المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الاثنين 28 نيسان 2025 12:34:47
التقديرات تتحدث عن قطاع قد تصل قيمته إلى 260 مليار دولار بحلول 2030. قطاع يقوده طلب متزايد على روبوتات لم تعد تُخيف البشر، بل تمثّل امتدادًا لقدراتهم. وحتى الحكومة اللبنانية، المثقلة بأزماتها، لم تتأخر في التقاط النبض. فأنشأت وزارة للابتكار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. خطوة رمزية أكثر منها عملية، لكنها تعكس حجم التحوّل الحاصل. فالمسألة اليوم لم تعد في رفع العناوين، بل في بناء البنى التحتية الفعلية، ورعاية المواهب قبل أن يبتلعها الخارج.
تحويل آثار الحرب إلى فرص
لبنان، كعادته، يعيش تناقضاته حتى في عز الأمل. وسط الأزمات والانهيارات، نجح شبابه في زرع مشهد مختلف: بطولة الروبوتات والذكاء الاصطناعي (ARC) في نسختها العاشرة، نظمته مؤخراً الجامعة اللبنانية، كلية الحدث. البطولة حملت شعاراً له وقع خاص: "الروبوت والذكاء الاصطناعي في معالجة آثار الحرب".
شارك في البطولة أكثر من 550 شابًا وصبيّة من مختلف الفئات العمرية، موزعين على 133 فريقًا، يمثلون 85 مؤسسة تربوية من جميع المناطق اللبنانية. تنظيم البطولة جاء بتعاون بين الجامعة اللبنانية، جمعية "كلمات"، وتجمع المعلمين، وبلدية حارة حريك.
سميح جابر، منسق اللجنة المنظمة، يلخّص فلسفة البطولة لـ"المدن" قائلًا: "ديناميكية وتعيش نبض مجتمعها. لبنان عاش حربًا هذا العام. كان لا بد أن نُظهر طاقة الشباب في تحويل الدمار إلى فرص، وأن نرد على الحرب بابتكار".
ورغم الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الخانقة، جاء الإقبال هذه السنة مفاجئًا، كما يوضح جابر. ويقول: "منذ عشر سنوات فقط، كنا نقابل بالسخرية حين نتحدث عن الذكاء الاصطناعي والروبوتات. كنا بالكاد نجد فرقًا تشارك. اليوم، نعاني من فائض بالراغبين، وهذا أكبر دليل على أن هذا القطاع أثبت ضرورته وأن المستقبل لا ينتظر أحدًا".
جاءت بعض المشاريع المشاركة لتواكب هذا التحدي. فشهدت البطولة ابتكارات مخصصة لجرحى الحرب، مثل روبوتات للمساعدة في المشي والتنقل، وأخرى لفرز النفايات والركام، وروبوتات قادرة على اكتشاف العالقين تحت الردم، وأجهزة مخصصة لتفكيك الألغام. كما ابتكر المشاركون تقنيات موجهة لفئة جرحى البيجرز، الذين فقدوا بصرهم، عبر روبوتات تساعدهم على تحليل البيئة المحيطة بهم وشرح تفاصيلها صوتيًا.
في هذا السياق، يوضح جابر العلاقة البسيطة والعميقة بين الذكاء الاصطناعي والروبوت "الذكاء الاصطناعي هو البرمجيات، والروبوت هو الآلة. كلما ضخخنا الكودينغ المتطور في النظام، صار الروبوت أذكى وأكثر قدرة. الذكاء الاصطناعي يكمله ويرفع من إمكانياته".
اتقان لغة الآلة أو الانعزال
هذا التحوّل لم يبقَ حكرًا على المصانع والمختبرات. المدارس التقطت الإشارة سريعًا. لم تعد المناهج تقتصر على الرياضيات والعلوم التقليدية، بل اندمج فيها تعليم مبادئ الكودينغ، وفهم الخوارزميات، والتحكم بالآلات الذكية. صار التلميذ يتعلّم من الروضة كيف يكلّم الآلة بلغة تفهمها.
تقول لينا إسماعيل لـ"المدن": "بدأت ألاحظ مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات. فكّرت أن ابني، حين يكبر، سيكون بحاجة إلى هذا العالم. سجلته منذ عامين في دورة برمجة وذكاء اصطناعي". هذه المبادرات، التي كانت تُعد ترفًا قبل سنوات، صارت ضرورة. الآباء الذين كانوا يخشون الغزو التكنولوجي، باتوا يلهثون اليوم لتأمين مقاعد لأولادهم في أندية البرمجة ومختبرات الذكاء الاصطناعي، بعدما أدركوا أن من لا يتقن لغة الآلة، سيجد نفسه معزولًا خارج سوق العمل. يقول محمد علي فرحات، أحد مؤسسي نادي steamx "الإقبال على النادي غير مسبوق. الناس فهمت أن هذه المهارات لم تعد كماليات، بل صارت شروطًا للنجاح في هذا العصر".
محمد الشامي أحد المشاركين في المسابقة عبّر عن شعوره بالفخر بعد نجاح فريقه بأحد الجوائز، وأكد أن هذه الفعالية لم تكن مجرد منافسة، بل محطة تعلم حقيقية. وأضاف قائلًا: "تعلمنا كيف نحول الأفكار النظرية إلى مشاريع عملية تمشي أمامنا وتتحرك بين أيدينا، لكننا بحاجة لدعم إذا سافرنا لتمثيل لبنان خارجا".