العراقي المتهم بـ"سرقة القرن" غادر لبنان إلى تركيا!

كتبت فرح منصور في المدن: 

مُستلقيًا على الأرض، ومضرجًا بدمائه، إثر تعرضه لحادث سيرٍ أدى إلى كسر عموده الفقري، انتشرت صور رجل الأعمال العراقي نور زهير المظفر (44 عامًا) على وسائل الإعلام العربية، طريح الأرض في منطقة الحدث- جبل لبنان.. لتثير ضجة واسعة، وتحديدًا لدى السلطات العراقية، التي تبيّن لها لاحقًا أن المظفر الذي اقترب موعد جلسة محاكمته في المحاكم العراقية، لا يعاني من أي كسور، وغادر الأراضي اللبنانية فجأة متوجهًا نحو تُركيا.

خطة مُدبّرة؟

وفي التفاصيل التي حصلت عليها "المدن"، أن المظفر بعد تعرضه لحادث سير، ونقله إلى مستشفى في منطقة الحدث لتلقي العلاج اللازم، والادعاء بإصابته بكسور في عموده الفقري، كان في صدد تجهيز ملفه الطبي لعرضه على المحكمة العراقية، بهدف إرجاء موعد جلسته لأشهر لاحقة، ريثما يتمكن من التنقل والتحرك بسهولة.

لكن المفاجأة كانت أنه وبعد يومين من حادث السير، غادر المظفر الأراضي اللبنانيّة بطائرة خاصة، مستعينًا بجواز سفره الأردني، وتوجه نحو تركيا قبل أربعة أيام من موعد جلسة محاكمته في العراق بقضية "سرقة الأمانات الضريبية" في العراق، التي يُطلق عليها اسم "سرقة القرن".

فمن هو نور زهير المظفر؟

هو رجل أعمال عراقيّ، ورئيس شركة للخدمات النفطية (إحدى الشركات المشتبه بتورطها بقضية الاختلاس)، ومن أكثر الشخصيات إثارة للجدل في العراق. فهو المُتهم الأول بسرقة الأمانات الضريبية في العراق. وهي قضية الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال "الأمانات الضريبية" التابعة لشركات أجنبية والمودعة في المصارف الحكومية العراقية. وهي واحدة من أكبر قضايا الفساد المالي في العراق، التي جرت بين عامي 2021-2022  حيث شارك فيها عدد من رجال الأعمال والشخصيات النافذة في العراق من خلال الاحتيال والتزوير.

سرقة واختلاس

في الفترة الماضية، ظهر المظفر في إحدى المقابلات التلفزيونية، مدافعًا عن نفسه، ومتمسكًا ببراءته، ومؤكدًا جهوزيته لحضور جلسات محاكمته من دون أي تردّد، مُهدّدًا بفضح الكثير من الأسماء البارزة في العراق. ونتيجة التحقيقات العراقية، جرى اتهام أكثر من 30 شخًصا في هذه القضية، وعلى رأسهم المظفر، فألقت السلطات العراقية القبض عليه.. ولكنها اتخذت فجأة قرارًا بإخلاء سبيله بكفالة مالية، بحجة تعهده بالخروج من السجن لبيع عقاراته وإعادة الأموال المسروقة. وحددت جلسة محاكمة له في الرابع عشر من آب الجاري، لكنه تغيّب عن الجلسة، فأرجئت إلى يوم الثلاثاء 27 آب الجاري، ليتبين لاحقًا أنه كان يتواجد على الأراضي اللبنانيّة وتعرض لحادث سير (!) وانتقل نحو تُركيا.

وحسب معلومات "المدن"، فإن السلطات العراقية تواصلت مع الجانب اللبناني للتأكد من الحالة الصحية للمظفر، وعما إن كان تعرضه لحادث سير خطير مدبّر أو وهمي، بهدف التهرب من جلسة محاكمته. وقد أكدت مصادر أمنية للجانب العراقي، أن المظفر بات خارج الأراضي اللبنانية وغادر بطائرة خاصة ولم يتم توقيفه.

مسؤولية الجانب العراقي

في سياقٍ متصل، تؤكد مصادر قضائية لـ"المدن" أن المظفر غادر الأراضي اللبنانية بشكل طبيعي، ولا وجود لأي مذكرة توقيف بحقه. فاسمه ليس معمّمًا عبر الإنتربول الدولي، والسلطات العراقية لم تُراسل القضاء اللبناني لتوقيفه. وبالتالي، بامكانه زيارة لبنان من دون توقيفه. واعتبرت المصادر أن "المسؤولية الأولى تقع على عاتق السلطات العراقية ولا علاقة للدولة اللبنانية في هذا الأمر". مؤكدة "عدم وجود أي مراسلة قضائية من السلطات العراقية تتعلق بقضية المظفر، وبامكانه السفر عبر مطار رفيق الحريري الدولي بشكل طبيعي".

وتوقعت مصادر متابعة لـ"المدن" أن الحادث قد يكون مدبرًا للتهرب من جلسة المحاكمة. فالأجهزة الأمنية شككت في تعرضه لحادث سير، بسبب عدم وجود أي آثار على جسده تفيد تعرضه لحادث خطير. وبعد مراسلة السلطات العراقية للأجهزة الأمنية، وبعد توجه جهاز أمن الدولة إلى المستشفى لمتابعة القضية، "تبين عدم وجود أي كسور في جسده".

على أي حال، في وقتٍ كان فيه من الأجدى للسلطات العراقية تعميم اسم المظفر عبر الإنتربول الدولي (في حال أرادت ذلك)، فإنها اكتفت بمراسلة الجانب اللبناني بعد خروجه نحو بلد آخر. أي بعد فوات الآوان.

ومن يُتابع قضية المظفر، لا يمكنه سوى تذكر قضية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة. فربما، تتشابه قصص المتهمين بـ"اللصوصية" في بلداننا. فسلامة المُتهم باختلاس المال العام من المصرف المركزي، ظهر قبل انتهاء ولايته على إحدى البرامج التلفزيونية، وهدّد بفضح السياسيين، وتمسك أيضًا ببراءته، وهو اليوم حُر طليق. والمُظفر أيضًا، توجه للرأي العام ليثبت لهم براءته في قضايا الفساد المالي، بالصيغة الفضائحية نفسها لزملائه من المختلسين واللصوص، وهم من السياسيين أولاً.