب، كما يتصور البعض، ولكنه يعبّر عن نيّة هؤلاء القياديين واصرارهم على الحفاظ على السلاح خدمة لمصالح ايران، ولكنه بحجة الدفاع عن لبنان، وبحجة حشر الدولة للقيام بما يلزم لاخراج اسرائيل من النقاط الخمس، ووقف عملياتها المستمرة وباعادة بناء الجنوب قبل البحث بتسليم السلاح. وهي شروط تعجيزية للدولة، وكسب للوقت لإيجاد المعابر اللازمة للتمويل  واعادة تسليح الحزب وبناء قدراته القتالية من جديد.

يشكل خطاب نعيم قاسم تحدياً صارخاً للرئيس عون في رؤيته لحصر السلاح بالقوات المسلحة، ورفضاً واضحاً لمجهود الحكومة واعلانها استعادة قرار السلم والحرب.

في ظل التصعيد في مواقف مسؤولي الحزب يتراجع الامل بأية امكانية لتسليم سلاح الحزب طواعية، وربط هذا الأمر بمستقبل المفاوضات الجارية بين ايران واميركا، والتي يمكن في حال نجاحها ان تأمر طهران الحزب بالتخلي عن سلاحه والتحول إلى العمل السياسي فقط. سيؤدي مثل هذا الخيار إلى تعطيل البرنامج الاصلاحي للعهد، وتأخير حصول لبنان على الهبات والقروض اللازمة لاعادة الاعمار، واعادة اطلاق عجلة الاقتصاد الوطني، وحل الازمة المالية والمصرفية.

يتطلب تفادي مثل هذا الخيار ان يحزم العهد والحكومة أمرهما، وأن يعتمدوا مقاربة سريعة من خلال مجلس الوزراء باتخاذ  قرار نهائي بنزع أي شرعية عن سلاح حزب الله وتنظيمه العسكري، سيؤدي مثل هكذا قرار إلى توحيد موقف الاكثرية الساحقة من اللبنانيين وراء قرار الدولة، وبالتالي ممارسة أعلى أنواع الضغوط على الحزب وعلى سلاحه.