"الطائف" المؤجل لا مفر منه لتطوير النظام وحفظ الكيان

كتب منير الربيع في المدن: عملياً، يؤمّن اتفاق الطائف متطلبات القوى ذات الاتجاهات المتعددة في لبنان، بما يتعلق في الرؤية حول مستقبل البلاد أو النظام السياسي  فيها. لا سيما أن في الاتفاق ثلاثة مسلمات أساسية يمكن الانطلاق منها للدخول في مرحلة جديدة من العصرنة. أولها تعزيز منطق الدولة وتغذية مؤسساتها بدلاً من السلطات البديلة أو الموازية لها. ثانياً، إلغاء الطائفية السياسية مع تشكيل مجلس للشيوخ، وثالثاً والأهم تعزيز اللامركزية الإدارية الموسعة.

هوامش للمناورة
ثلاثة عناوين أقرها الطائف قبل 33 عاماً لا تزال تنتظر فرصة لتطبيقها. وبالتالي فإن أي طروحات ترتبط بالعصرنة أو بتجديد أفق الدولة أو النظام السياسي واردة في نص هذا الاتفاق الذي يحتاج إلى تطبيق. وكما ينص الاتفاق على مسألة حلّ الميليشيات ونزع أسلحتها، ينص في المقابل على المقاومة في سبيل تحرير الأراضي. وبالتالي، هذا يوفر مساحة فيها هوامش من المناورة السياسية، وفق نظرة واقعية وموضوعية للوضع القائم حالياً، للبحث في تجاوز الخلاف أو الانقسام العمودي القائم.

كل هذه المقومات تبقي الطائف ركيزة أساسية، بحكم الأمر الواقع وبحكم انعدام القدرة على تغييره أو الإطاحة به، إلا بتغيير كبير في موازين القوى، قد ينجم عن صراعات عسكرية وأهلية.
سابقاً كان الطائف قد تعرض لاختلالات متعددة، أولها التطبيق السوري لهذا الاتفاق، وثانياً ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وصولاً إلى مرحلة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. ولذا، كان استهداف الطائف بالمعنى السياسي وليس بالمعنى الدستوري. وبالتالي يمكن إعادة تحصين هذا الاتفاق وفق مسار سياسي واضح، متلاق مع إرادة داخلية وخارجية في سبيل تطويره، الذي يمكن أن يحدث من داخل بنوده ومندرجاته، كالنقاط الثلاث الأساسية التي جرى ذكرها في البداية.

مبادرة سياسية شاملة
لكن هذا الأمر يحتاج إلى الإقدام على مبادرة سياسية شاملة، تتحدد فيها الرؤية للمرحلة المقبلة، وعدم الارتكاس فقط إلى مثل هذا المؤتمر المنعقد قبل يومين، بوصفه حدثاً عابراً أو كمحطة في ذكرى توقيع الاتفاق. بل بالإمكان تشكيل لجنة قادرة على متابعة أعمال هذا المؤتمر مهمتها التواصل مع غالبية القوى السياسية، ضمن مبادرة أساسية هادفة إلى سد الفراغ الرئاسي، ومنع تمدد الشغور واتساع رقعته، بالإضافة إلى البحث في عملية تشكيل حكومة متوازنة، قادرة على مواكبة الولاية الرئاسية الجديدة، لتشكل فرصة لعهد جديد.

دون ذلك، يبقى الاحتفال أو المؤتمر في عداد المناسبة التذكارية، على طريقة احتفالات العرب بأيامهم الوطنية أو ما شاكل، أو على طريقة احتفاء لبنان بعيد الاستقلال كل عام، بلا أي مندرجات عملانية. أما المسألة الأهم، فإن الحشد الكبير الذي توفر في هذا المؤتمر يعني انتزاع ااعترافات من جميع من حضر بالموافقة على الطائف. ولكن ما لا يجب الارتكاس إليه أيضاً هو جعل هذا الاتفاق وكأنه مستهدف، وأن هناك من يسعى دوماً للدفاع عنه والحفاظ عليه. فهذا سيجعله مادة تجاذب أو مقايضة، بشكل تطرح أطراف سياسية الحفاظ عليه مقابل البحث عن ثمن سياسي، وهذا أخطر ما يمكن أن يتعرض له الطائف، طالما أنه قائم بحكم الأمر الواقع وبحكم موافقة الغالبية. أما تحويله إلى مادة تحتاج إلى مقومات دفاعية فهذا سيدفع بعض المعارضين له وغير القادرين على تغييره، إلى طرح معادلة بالمقابل بأنهم مستعدون للحفاظ على الاتفاق في مقابل قبض الثمن السياسي لذلك.