الضمان يفسخ عقود "المقاصد" و"مركز سان جورج": التعامل مع المضمون كسلعة تجارية

ليست المرة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، التي يفسخ فيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عقوداً مع مستشفيات، يعتبر أنها لا تلتزم بمندرجات ومضامين العقد الموقع بينهما، وتتخطى المتفق عليه من التعرفات، كما تزيد بصورة عشوائية، حجم الفروقات الاستشفائية، وأسعار الخدمات الطبية.

فيما يقوم بعض المستشفيات بــ"ابتزاز" المضمونين كما يقول الصندوق، ويقبض "فروقات" مرتفعة، وغير قانونية، للقبول بإدخال مرضى الضمان إلى المستشفى. وتالياً، لم يكن مفاجئاً القرار الذي أصدره الضمان منذ يومين، وقضى بفسخ العقد مع مستشفيي المقاصد الإسلامية و"مركز سان جورج الطبي" (مستشفى سان جورج عجلتون سابقاً).

وقد برر الضمان فسخ العقدين المذكورين بأن المستشفيين المعنيين، "لم يلتزما بالتعرفات الرسمية، ورفضا استقبال المرضى المضمونين، وقاما بتقاضي مبالغ مالية إضافية ضخمة من دون وجه حق". بيد أن رئيس مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات فؤاد حليحل شرح لـ"النهار" أن مستشفى المقاصد، لم يكن يستقبل أي مريض مضمون بسهولة، ويواجهه بداية برد: "ليس لدينا أسرّة شاغرة"، ويبقيه في قسم الطوارئ، أحياناً لثلاثة أيام متتالية، على نفقة المريض الخاصة. وبعد مرور هذه الفترة، يعرض ملفه على الضمان للحصول على الموافقة.

أما بالنسبة إلى مستشفى "سان جورج"، فإنه توقف عن استقبال مرضى الضمان، باستثناء "غسيل الكلى" منذ انتقلت إدارته إلى مستثمر جديد، بسبب عدم وجود قطع حساب نهائي مع الضمان، وخلل في المقاصة المالية بين المستثمر القديم، والمستثمر الجديد من جهة، والضمان من جهة أخرى. وفيما حسم الكثير من المستحقات، لا تزال المفاوضات، التي بدأت منذ سنة ونصف، بين المستشفى والضمان قائمة لحل الأزمة.

ليس خافياً أن "التعاطي مع المرضى يتم بشكل سيئ من بعض المستشفيات، من دون مراعاة لظروفهم أو لخطورة أو نوع المرض الذي يعانون منه. فالأولوية بالنسبة للمستشفى هي تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال، إذ يصل الفارق الذي يدفعه المريض إلى أكثر من 4 آلاف دولار أو أكثر، وأحياناً تصل إلى 10 آلاف أو 15 ألف دولار لمرضى مكثوا في العناية الفائقة"، وفق حليحل.

على سبيل المثال، يشير حليحل إلى أن "الضمان يدفع يومياً ما بين 140 إلى 220 دولاراً في الغرف العادية (قبل الأزمة كان المبلغ بحدود 60 دولاراً، أي 90 ألف ليرة آنذاك). في حين أن مستشفى المقاصد مثلاً، لا يقل سعر الليلة فيه عن 500 دولار، وقد يصل إلى 1000 دولار، أي بين 5 و 10 أضعاف تسعيرة الضمان. في المقابل، ثمة مستشفيات جامعية كالمستشفى الأميركي مثلاً، حيث الخدمة ممتازة ونوعية العناية أفضل بكثير، تفرض تسعيرات مدروسة نسبياً".

أما من حل وسط يمكن على قاعدة "لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم"، بحيث ترفع التعرفات قليلاً لكي لا يكون المريض "كبش محرقة"؟ يوضح حليحل أن "ثمة لجنة من وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل تدرس موضوع الأسعار وتكاليفها الحقيقية بعد التضخم الكبير. وثمة مشروع بدأ منذ ستة أشهر لوضع تسعيرات جديدة تراعي السوق. وقال "في حال أرادت إدارة المقاصد الانسحاب من التعاقد مع الضمان، فلتعلن ذلك صراحة. أما أن تبقى شريكة شكلياً وتفرض فروقات خيالية على المرضى، فهذا أمر غير مقبول".

الصندوق يتغاضى بعض الشيء عن عدم التزام المستشفيات 100% بتسعيرة الضمان، لكن أن "تصل الفاتورة إلى 10 آلاف دولار بدلاً من 400 أو 500 دولار، فهذا استغلال واضح، والمطلوب التزام المستشفيات بالحد الأدنى من تسعيرة الضمان، وعدم التعامل مع المرضى بطريقة تجارية بحتة"، برأي حليحل.

من جهتها أعربت نقابة المستشفيات عن أسفها لما آلت إليه العلاقة بين الضمان وكل من "مستشفى المقاصد" و"مركز سان جورج الطبي" لاسيما بعد فسخ العقد معهما.

واذ أعربت النقابة عن خشيتها من "ارتدادات القرارين الصادرين عن الصندوق بفسخ العقود بتاريخ 19/9/2025 على المضمونين الذين سيحرمون من الخدمات الاستشفائية والطبية التي  يوفّرها لهم هذان الصرحان العريقان"، أوضحت أن "عمل المستشفيات ترافقه ظروف اقتصادية غير عادية، يقابله تصاعد سريع في النفقات، وتضخم وضعف في التدفق النقدي، بالإضافة إلى أزمة المصارف وغياب التسهيلات عن طريق القروض الميسرة لتلبية حاجات المستشفيات وتسيير عملها".