الطعون بالتمديد للبلديات سلكت مسارها... لارا سعادة لـ"النهار": فضيحة في أسبابه الموجبة

عادت قضيّة الانتخابات البلدية الى الواجهة من جديد بعد طعنين تقدّم بهما كل من تكتل "الجمهورية القوية"، والنواب المنتمين إلى كتلتي الكتائب وتجدّد بالإضافة إلى نواب تغييريين ومستقلين، ونفذوا ما هدّدوا به قبيل اجتماع مجلس النواب للتمديد للمجالس البلدية، على الرغم من الإيحاءات والتطمينات التي أرسلت من الحكومة بأن التمديد سيكون تقنياً ولن يتجاوز الأشهر القليلة.
 
وباحترام المهل من الطاعنين والتقدّم بمراجعاتهم ضمن الأصول المحددة أصبح لزاماً على المجلس الدستوري الاجتماع والبدء بدراسة هذه الطعون، التي بحسب المعلومات ستُضمّ الى بعضها باعتبارها تتناول نفس القانون.
وفي الخطوات، بعد تقديم طلب الطعن يجتمع المجلس في أقرب وقت ممكن، وبإمكانه تعليق العمل بالقرار إلى حين بت الطلب، وفي هذه الحالة نظراً لضيق المهل والوقت يجب الذهاب فوراً الى الانتخابات.
 
وإن لم يلجأ الى قرار التعليق المجلس يُعيّن المجلس مقرّراً سرياً تكون مهمّته رفع تقريره إلى المجلس، على أن يجتمع المجلس بعد تسلّمه التقرير لاتخاذ القرار المناسب خلال مهلة أقصاها 15 يوماً، أمّا عن اتخاذ القرار، فالمجلس عادةً إمّا أن يبطله كلياً أو جزئياً أو يعتبره قانونياً.
وفي هذا الإطار تشرح رئيسة جهاز التشريع في حزب الكتائب، التي أعدت الطعن المقدّم من الكتائب ونواب معارضين المحامية لارا سعادة لـ"النهار": "إن الطعن استند في جزء منه إلى مبدأ الديموقراطية ودورية الانتخاب وتداول السلطة وعدم تخطي الوكالة المعطاة من المواطن للمجلس البلدي وفرصته بالمحاسبة، وهي مواد كفلها الدستور اللبناني في مقدمته".
 
وتضيف: "أما الشق الثاني فيؤكد عدم وجود ظروف استثنائية تبرّر التمديد خصوصاً في ظل تأكيد الحكومة عبر وزارة الداخلية جهوزيتها لإجراء هذه الانتخابات".
فالظروف الاستثنائية تعني وقوع حالة غير متوقّعة ولا يُمكن للإرادة البشريّة أن تتحكّم بها كالزلازل، أو الحروب، أو وضع صحّي ككورونا مثلاً الذي أدّى الى تأجيل انتخابات في أكثر من دولة، لكن هذه الأمور جميعها غير متوفرة ولا تصح على حالتنا كما أن الوضع الأمني مستتب".
وتردف: "أما الموضوع اللوجستي الذي تحدث عنه النواب في الجلسة التشريعية الأخيرة وتمثل بنقص التمويل وإضراب الموظفين، فهو حجّة واهية، فالإضراب حُلّ في اليوم نفسه بعد إعطاء الحكومة التحفيزات المالية للموظفين، والتمويل يمكن بكل بساطة أن يؤمن من حقوق السحب الخاصة، بالاضافة الى أنه كان بإمكان من حضر الجلسة غير الدستورية فتح اعتمادات وإجراء الانتخابات".
 
أما الشق الثالث بحسب سعادة فهو "مخالفة المبادئ والأصول التشريعية ولجهة حرمان رئيس الجمهورية من ممارسة الصلاحيات التشريعية اللصيقة بشخصه وتعطيلها. فالتشريع بغياب الرئيس، يفقد حلقة أساسية في آليّة التشريع، ويشكّل انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات والتعاون بينها، فالدستور أعطى حق فيتو مؤقتاً لرئيس الجمهورية عبر إعادة القانون الى مجلس النواب، بحيث إن إعادة طرحه على التصويت بحاجة الى ثلثي المجلس لإقراره وهذه صلاحية لصيقة برئيس الجمهورية لا يستطيع توليها مجلس الوزراء مجتمعاً، كما لا يستطيع مجلس النواب التذرع بالظروف الاستثنائية والطارئة للتشريع، فهذه الظروف هو مسبّبها بتقاعسه عن القيام بمهامه وانتخاب رئيس جمهورية، فالشغور لم يأت بطريقة استثنائية نتيجة وفاة أو استقالة بل نتيجة تعطيل انتخاب الرئيس من قبل أعضاء مجلس النواب الذين أقروا التمديد".
 
أما الأهم في هذا الأمر، وهو ما يرتقي الى درجة الفضيحة، فتقول سعادة: "هي الأسباب الموجبة التي نُشرت مع القانون في الجريدة الرسمية، وهي مغايرة تماماً لما تداوله النواب في الجلسة الأخيرة، ولا دخل لها به، فاقتراح القانون الذي ناقشه مجلس النواب ووافق عليه، هو مشروع قانون مقدّم من النائبين سجيع عطية وجهاد الصميد، والأسباب الموجبة له لا تتخطّى مسألة الأمور اللوجستية، وحُصرت بنحو نصف صفحة، أما ما نشر فهو مطالعة دستورية في 13 صفحة من الأسباب الموجبة الغريبة المعروفة الكاتب والمصدر".
وتشير سعادة الى أن الأسباب الموجبة، "من الأمور الأساسية في القانون وهي تُستخدم لتفسيره، وتفسير نيّة المشترع وتُعدّ جزءاً لا يتجزأ من القانون".
وهنا تتحدث سعادة عن بعض الأسباب الموجبة التي لحظها القانون كالاستهزاء بوصول الشباب للمجالس البلدية وعدم قدرة المرشحين المالية على نقل الناخبين، والتي تفضح الهواجس الحقيقية للسياسيين الذين أقروا التمديد بحيث ذكر ما حرفيته: "هل باستطاعـة المرشحيـن نقـل الناخبيـن الى مراكـز الاقتراع وسعـر صفيحـة البنزيـن مليونـا ليـرة لبنانيـة، ودفـع التكاليـف الانتخابية؟"، بالإضافة إلى بند مضحك وهو "دعـوة الشباب للانخراط في العمل البلدي وأمامهـم يافطـة شاركـوا في مراسيم الدفـن وقتـل حماسة العمل البلدي الإنمائـي، فالبلدية بحاجـة الى علـم وهمـم لا إلى البكـاء على الأطـلال".
 
وتضمّنت الأسباب الموجبة نكتة عن الفروج في مصر ما حرفيته: "البلديـات الحاليـة أو الجديـدة مهمتهـا مستحيلـة فليـس لديهـا الأمـوال "لتسكيـر جـورة" أو فتـح مجـرور" وهـذا يذكّرنـا بنكتـة مصريـة إذ عُلّـقت لافتـة على محـلّ لبيـع الفـروج فدخـل المصـري وسـأل عن فـروج طـازج فأجابـوه في الـدور الأول وصعـد الى الـدور الأول وسـأل عن فـروج طـازج ومقطّـع فأجابـوه في الـدور الثانـي، وصعـد الى الـدور الثانـي وطلـب فـروجاً طـازجاً مقّطَـعاً ومسحـّباً فأجابـوه في الـدور الثالـث، وصعـد الى الـدور الثالـث فأجابـه المسـؤول "والله ما عندنـاش فـروج بـس ازاي لقيـت التنظيـم الغذائـي عندنـا".
وتشدد سعادة على أن هناك احتمالات كبيرة بأن يقبل المجلس الدستوري الطعن، هذا القبول مرتبط بتأكيده أهمية الانتخابات، ولكنه سيبحث في توافر الظروف الاستثنائية التي تبرّر تأجيلها وفق ما ورد في الأسباب الموجبة، وإذا اتُّبعت الأصول التشريعية لإقرار القانون المنصوص عليها في الدستور وخاصة صدقية المداولات البرلمانية، وإذا رأى أن هذا المبدأ لم يحترم يبطل القانون، كما فعل في قانون الضرائب سابقاً عندما أبطله لأنه لم يتم احترام التصويت بالمناداة في مجلس النواب.
 
وعن إمكانية الفراغ في البلديات وخصوصاً في المخاتير إذا قبل المجلس الدستوري الطعن وتكون المهل قد انتهت، تجيب: "هذا الأمر يُحلّ بنص قانوني يوجب تسيير الأعمال الى إجراء هذا الاستحقاق الانتخابي، لكن يبقى الأهم أن تصبح الحكومة ملزمة بإجراء هذه الانتخابات في أصر مهلة".
وعن التخوّف في حال رفض الطعن، ما يعطي مشروعية لإقرار قوانين بغياب رئيس جمهورية، تشدّد سعادة على أنها لم تثر في طعنها مسألة دستورية الجلسة، "لأننا لا نريد إدخال المجلس الدستوري في خلاف سياسي، ونأمل أيضاً ألا يدخل المجلس نفسه في هذا الإطار ويعطي النواب غطاءً للتهرّب من مسؤولياتهم الوطنية بانتخاب رئيس".
في المحصلة، المجلس الدستوري أمام اختبار صعب جديد، وأي قرار سيصدر سيرتب نتائج سياسية ودستورية كبيرة، وأمام هذا الواقع بدأ الحديث يتزايد عن عدم إمكانية تأمين 8 من أصل 10 أصوات ليتمكن المجلس من اتخاذ قراره، وبالتالي إن لم يستطع الوصول الى هذا الأمر يعلن أنه لن يخرج بقرار بشأن الطلبات المقدّمة أمامه، وهو ما حصل أكثر من مرة سابقاً، بحجّة مقاطعة بعض الأعضاء للجلسات وعدم اكتمال النصاب.