المصدر: Kataeb.org
السبت 12 نيسان 2025 15:20:18
عشية ذكرى الخمسين لإنطلاقة المقاومة اللبنانية، لفت النائب الدكتور سليم الصايغ عبر صوت لبنان، إلى أنّه كان دائمًا يسأل نفسه قبل أن يوجّه هذا السؤال إلى الكتائب إذا كان هناك من قراءة محدثة بعد خمسين عامًا من الحرب"، وقال: "القراءة في السياسية ترتكز على قراءة تستشرف المستقبل، فلا يمكن اعتبار كتب التاريخ مجرد سردية أو وصف فوتوغرافي للواقع كما هو، وبالتالي، يُكتب التاريخ بالسياسة، وبالنتيجة على القيادات معرفة أي لبنان نريد، وعلى أساسه نكتب المستقبل."
وأكدّ الصايغ أنّه "مع المدرسة التي تؤكد أن التاريخ كسردية مجرّدة من أي إطار غير موجود فكل طرف يسرد القصة على طريقته، ولا ننسى المحاضر الرسمية وتقارير الدرك ومخابرات الدولة اللبنانية لما حدث في ذلك اليوم".
وشدد على أنّ "الحرب لم تبدأ في 13 نيسان إنما بدأت قبل اتفاق القاهرة، لأن هذا الاتفاق جاء نتيجة سيطرة الفلسطينيين في لبنان على الدولة والسيادة اللبنانية واستباحوا كل المقدسات، وأصبح الجيش اللبناني في حالة دفاع وليس في حالة سيطرة على الأرض، وعقد هذا الاتفاق في مصر لأن الدولة اللبنانية لم تكن قادرة على عقده في الداخل، لأن لبنان كان يتمزّق ويتفتت بسبب هذا العامل الفلسطيني الكبير، والدولة كانت قد تلتقط انفاسها وتعمل على شراء الوقت، إضافة إلى أن القوى اللبنانية كافة كانت تنظر إلى ترتيب الوضع".
وقال: "عندما حاول ياسر عرفات الانقلاب على الملك حسين في عمان، استطاع الأخير ضبط الوضع عام 1970، بالتالي، انتقلت القيادة الفلسطينية بكاملها وبنيتها التحتية إلى بيروت والمخيمات، وأصبح من الممنوع على الجيش اللبناني والقوى الأمنية الدخول إلى هذه المخيمات، ولم يعد لاتفاق القاهرة أي معنى، فأصبح هناك فرض أحادي من قبل منظمة التحرير الفلسطينية لإرادتها على لبنان، وأربك الساحة اللبنانية الداخلية."
وأضاف: "اعتقد بعض اليسار اللبناني أنه قادر على استخدام الورقة الفلسطينية للحدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية أو ما سُمّيَ حينها بالإمتيازات المسيحية في النظام، من أجل المطالبة بإصلاحات سياسية، وهنا تداخل العامل الداخلي بالعامل الفلسطيني، وأصبحت الأزمة اللبنانية ليست فقط أزمة سيادة وقانون، بل أصبحت أيضًا أزمة خارجية محلية، فتداخلت العوامل ببعضها وتعطلت الدولة."
وشدد الصايغ على أنّه "لا يمكن أن ننسى حادثة الكحالة عام 1970 عندما انقلبت شاحنة كبيرة تابعة لموكب فلسطيني، مما استفز الأهالي العُزّل وقتها، ووقف الأهالي بدون أي سلاح في وجه الفلسطينيين لمنعهم من الاعتداء عليهم، وأيضًا نذكر عام 1973، عندما جاء الجيش اللبناني لحزم أمره بقيادة رئيس الجمهورية سليمان فرنجية لضبط وضع المخيمات، حيث مُنع الجيش من التدخل تحت ضغط عربي ودولي، فعندها قررت الكتائب، بالتعاون مع الجيش اللبناني والدولة اللبنانية، عدم ترك لبنان في وجه هذه الفوضى، وتم إنشاء مخيمات للتنشئة والتدريب البدني للشباب من أجل إسناد الجيش اللبناني في حال تعثره، فكنا مدركين أن الحرب قادمة، وتجهزنا لحماية الطرقات والمناطق اللبنانية، لا سيما مفاصل العاصمة."
ولفت في حديثه إلى أنّ "الجنوبيين وقفوا في وجه الفلسطينيين، فقصة أن المسيحي ضد الفلسطيني غير صحيحة، فحتى الشيعة وحركة أمل بالتحديد قاتلوا فيما بعد في وجه الفلسطينيين، فحرب 1975 اندلعت كشرارة لبرميل بارود كان موجودًا في لبنان".
وسأل: "يوم 14 نيسان وبعد حادثة "بوسطة عين الرمانة"، هاجم الفلسطينيون عين الرمانة وقصفوا البلدة بالمدافع من عدة محاور في ظل غياب الجيش اللبناني، لولا الكتائب وإلتفاف المواطنين حولها، من كان سيدافع عن عين الرمانة ويقول للفلسطينيين: "لن تمروا من هنا؟"، ولو قطع ياسر عرفات عين الرمانة ووصل مخيمات صبرا وشاتيلا بمخيمات جسر الباشا وتل الزعتر، لسقطت الدولة اللبنانية بيد عرفات وحكمها؟
واعتبر الصايغ أنّه "لا يوجد صراع أجيال حول موضوع الحرب، فالنقد الذاتي الذي نقوم به هو منهجية في السياسة نعتمدها لتصويب الأمور، ولكن قضية "عين الرمانة" وموقفنا تجاه الفلسطينيين في لبنان تُعتبر ثابتة بالنسبة لنا، وهي أشبه بالعقيدة التي تؤمن بسيادة لبنان ولا مساومة على السيادة مهما كلّف الأمر، ومشروعنا السياسي الأساس هو تحصين لبنان وبناء دولة الإنسان التي تحفظ كرامته، وأهم إنجازات الكتائب كانت تثبيت نهائية لبنان والحفاظ على سيادته بعد أن اعتبر بعض الأطراف ان لبنان هو وطن مرحلي ليس إلا".
وقال: "ثبات الكتائب في وجه الفلسطينيين وصمود لبنان كدولة، التي بقيت مشروع الدولة الوحيد الذي لا بديل عنه، ثبّت نهائية لبنان وصولًا إلى اتفاق الطائف الذي أكد نهائية لبنان في مقدمته، والفضل في هذا الموضوع يعود إلى وقفة الكتائب في وجه المشروع الفلسطيني في لبنان، بالإضافة إلى منع التوطين في لبنان ومنع سيطرة ياسر عرفات على الدولة اللبنانية."
وأضاف: "ياسر عرفات قال إنه حكم لبنان، الذي اعترف بأنه سيطر على الأراضي اللبنانية، ولكن لم يستطع أخذ الشرعية اللبنانية، بالنالي حافظنا على لبنان الحرّ، الذي كان منطلقًا لاستعادة دينامية الدولة على كافة أراضيها، وكل من يتكلم بالدستور والقوانين والعدالة والحياد اليوم، نذكرهم أن كل ذلك كان من عناوين الكتائب منذ الخمسينات، وهذا الحديث لم يكن يُقال لو لم يكن هناك قرار حازم بأن "لن يمرّ أبو عمار من عين الرمانة".
وتابع: " الناس التي نزلت إلى الأرض بأسلحة الصيد والأسلحة البدائية، أغلبها لا يعرف على من يطلق النار بسبب الخوف العظيم، ولكن كان هناك في الوقت ذاته بأس للدفاع عن البيوت، فالحرب هي التي أتت إلى عين الرمانة، لا عين الرمانة التي ذهبت إلى الحرب، والحرب وقعت في أحضاننا، لا نحن من وقعنا في أحضانها، والدرس الأهم هو أنه لو حصل نفس الشيء، ستكون ردة فعلنا نفسها، فبرأيي، إن كنا سنتدارك الحرب، كنا تداركنا أن تبدأ عام 1969، وليس في عام 1975، وأن يتدخل الجيش ويضرب بيد من حديد مهما كلف الأمر، ولحظة الوقوف في الجدّ ليست لحظة سياسية أو تفاوضية أو دفاع عن امتيازات، بل هي لحظة وجودية: إما أن تكون أو لا تكون."
وقال: "عندما حملنا السلاح، لم يكن القرار للحزب، إنما كان هناك إرادة شعبية، وكان عامودها الفقري حزب الكتائب الذي كان أكثر تنظيمًا ومصداقية، وشخصية الرئيس المؤسس استطاعت كسب ثقة الناس، ووقوف الرئيس كميل شمعون وحزب الوطنيين الأحرار والعميد ريمون اده وحزب الكتلة الوطنية في وجه عزل الكتائب.
وشدّد الصايغ على أن "قدرة اللبنانيين على استخلاص العبر والذهاب إلى بناء وطن يجب أن تسبقها الإرادة، لتجديد الإيمان بهذا البلد رغم كل الصعوبات، لذلك، نسأل: هل يستحق لبنان فرصة جديدة؟ وبرأيي، أنّه مع هذا العهد والكلام المطمئن، ألاحظ أن الأسباب الموجبة التي تضع المسار الحقيقي لاستعادة لبنان قائمة، وسنصل إليها".
وعن المصالحة والمصارحة، قال: "يجب أن تكون المصالحة على جميع المستويات، أولًا على المستوى القيادي، وفي الوقت نفسه على مستوى الناس. وللمصالحة ظروف يجب أن نهيّئها، أولها بثّ الاطمئنان من خلال تطمين الناس إلى أنهم غير مهدَّدين. فلا يمكن أن نخوض حربًا في الجنوب، وفي بيروت نطلق مشاريع اقتصادية. فقد عاش اللبنانيون هذه المفارقة في تسعينات القرن الماضي، حين كانت بيروت تنبض بالحياة والفرح، فيما كانت المناطق الجنوبية تعيش أجواء الحرب بسبب أعمال المقاومة".
وأضاف: "علينا أن نبدأ بهذا الطرح عندما تسود سيادة الدولة والقانون، لأن وجود هذه السيادة يوفّر مرجعية للمعايير. أما في غيابها، فكيف يمكن أن يُقام حوار؟ لذلك، لا بد من ترسيخ هذه المرجعية كي يكون الحوار منتجًا، لا مجرّد ثرثرة".