المصدر: نداء الوطن
الكاتب: عبدالله عبد الصمد
الأربعاء 26 شباط 2025 07:18:12
بين الحاجة والرفاهية يتمدّد قطاع العاملات المنزليات، أو يتقلّص، محكوماً بالحالة الاقتصاديّة للمجتمع اللبناني ككلّ. إنه القطاع الأكثر حساسيّة للأزمات المالية، ففي حين سجّلت العمالة المقوننة أعلى مستوىً لها في العامين 2018 و2019، جرّاء إقرار سلسلة الرتب والرواتب، عادت وهبطت هبوطاً شبه عموديّ في العام 2020، لتفتح المجال للعمالة غير الشرعية القادمة من سوريا. فما هو وضع القطاع بين الأمس واليوم؟
إبان فترة الانهيار الاقتصادي، وتحديداً بين العامين 2022 و2023، اضطرت أم سمير، لإحضار جليسة تؤنس وحدتها وتساعدها في الأعمال المنزلية. امرأة مسنّة اغترب ولداها عن الوطن، ولم يكن بوسعها سوى الاتفاق مع سيدة سورية لتهتم بشؤون المنزل. بعقد عمل شفهيّ، وبدخول غير شرعيّ، حضرت "روعة" من سوريا. كانت تتقاضى مئتَي دولار كأجر شهريّ، ثم طلبت زيادة قدرها خمسون دولاراً، فكان لها ذلك. في منتصف العام التالي طلبت زيادة أخرى، فتمّ الاستغناء عنها.
منذ سبعة أشهر تقريباً استقدمت أم سمير عاملة أثيوبية، بتكلفة تقارب الألفيّ دولار وبراتب 150 دولاراً، وصلت "كامارا" إلى لبنان بعقد عمل شرعيّ. عانت في البداية من التفاهم معها. لعنت الساعة التي قرّرت فيها الاستغناء عن "روعة"، لكن كان قد حصل ما حصل. بعد سبعة أشهر من العيش معاً، انتظمت الأمور بينهما، وازداد التفاهم يوماً بعد يوم. وباتت تجيب من يسألها: "الشغل القانوني بيريّح الراس".
مع تراجع الدخول غير الشرعي إلى لبنان في الأشهر القليلة الماضية، بدأت حركة مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات العودة إلى طبيعتها، ولو بتحسنٍ خجول. عشرات العاملات كُنَّ يدخلن يومياً خلسة من سوريا، مشكّلات أرقاماً ضخمة للعمالة غير الشرعية في قطاع أرهقته الأزمات المالية، مما انعكس سلباً على المكاتب وعلى خزينة الدولة.
من دون أي تكاليف مسبقة، كانت العاملة السوريّة تتقاضي بين 150 و200 دولار أميركي شهرياً، قد يرتفع أكثر في بعض الأحيان، أي ما يوازي راتب عاملة أفريقيّة من دون تكاليف السفر والكفالة والتأمين الصحيّ، ومن دون أي التزام قانونيّ تجاه العاملة القادمة إلى لبنان.
عودة عدد كبير من النازحين السوريين جرّاء الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ثم انهيار نظام الأسد في سوريا، أدّيا إلى تراجع في عدد العاملات السوريات، وكان لا بدّ من اللجوء إلى مكاتب الاستقدام لسدّ النقص الحاصل، فبدأ القطاع العودة تدريجياً إلى حالته الطبيعيّة.
ثلاث مراحل مرّ بها العمل المنزلي
وفقاً لإحصاءات وزارة العمل اللبنانية، وصلت إجازات العمل التي تُمنح للمرّة الأولى تحت مسمّى "عاملة منزلية" في العام 2018 إلى 76545 إجازة، ليتدنى عددها خلال العام 2020 فتصل إلى 9362 إجازة، بتراجع يفوق 87 في المئة، وهو دليل واضح على تأثر القطاع بالانهيار الاقتصادي الحاصل في حينها. أما إحصاءات العام 2023، وهي الإحصاءات الأخيرة المنشورة على موقع الوزارة، فقد أظهرت تحسناً كبيراً في الأرقام، إذ وصل عدد الإجازات التي تُمنح للمرة الأولى إلى 23,144 إجازة، أي بتحسن بلغ أكثر من 247 في المئة عن العام 2020. ويُتوقَّع أن يكون عدد الإجازات الممنوحة قد ارتفع أكثر خلال العام 2024. فوفقاً للمنظمة الدولية للهجرة بلغ عدد المهاجرين إلى لبنان في العام 2024، 170,000 مهاجر.
توزيع أجور العاملات بحسب الجنسية
كثيرة هي العائلات التي تستعين بعاملات منزليات يعملنَ "بالساعة"، منهن السوريات المقيمات مع أزواجهن في لبنان، واللواتي يتراوح أجرهن بين ثلاثة دولارات وخمسة دولارات عن الساعة الواحدة، بحسب المنطقة، بحيث ترتفع في المدن وتتدنّى في البلدات النائية نسبياً. وهناك العاملات الأجنبيات اللواتي يتَّفقنَ مع كفلائهن اللبنانيين على العمل لحسابهنّ، وهو التفاف على قانون العمل. أولئك يتراوح أجرهن عن الساعة بين أربعة وثمانية دولارات، ويختلف باختلاف المنطقة.
أما تكلفة الاستقدام من الخارج، فتتراوح بحسب وليد أبو كروم، صاحب أحد مكاتب الاستقدام في جبل لبنان، بين ألف وثمانمئة دولار للعاملة الأثيوبية، وسبعة آلاف دولار للعاملة الفيليبينيّة. أما أجورهنّ الشهرية فتختلف، كما تكلفة الاستقدام، من جنسية إلى أخرى، بحيث يبدأ الأجر الشهري للعاملة الأثيوبية بمئة وخمسين دولاراً، ليصل إلى خمسمئة دولار للعاملة الفيليبينيّة. ولم يطرأ على هذه المبالغ أي تعديل يُذكر منذ العام 2018.
بغضّ النظر عن جنسية العاملة المستقدمة إلى لبنان، تتقاضى وزارة العمل بدل موافقة مسبقة قيمتها مليونَي ليرة لبنانية، ورسم إجازة عمل قيمتها ستة ملايين ليرة لبنانية. أما رسوم الإقامة، فتستوفيها المديرية العامة للأمن العام، وتبلغ قيمتها ثلاثة عشر مليون ليرة لبنانية. تضاف إلى ذلك رسوم تسجيل لدى الكاتب العدل وعقد التأمين، بحسب الموقع الرسمي للمديرية العامة للأمن العام.
إذاً، ما بين وزارة العمل، والمديرية العامة للأمن العام، تتقاضى الدولة اللبنانية 21،000،000 ليرة لبنانية عن كلّ عاملة منزلية مستقدمة إلى لبنان، ما يعادل 235 دولاراً أميركياً. أي أنها أدخلت إلى خزائنها 5,438,840 ملايين دولار خلال العام 2023، عن 23,144 إجازة عمل جديدة. تضاف إلى هذا المبلغ رسوم تجديد الإجازات والإقامات للعاملات المقيمات. والمبلغ الإجمالي ارتفع في العام 2024.
العاملات المخالفات لنظام الإقامة
وفق إحصاء نشرته الدولية للمعلومات على موقها الإلكتروني، تراوح عدد العمال الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية بين 100 ألف و150 ألفاً، في العام 2019، ما يقارب نصفهم غادر لبنان خلال العام 2020، والعدد الأكبر منهم كان من العاملات المنزليات.
هذا في ما خصّ العاملات الأجنبيات، أما العاملات من الجنسية السورية والمقيمات من دون عقد عمل، فلا يمكن إحصاء عددهن بشكل دقيق، لا سيما أن العديد منهنّ غادرن لبنان خلال الأشهر الماضية.
وفق أبو كروم، يلتزم مكتب الاستقدام بتأمين عاملة منزلية خلال ثلاثة أشهر للعميل الذي فرّت العاملة الأساسيّة من منزله. أما المسؤولية القانونية فتقع على العاملة نفسها وعلى صاحب العمل إذا توانى عن إبلاغ السلطات المختصّة بفقدانها.
يبقى على السلطات المختصة متابعة ملف الإقامة غير الشرعية بحزم، وتحديث عقود العمل بما يتناسب مع البيان الوزاري الذي أعطى "حقوق الإنسان" الأهمية التي تستحقها، أملاً بأن يرتفع تصنيف لبنان الدولي في هذا المجال. وكان قد انخفض تصنيفه العالمي عن العام 2023، في ما يتعلّق بالإتجار بالبشر، إلى قائمة المتابعة من المستوى الثاني Tier 2 watch list كنتيجة للإدارة الحالية لملف العمالة المنزلية، بحسب ما ذكرته الهيئة العامة لحقوق الإنسان في لبنان.
العمالة غير الشرعيةمصدر في الأمن العام يتحدث لـ"نداء الوطن" عن العمالة غير الشرعيّة:
1- ماهو حجم العمالة غير الشرعية اليوم في لبنان؟ جميع الإحصاءات المنشورة غير دقيقة، فمن خلال متابعتنا على الأرض، يتبيّن لنا أن حجم العمالة غير الشرعية أعلى من الأرقام التي تنشرها الإحصاءات. ومنها العاملات المنزليات. وقد زاد من حجمها النزوح السوري، خصوصاً المسجلين على لوائح الأمم المتحدة كلاجئين.
2- ما هي تبعات هذه العمالة على المواطن اللبناني؟ لا يتأثر المواطن اللبناني بشكل مباشر بهذه العمالة، بل على العكس، فهو يشعر بأنه يلبي احتياجاته اليومية بأقل تكلفة ممكنة. لكن الذي يتأثر هو الاقتصاد العام للوطن.
3- كيف ينعكس تأثيرها على الاقتصاد؟ من خلال التهرّب من الرسوم والضرائب، تلك التي تغذي الخزينة العامة. وكلّ نقص فيها سينعكس حكماً على المواطن اللبناني. صحيح أن أولئك العاملين بطرق غير شرعية يدفعون الضرائب غير المباشرة عبر شراء الاحتياجات والخدمات، لكنهم يتهربون من رسوم الإقامة والعمل.
4- ما هي التبعات الأمنية لوجودهم في لبنان؟ نسمع كل يوم في نشرات الأخبار عن جرائم وارتكابات وتنظيم عصابات. في أغلب الأحيان يكون منفذوها من أولئك المقيمين بطريقة غير شرعية. هم يخلقون أوكارهم ويستدرجون آخرين. جميع الأجهزة الأمنية تلاحقهم، وتوقف من تقع عليه أيديها، لكن أعدادهم كبيرة، ويختبئون في مناطق مكتظة.
5- هل من خطة لإنهاء العمالة غير الشرعية؟ هذه الحالة موجودة في كل دول العالم، مهما كانت الخطة، لا يمكن إنهاء الوجود غير الشرعي نهائياً، لكن يمكننا تقليصها والحدّ منها بتضافر جهود كلّ الأجهزة. المهم أن نصل إلى مجتمع آمن. |