الصوت الشيعي الإعتراضي يعلو على هيمنة الحزب...احتضانه وتحفيزه ضرورة لباقي الجماعات

بين التهميش والتهديد ومحاولات الإسكات وصولا إلى الإقصاء الجسدي وإصدار فتاوى بإهدارالدم، ثمة صوت لا بل أصوات لبنانية شيعية معارضة تتظهّر اليوم من خلال شخصيات سياسية وفكرية ودينية وتيارات وتنظيمات تسعى لتمثيل مختلف داخل الطائفة، بعيدًا من هيمنة حزب الله وحركة "أمل".

اليوم تبرز هذه المعارضة الشيعية في لبنان من خلال مواقف تصدر عن رجال دين وإعلاميين على رغم التهديدات وإجبار عائلاتهم على "التبرّوء" منها. إلا أنها مستمرة في رفع الصوت عالياً واضعة الأسس لتصبح قوة سياسية مدنية مستقلة.

مدير الأبحاث في "أمم" للتوثيق والأبحاث والكاتب السياسي عباس هدلا يقول لـ"المركزية" أن "حزب الله" وحركة أمل ثبتوا شعبيتهم من خلال الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة بفعل الهيمنة والسيطرة وتلزيم الدولة لهم إدارة الأمور في المناطق الشيعية، والناس إما أنها مصرة على التزام الصمت أو راضية بما يحصل. من هنا تتحول فكرة الشيعة من خارج غطاء حزب الله وحركة أمل إلى فعل بطولة في المناطق الشيعية، إذ وعلى على رغم وجود السيطرة الكاملة برضى ودعم من الدولة التي تعمل على تقديم الخدمات من خلال مؤسسات حزب الله في المناطق الشيعية هناك من يرفع الصوت عالياً ويقول هناك لبنانيون شيعة أصحاب خيار وطني ويؤمنون بالدولة ".

مستعيداً ما يحصل اليوم مع الإعلامي محمد بركات من حملات ترهيب وتخوين وإفتاء بهدر دمه يقول هدلا أن عمليات التضييق والترهيب وإسكات الأصوات المعارضة للثنائي ليست وليدة ظروف أمنية أو عسكرية طارئة. وقد دفعت هذه الحملات البعض إلى مغادرة لبنان أو النزوح من بيوتهم هربا إلى مناطق أخرى والمرجح أن تستمر هذه الحالة طالما أن الدولة اللبنانية غير معنية بالمناطق الشيعية، وتعمل على تلزيمها أمنيا واجتماعيا وخدماتيا للثنائي ولا سيما حزب الله".

ما قبل حرب الإسناد ليس كما بعده، وما قبل إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني لن يكون مطلقاً كما قبله بالنسبة إلى حزب الله الذي فقد ترسانته العسكرية والأمنية وصولا إلى اغتيال الأمين العام حسن نصرالله وقادة الصف الأول والثاني والثالث .فهل لا تزال سطوة الحزب على القاعدة الشعبية وتحديدا من يعترض على نهج الثنائي مستمرة وذات فعالية، أم أنها بدأت تتقلص مع اتخاذ الخطوات العملانية التي ينفذها الجيش اللبناني داخل المناطق الشيعية عدا عن التشكيلات الأمنية التي حصلت على كافة المستويات وفي العديد من الدوائر الرسمية؟ والسؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الأذهان، هل يمكن أن تتكرر جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم؟

"حالة لقمان سليم مختلفة، يبادر هدلا، فهو منذ العام 2005 وما قبله وصولا إلى تاريخ اغتياله ولم يبدل مواقفه، وقد رفع شعار الدولة اللبنانية في مواجهة سيطرة مشروع تصدير الثورة الإسلامية في إيران، وكان واضحا في آرائه وتوجهاته ورفض كل الاحتلالات التي مرت على لبنان السورية والإسرائيلية والإيرانية. بالتالي فإن عملية إقصائه كانت بسبب ما يتمتع به من مصداقية وتأثير أفكاره على البيئة الشيعية واللبنانية عموما.

وعلى رغم الخسارة التي مني بها حزب الله في حربه الأخيرة على إسرائيل، إلا أن قبضته العسكرية لا تزال تهيمن بالكامل على المناطق والبيئة الشيعية. فهو لا يزال يسيطر على كل البلديات والإدارات والمخافر والمراكز الأمنية والمؤسسات الإجتماعية والإقتصادية أو بمعنى آخر على كل الأمور الحياتية في المناطق الشيعية ،والدولة تساعد في هذا المجال. وإن أضحت أقل هيمنة لكنها لا تزال تهيمن على كل المناطق".

في انتظار اللحظة التي تضمحل فيها سيطرة دويلة حزب الله على الدولة وبعد تنفيذ الجيش اللبناني قرارالحكومة بسحب السلاح غير الشرعي، ثمة خطوات يجب العمل عليها لإرساء الصوت الشيعي المعارض للثنائي وتحديدا حزب الله. وفي السياق يقول هدلا" على الدولة أن تبسط شرعيتها وهيبتها بما أنها تسعى إلى بسط الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية آنذاك  يتحقق التوازن في الإدارات الرسمية داخل المناطق الشيعية بعد معاناة مع هيمنة الحزب على مدى عقود".

على المستوى السياسي يلفت هدلا،الى أن المعارضة الشيعية قلة وليسوا منضوين تحت مجموعة منظمة إنما هم شخصيات لبنانية شيعية معارضة لنهج الثنائي وهذه المجموعات والشخصيات خُذلت في مرات كثيرة سابقا من قبل القوى اللبنانية الأخرى ومرة من باب التحالف الرباعي عام 2005 ، وبعد تسوية 2016 . ويشدد على ضرورة عدم النظر إلى هذه الشخصيات فرادة وتسهيل عملية التحالف معها ودعمها وإلا ستبقى عبارة عن أصوات تخرج وتعترض وتؤكد على أن اللبنانيين الشيعة هم جزء من الدولة والنسيج اللبناني لكن من دون فعالية، وعليه تحتاج هذه المجموعة إلى احتضان وطني وتشجيعها وتحفيزها وحمايتها والتعاون معها وفق طريقة منظمة وفاعلة تثمر عن نتائج وعدم الإكتفاء بفكرة اقتصار دعوتها إلى مناسبات بهدف تطعيمها بمذهبيات لمعارضين شيعة عدا ذلك لن يكون هناك أي تغيير داخل الطائفة الشيعية ".

ويختم هدلا" منذ العام 2005 بدأت تعلو أصوات الشيعة المعارضة وذلك مع اللقاء اللبناني الشيعي في العاملية وانطلاق فكرة الخيار الوطني للبنانيين الشيعة وهناك العديد من المبادرات الوطنية الشيعية خارج الثنائي. وعلى الدولة أن تعي أنها صاحبة القرار وتعمل على تحقيق العدالة والمساواة في كل المناطق وعلى تحرير المناطق الشيعية من الهيمنة والسيطرة من خلال وقف تلزيم المسيطرين على القرار السياسي  الشيعي وتعود إليها من خلال الإدارات الرسمية والخدمات والأمن، آنذاك يمكن أن يكون التغيير واردا. أقل من هيك منكون عم نضحك على بعض".