العدالة لشهداء الاغتيالات... دعونا نصدّق!

لا يأخذ معظم اللبنانيين، وهم محقون بالكامل، على محمل الجد بالحدود الدنيا، أية إمكانية حقيقية وموضوعية لفتح ملفات الاغتيالات السياسية التي تشكل الجزء الأشد قسوة، في مسار بلد استعصى فيه منذ الحرب تطبيق معايير تحقيق العدالة والاقتصاص من الإرهاب والإجرام السياسي وغير السياسي.

وإذا كانت ملفات الاغتيالات السياسية أغرقت تاريخ لبنان في العقود الخمسة الأخيرة تباعاً، واقترن معظمها خصوصاً بالتبعات المثبتة وغير المثبتة لإرهاب النظام السوري الأسدي البائد مع الأسد الأب والأسد الابن، فيكفي أن "يباغت" وزير العدل اللبناني الحالي عادل نصار اللبنانيين بإجراء يفترض أنه روتيني لملء شغور تعيين عدد من المحققين العدليين في ملفات اغتيالات، بعضها مزمن يعود إلى بدايات حقبات الحرب في لبنان، وبعضها الآخر يعود إلى حقبة العشرين سنة الأخيرة، لكي تنكشف أولاً فداحة الاستسلام لدى السلطات والحكومات والعهود السابقة لواقع التسليم بواقع تحول إلى ثقافة مرعبة هي ثقافة الإفلات من العقاب. بدليل أن فراغات وشغوراً في عشرات الملفات المحالة على المجلس العدلي، وهو الهيئة الأعلى والأفعل قضائياً والتي لا مرد لأحكامها، كانت لا تزال تتراكم يعلوها غبار الإهمال والتجاهل والنسيان، كأن "دولة لبنان"، في المطلق، ليست معنية بإحقاق الحق وتحقيق العدالة ومطاردة الإجرام السياسي.

وسواء أدت خطوة الحكومة الحالية إلى نتيجة أم لا، عبر الإجراء المتقدم لوزير العدل في فتح ملفات الاغتيالات، كما عبر مبادرة جريئة لرئيس الحكومة نواف سلام تمثلت في مطالبته الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بتسليم المتهم باغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، علماً أن المتهم ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي المعروف بارتباطه المباشر بالنظام السوري الأسدي البائد، فيكفي نبش غبار الإجرام الدموي وإعادة هذه الصفحة القاتمة السوداء في تاريخ النظامين السوري السابق والإيراني الحالي لجهة الشبهة المثبتة عليهما في الاغتيالات التي حصدت نخباً سياسية وصحافية لبنانية، كذلك ما واكب منها مرحلة الحرب، لإعادة تصويب مفهوم الدولة ومسؤوليتها الحاسمة في منع تأبيد مفهوم الإفلات من العدالة.

إذا كانت ثمة ملفات تتصل بظروف دموية داخلية لم تقفل قضائياً رغم مرور عقود طويلة عليها تعتبر من أكبر كوارث تدمير الدولة إبان الحرب، فإن الإجرام الإرهابي المتعدد الأسلوب في الاغتيالات السياسية ذات الأهداف التي كانت ماثلة لتصفية مناوئي الاحتلال السوري خصوصاً، شكل العامل الأشد فتكاً بالدولة الناشئة بعد الطائف، علماً أن اليد السوداء للاستخبارات السورية في حصد مناوئي وصاية نظام الأسد كانت تفتك بضحاياها خلال الحرب وقبل الطائف ومعه وبعده حتى ما بعد الانسحاب الذليل للنظام من لبنان.

وما واكب تبعات النظام السوري السابق في هذه الصفحة الدموية، انسحب على تبعات "حزب الله" في ملفات اغتيالات أخرى أخطرها ما أثبتته المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع شبهات أخرى في محاولات اغتيال واغتيال شخصيات أخرى عبر حرب الاغتيالات التي تمادت إلى ما قبل سنوات قليلة من زمننا الحالي.

المفارقة المفجعة في قدر تآلب الظروف أن "حزب الله" يتكبد منذ سنتين ما لم يتكبده حزب أو فريق لبناني بهذا القدر من أفدح حرب تصفية واغتيالات في صفوف مقاتليه وكوادره وبيئته على يد الآلة الحربية الإسرائيلية، في حرب جهنمية مفتوحة.

ولعلها عبرة قدرية كلاسيكية لا يؤمن بها كثيرون في لبنان "بعد"، أن دولة حقيقية في بلدهم وحدها تحمي من العصف الإرهابي الإجرامي يوم تكشف حقائق الذين صاروا ضحايا الإجرام وضحايا انعدام الدولة والعدالة.