المصدر: وكالات
الكاتب: كريم مروة
الاثنين 18 آب 2025 21:20:34
مَقَالَةٌ مُهِمَّةٌ لِكَرِيم مَرْوَة نقلًا عن صفحة الدكتور محمد علي مقلّد.
هُنَاكَ إِنكَارٌ مُجْحِفٌ لِفَضْلِ "لُبْنَانَ الْكَبِيرِ" عَلَى الشِّيعَةِ، هَذَا الْكَيَانُ الَّذِي أَعْطَاهُمْ مَا لَمْ يَحْصُلُوا عَلَيْهِ خِلَالَ 500 عَامٍ مِنَ الْحُكْمِ الْعُثْمَانِيِّ وَ250 عَاماً مِنَ الْحُكْمِ الْمَمْلُوكِيِّ.
دَخَلَ شِيعَةُ جَبَلِ عَامِلٍ وَالْبِقَاعِ الْكَيَانَ اللُّبْنَانِيَّ عَامَ 1920 وَهُمْ فِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ وَأُمِّيَّةٍ شِبْهِ كَامِلَةٍ، وَرُهَابٍ جَمَاعِيٍّ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْمَجَازِرِ. فَسَلَاطِينُ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ أَيَّامِ الْمَمَالِيكِ اعْتَبَرُوا الشِّيعَةَ خَارِجِينَ عَنِ الدِّينِ وَفَتَكُوا بِهِمْ بِلَا رَحْمَةٍ. مَذَابِحُ الشِّيعَةِ عَبْرَ الْعُصُورِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى وَامْتَدَّتْ إِلَى كُلِّ أَنْحَاءِ الشَّرْقِ مِنْ جُبَيْلٍ وَكِسْرَوَانَ إِلَى طَرَابُلُسَ وَحَلَبَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالنَّجَفِ وَغَيْرِهَا. وَمَذْبَحَةُ جَبَلِ عَامِلٍ الرَّهِيبَةُ أَيَّامَ الْعُثْمَانِيِّينَ عَامَ 1781 سَبَقَتْ مَذَابِحَ الْمَسِيحِيِّينَ الْمُرْعِبَةَ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ عَامَ 1860 بِأَقَلَّ مِنْ قَرْنٍ. وَكُلُّ هَذَا مَحْفُورٌ فِي ذَاكِرَتِهِمُ الْجَمَاعِيَّةِ.
دُخُولُ الشِّيعَةِ لُبْنَانَ الْكَبِيرَ شَكَّلَ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ انْعِتَاقاً مِنَ الظُّلْمِ. الِانْتِدَابُ الْفَرَنْسِيُّ تَبَنَّى سِيَاسَةَ تَقْوِيَةِ الْأَقَلِّيَّاتِ مُنْذُ يَوْمِهِ الْأَوَّلِ لِكَسْرِ شَوْكَةِ الْأَكْثَرِيَّةِ السُّنِّيَّةِ فِي لُبْنَانَ وَسُورِيَا. وَاسْتَفَادَ الشِّيعَةُ مِنْ هَذِهِ السِّيَاسَةِ، فَدَخَلُوا نَادِيَ الطَّوَائِفِ فِي لُبْنَانَ وَسُمِحَ لَهُمْ بِإِنْشَاءِ مَحْكَمَةٍ جَعْفَرِيَّةٍ رَسْمِيَّةٍ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي تَارِيخِهِمْ. وَسَاهَمَتِ الْمَدَارِسُ الِابْتِدَائِيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ النَّاشِئَةُ بِمَحْوِ الْأُمِّيَّةِ لَدَى أَجْيَالِهِمُ الطَّالِعَةِ. وَوَصَلَتْ مَشَارِيعُ الِانْفِرَاسْتْرَاكْتْشَرِ إِلَى مَنَاطِقِهِمْ فِي الْجَنُوبِ وَالْبِقَاعِ. وَفَتَحَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى الْمُسْتَعْمَرَاتِ الْفَرَنْسِيَّةِ فِي أَفْرِيقِيَا الْغَرْبِيَّةِ أَبْوَابَ الثَّرْوَةِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُمْ. كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ الِانْتِدَابِ الْفَرَنْسِيِّ.
وَفِي عَهْدِ الِاسْتِقْلَالِ، تَوَاصَلَ الْإِنْمَاءُ وَلَوْ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُتَوَازِنٍ. وَلَكِنَّهُ كَانَ مَوْجُوداً وَأَمَّنَ فُرَصاً اقْتِصَادِيَّةً لِلْكَثِيرِينَ: مِنْ مَصْفَاةِ النَّفْطِ فِي الزَّهْرَانِيِّ إِلَى مَشْرُوعِ رَيِّ الْقَاسِمِيَّةِ (الَّذِي سَمَحَ بِتَمَدُّدِ بَسَاتِينِ الْحَمْضِيَّاتِ عَلَى كَامِلِ السَّاحِلِ الْجَنُوبِيِّ) إِلَى بُحَيْرَةِ الْقَرَعُونِ وُصُولاً إِلَى مَحَطَّةِ تَوْلِيدِ الْكَهْرَبَاءِ عَلَى نَهْرِ الْأَوَّلِيِّ وَغَيْرِهَا. وَلِلتَّارِيخِ، فَإِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَشَارِيعِ الِإِنْمَائِيَّةِ كَانَتْ، يَا لِلْهَوْلِ، بِتَمْوِيلٍ مِنَ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمِيرْكِيَّةِ.
أَمَّا فِي بَيْرُوتَ، فَتَرَقَّى الشِّيعَةُ مِنْ مَسَّاحِي أَحْذِيَةٍ وَعُمَّالٍ مِيَاوِمِينَ وَعَتَّالِينَ فِي الْمَرْفَأِ وَأَسْوَاقِ بَيْرُوتَ، إِلَى مِهَنِيِّينَ وَأَصْحَابِ مَصَالِحَ فِي أَقَلَّ مِنْ جِيلٍ. وَسَاهَمَتِ الْجَمْعِيَّةُ الْخَيْرِيَّةُ الْعَامِلِيَّةُ فِي رَفْعِ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ عِنْدَهُمْ مِنَ الِابْتِدَائِيِّ إِلَى الثَّانَوِيِّ، أُسْوَةً بِمَا كَانَتْ قَدْ أَنْجَزَتْهُ جَمْعِيَّةُ الْمَقَاصِدِ الْخَيْرِيَّةُ عِنْدَ السُّنَّةِ.
ثُمَّ جَاءَ تَأْسِيسُ الْجَامِعَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ أَيَّامَ الرَّئِيسِ فُؤَادِ شِهَابٍ لِيُقَلِّصَ أَكْثَرَ الْفَجْوَةَ التَّعْلِيمِيَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِ اللُّبْنَانِيِّينَ. فَتَخَرَّجَتْ أَفْوَاجٌ مِنَ الطُّلَّابِ الشِّيعَةِ مِنْهَا وَحَصَلُوا عَلَى شَهَادَاتٍ عُلْيَا أَهَّلَتْهُمْ لِتَبَوُّءِ وَظَائِفِ "وَايْت كُولَار" لَمْ تَكُنْ مُتَاحَةً لَهُمْ سَابِقاً.
وَلَعِبَ الشِّيعَةُ بَعْدَ الِاسْتِقْلَالِ دَوْرَ "بَيْضَةِ الْقَبَّانِ" فِي الصِّرَاعَاتِ السِّيَاسِيَّةِ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّينَ وَالسُّنَّةِ وَالدُّرُوزِ بِصُورَةٍ سَلِسَةٍ وَمُسَالِمَةٍ، الْأَمْرُ الَّذِي حَبَّبَ الْجَمِيعَ بِهِمْ. وَكَرَّسَتْ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ الَّتِي كَانَ يَمْلِكُهَا صَحَافِيُّونَ شِيعَةٌ، وَلَاسِيَّمَا جَرِيدَةُ "الْحَيَاةِ" الَّتِي كَانَتِ الْجَرِيدَةَ اللُّبْنَانِيَّةَ الْأَوْسَعَ انْتِشَارًا يَوْمَهَا، كَرَّسَتْ مَوْقِعَهُمْ كَحُمَاةٍ لِلْكَيَانِ.
وَلَكِنْ بِالرَّغْمِ مِنْ كُلِّ هَذَا لَمْ يَصِلِ الشِّيعَةُ قَبْلَ الْحَرْبِ الْأَهْلِيَّةِ إِلَى مُسْتَوَى الْإِنْمَاءِ وَالثَّرْوَةِ الَّتِي كَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْهَا أَبْنَاءُ الطَّوَائِفِ الْأُخْرَى. لِمَاذَا؟ رُبَّمَا لِأَنَّهُمْ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ بَدَأُوا مِشْوَارَ التَّرَقِّي مِنْ تَحْتِ الصِّفْرِ بِعَكْسِ الْآخَرِينَ. وَهَذَا مَا أَبْقَى شُعُورَهُمْ بِالْغُبْنِ قَائِماً بِسَبَبِ عَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ اللِّحَاقِ بِرَكْبِ شُرَكَائِهِمْ فِي الْوَطَنِ. وَيُشَارُ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ الْإِمَامُ مُوسَى الصَّدْرُ عَلَى الْمَسْرَحِ السِّيَاسِيِّ فِي سِتِّينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْمَاضِي لَمْ يَسْتَخْدِمْ كَلِمَاتٍ قَاسِيَةً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْغُبْنِ. اخْتَارَ كَلِمَةَ "حِرْمَانٍ" وَهِيَ كَلِمَةٌ لَطِيفَةٌ وَعَاطِفِيَّةٌ فِي آنٍ، كَمَنْ يُرِيدُ الْعِتَابَ وَلَيْسَ الْقِتَالَ. لَمْ يَكُنْ وَضْعُ الشِّيعَةِ كَارِثِيًّا كَمَا يَدَّعِي الْبَعْضُ الْيَوْمَ. لِذَلِكَ لَمْ يُطَالِبِ الصَّدْرُ بِإِعَادَةِ النَّظَرِ جَذْرِيًّا بِالْكَيَانِ كَمَا كَانَ يُطَالِبُ بِهِ يَوْمَهَا زُعَمَاءُ آخَرُونَ كَكَمَالِ جُنْبُلَاطَ وَرَشِيدِ كَرَامِي وَمَعْرُوفِ سَعْدٍ، وَلَمْ يَدْعُ إِلَى الِالْتِحَاقِ بِالتَّيَّارِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الرَّئِيسُ جَمَالُ عَبْدُ النَّاصِرِ وَوَرِثَتْهُ جَبَهَاتُ الرَّفْضِ وَالصُّمُودِ وَالتَّصَدِّي وَالْبَعْثِ وَالْمُمَانَعَةِ لَاحِقاً، وَلَمْ يَتَبَنَّ الْكِفَاحَ الْمُسَلَّحَ الَّذِي مَشَى فِيهِ الْفِلِسْطِينِيُّونَ. بَقِيَتْ حَرَكَةُ الْإِمَامِ الصَّدْرِ وَالَّتِي سَمَّاهَا "حَرَكَةَ الْمَحْرُومِينَ" حَرَكَةً مَطْلَبِيَّةً. وَلَمْ تَتَحَوَّلْ إِلَى غُولٍ إِلَّا بَعْدَ اخْتِفَائِهِ وَاسْتِشْهَادِهِ، وَتَحْدِيداً لِأَنَّهَا الْتَحَقَتْ بِالتَّيَّارَاتِ الرَّادِيكَالِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ. وَهَذَا الِالْتِحَاقُ مَنَعَ الْهَوَاءَ عَنْ أَعْدَادٍ كَبِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ الْمُعْتَدِلِينَ وَلَا يَزَالُ. ثُمَّ جَاءَ الْفِكْرُ الْخُمَيْنِيُّ لِيُغْلِقَ كُلَّ الطَّاقَاتِ.
إِذَا كَانَ مِنْ بَيْنِ الشِّيعَةِ الْيَوْمَ مَنْ هُمْ مِنْ أَغْنَى أَغْنِيَاءِ لُبْنَانَ، أَوْ مِنْ أَفْضَلِ مُثَقَّفِيهِ وَإِعْلَامِيِّيهِ وَفَنَّانِيهِ، فَهُوَ بِسَبَبِ دُخُولِهِمْ لُبْنَانَ الْكَبِيرَ، وَلَيْسَ الْعَكْسَ. دُخُولُ الشِّيعَةِ لُبْنَانَ الْكَبِيرَ فَتَحَ أَمَامَهُمْ أَبْوَابَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ، وَأَعْطَاهُمْ فُرْصَةَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَفْرِيقِيَا الْغَرْبِيَّةِ، بِتَشْجِيعٍ أَوْ غَضِّ نَظَرٍ -لَا فَرْقَ- مِنْ فَرَنْسَا الدَّوْلَةِ الْمُسْتَعْمِرَةِ هُنَاكَ آنَذَاكَ. وَيَكَادُ قَضَاءُ الزَّهْرَانِي/ صُورَ الْيَوْمَ بِفَضْلِ الْمُغْتَرِبِينَ الشِّيعَةِ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى مِنْ قَضَاءِ الْمَتْنِ، جَوْهَرَةِ الِاقْتِصَادِ فِي لُبْنَانَ. وَالْآنَ فَلْنَفْتَرِضِ الْعَكْسَ: مَاذَا لَوْ بَقِيَ الشِّيعَةُ جُزْءاً مِنْ سُورِيَةَ أَوْ فِلَسْطِينَ كَمَا كَانُوا تَارِيخِيًّا؟ أَمَا كَانَتْ حَالُهُمُ الْيَوْمَ كَحَالِ السُّورِيِّينَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ الرَّازِحِينَ تَحْتَ الْبُؤْسِ وَالْعَوَزِ وَالظُّلْمِ وَالتَّهْجِيرِ؟
وَأَخِيرًا، فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ بِمَوْضُوعِ الْحِرْمَانِ وَالِادِّعَاءَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ "مُؤَامَرَةٌ لِرَدِّ الشِّيعَةِ مَسَّاحِي أَحْذِيَةٍ"، مَا هُوَ إِلَّا جُحُودٌ وَنُكْرَانٌ لِلْجَمِيلِ وَنِسْيَانٌ لِلِاحْتِضَانِ الْوَطَنِيِّ الَّذِي نَعِمَ بِهِ شِيعَةُ لُبْنَانَ بَعْدَ 1920. تَخْوِيفُ الشِّيعَةِ مِنْ هَذَا الْمَآلِ هُوَ لِلتَّعْمِيَةِ. إِنَّهُ كَلَامٌ مُخْزٍ هَدَفُهُ التَّغْطِيَةُ عَلَى خَوْفٍ آخَرَ... الْخَوْفِ مِنَ الثَّأْرِ - ثَأْرِ الشُّعُوبِ بِسَبَبِ انْخِرَاطِ قِيَادَاتِهِمُ الْحَالِيَّةِ فِي حُرُوبِ سُورِيَا وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ... وَإِمْعَانِهِمْ فِي الْقَهْرِ بِلُبْنَانَ.