الشرق الأوسط والتقاطع بين أهداف جو بايدن ودونالد ترامب

على رغم كل ما يتم الترويج له، فإن عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لن تحدث انقلاباً دراماتيكياً في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. الموضوع لا يتعلق بالأسلوب الذي سيختلف جذرياً مع الرئيس ترامب، مع أن بعض المراقبين يعتبرون أن ترامب الثاني سيكون مختلفاً عن ترامب الأول، لا سيما أنه من الناحية السياسية قد نضج مع التجربة المُرّة التي عانى منها منذ خروجه من البيت الأبيض، ولغاية عودته إليه بعد أربع سنوات.

ما نتحدث عنه هو السياسة الأميركية الخارجية التي ترسم بشكل أو بآخر من قبل "الاستبلشمنت" أو ما يعرف بالدولة العميقة في الولايات المتحدة، التي تُمثّل الوعاء الذي يتحرك فيه الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي. فدونالد ترامب الذي اغتنت تجربته السياسية الداخلية والخارجية، قد يفاجئنا في "طبعته" الرئاسية الثانية. وما من شك في أن الأشهر الأخيرة من حملته لفتت المراقبين بتغيير أصاب أسلوب ترامب نفسه. ربما كانت محاولات الاغتيال التي تعرض لها فعلت فعلها، وربما يكون الهجوم الكبير الذي تعرض له من قبل الدولة العميقة بعد خروجه من البيت الأبيض وفي المرحلة الأولى من حملته الانتخابية قد أثّر في طريقة تفكيره، أو أن شيئاً تغيّر في علاقته مع "الاستبلشمنت" جرت ترجمته في توسع قاعدته الناخبة لتشمل فئات جندرية جديدة، وأثنية غير متوقعة، وأيضاً عمرية كانت تستند إليها المرشحة كامالا هاريس.

لا نريد أن نذهب بعيداً في الخيال، ولا أن نُعزز نظرية المؤامرة، ولا أن نُعظّم من دور "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، إنما ما نحاول أن نقوله أن ترامب-2 لن يكون بالضرورة نسخة طبق الأصل عن ترامب-1.

أما بالنسبة إلى ملفات الشرق الأوسط فهي واضحة، وفي الآونة الأخيرة بدا للمراقبين أن إدارة الرئيس جو بايدن بدأت تبتعد لناحية مقاربتها للملفات عن مقاربة الأب الروحي لعهد بايدن، ونعني الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي يقال على سبيل النكتة، إنه يوم الثلاثاء الماضي خسر ولاية رابعة في البيت الأبيض.

ومقاربة الرئيس بايدن المتحولة ربما فرضتها عليه عناصر جديدة طرأت على المشهد، أولها، عملية "طوفان الأقصى" التي يُمكن اعتبارها هجوماً يرقى بخطورته على مصالح العامل الغربي بقيادة الولايات المتحدة إلى هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن. والمسألة لا تتعلق بمصير إسرائيل ووجودها فحسب، بل بمصير الغرب عموماً لاسيما أن "طوفان الأقصى" أتى بعد اندلاع حرب أوكرانيا بهجوم روسي على شرقي القارة الأوروبية. ثم إن عملية "طوفان الأقصى"، وبصرف النظر عن القضية الفلسطينية، هي في مكان ما هجوم إيراني على القاعدة المتقدمة في حلف "الناتو" عند الطرف الغربي للقارة الآسيوية (إسرائيل)، وعلى مشروع "الممر الهندي– الشرق أوسطي– الأوروبي الاقتصادي" الذي كان أُقرّ قبل "طوفان الأقصى" ببضعة أسابيع. العنصر الثاني مرتبط بقيام إيران بفك التفاهمات غير المرئية بينها وبين إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي مهدت لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني في تموز 2015، الذي بدوره مهّد لتمويل السياسة التوسعية الإيرانية في المشرق العربي، من العراق وسوريا إلى لبنان وغزة واليمن. وفك التفاهمات تجلى على مستوى تورط إيران في دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا وتوريد أسلحة فتاكة أهمها الصواريخ الباليستية الرخيصة الثمن وأيضاً المسيرات الانقضاضية مثل "شاهد– 136". هذا بحد ذاته إعلان حرب على الغرب من قبل قوة إقليمية في الشرق الأوسط. وثالثاً، مع نجاح إسرائيل في توجيه ضربات قاتلة للتنظيم العسكري لـ"حزب الله" الذي يعتبر الأميركيون أن يديه تلطختا بدماء أميركيين وإن إضعافه ضروري لاحتواء الخطر الإيراني الإقليمي، فإن الحري بأميركا أن تدعم حرب إسرائيل لتقويض الماكينة العسكرية لحزبٍ هو من الناحية العملية ذراع إيرانية تأتمر بإيران وتشكل خط الدفاع الأول عن النظام خارج الحدود في الإقليم.

انطلاقاً مما تقدّم، فإن التقاطع بين سياسة إدارة الرئيس جو بايدن الحالية والسياسة المتوقعة من إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة سيكون كبيراً على مستوى الأهداف الاستراتيجية. وأولها احتواء التمدد الإيراني الذي لم يعد مقبولاً حتى في الأوساط المتأثرة بعقيدة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ومن هنا لن نستبعد احتمال أن تتعرّض إيران لضربة إسرائيلية كبيرة في المدى القريب أو المتوسط، كما لن نستبعد مزيداً من العنف في مقاتلة "حزب الله" في لبنان بغرض تقويضه عسكرياً تمهيداً لنزع سلاحه نهائياً. فالنافذة مفتوحة إنما من الصعب التكهن بالفترة الزمنية التي ستبقى فيها الفرصة متاحة.