المصدر: القبس
الخميس 22 نيسان 2021 00:46:09
اعتبر الوزير السابق غازي العريضي أن لبنان دخل مرحلة الفوضى التي قد تخرج عن السيطرة في ما لو استمرت الكيديات السياسية بين «أحباب الأمس».
وجزم العريضي في مقابلة مع "القبس" بأن الفريق الرئاسي لا يريد سعد الحريري في رئاسة الحكومة، وأن الأخير ارتكب أخطاء كثيرة، في حين أن البلد معلق على لقاء شخصين.
ولفت الى ان مفتاح الحل للأزمات يبدأ بتشكيل حكومة ترضي المجتمع الدولي وتفتح باب المساعدات، وما يعيق تشكيل هذه الحكومة هي حسابات شخصية فئوية مذهبية طائفية متداخلة، في حين ان العالم لا يبالي بنا في ظل انشغال الدول الكبرى بقضاياها الخاصة. وكل الحديث عن ضغوط وعقوبات مفترضة هو كذبة كبيرة لا تقدم ولا تؤخر، يقول العريضي.
وفي ما يتعلق بالأزمة الحكومية المستمرة، أكد العريضي أنه في نهاية المطاف سيكون هناك حكومة.. ولكن الأهم انتاج حكومة بعقل بارد والأخد بعين الاعتبار عامل الوقت الذي لا يلعب لمصلحتنا، لاسيما أن كل المعنيين بعملية التأليف يقرون بأننا دخلنا مرحلة الانهيار. فإذا كنا مدركين هذه الحقيقة علينا البحث فورا في تشكيل حكومة قبل ان يحصل الانهيار الشامل وتخرج الامور عن السيطرة. ساعتئذ ستكون الكلفة باهظة. فهل هذا ما يضمره المعنيون؟
يذكّر العريضي بأن الذين يخوضون معارك على كل الجبهات ويتراشقون بأقذع أنواع التهم كانوا شركاء بالأمس. تقاسموا الادارة والأمن والدبلوماسية والقضاء، ولفلفوا ملفات بعضهم. عندما كان اتفاق المصالح ثابتا لم نسمع من أحدهم كلمة اصلاح.
تقاسم مسؤولية الفشل
الفريق الرئاسي كما الحريري يتحملان مسؤولية الفشل، بحسب العريضي. فدوائر رئاسة الجمهورية لا تريد الحريري لرئاسة الحكومة، حتى يوم أمس، ورغم المشهد القضائي البشع، كانوا يقولون لا نزال نبحث عن رئيس آخر للحكومة. لكن الحريري بدوره ارتكب من الاخطاء ما لا يعد في إدارة عملية تشكيل الحكومة.
ويوضح العريضي ان أحد هذه الأخطاء كان عرض الحريري مجموعة وزارات (الدفاع والداخلية والعدل والطاقة) على رئيس الجمهورية ثم التراجع عن ذلك. أما خطأه الثاني فرفضه لقاء رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
يشدد العريضي على انه ليس بمعرض الدفاع عن أحد لكن لبنان لا يحكم بهذه الطريقة. لا يمكن كسر شخص في ظل التركيبة الطائفية القائمة فكيف بفريق مطلوب منه منح ثقته للحكومة. ويقول: خُضنا كل اشكال الحروب.. استخدمنا كل شيء واستُخدمنا في كل شيء. واخيرا جلسنا على الطاولة. وهذا ما سيحصل في نهاية المطاف.
وعن امكانية لعب الحزب التقدمي الاشتراكي دورا في تقريب المتخاصمين، لاسيما أنه اصبح في الفترة الاخيرة على مسافة واحدة من الطرفين، اكد العريضي ان الزعيم وليد جنبلاط كان طرح صيغة حكومية من 24 لا ثلث مُعطلا فيها لاحد، لفت العريضي الى أن جنبلاط، قدم طرحا لتثبيت نقطة انطلاق للخروج من الازمة، وهو تجاوز كل الحدود والاعتبارات حتى التي تمس مصالحه الضيقة، لأنه لن يبقى مصلحة لاحد اذا انهار البلد بالكامل.
وشدد على ان فريقه السياسي على مسافة واحدة في موضوع تشكيل الحكومة فقط انطلاقا من الطرح الذي قدّمه. أما في السياسة العامة فنعتبر ان الفريقين يتحملان مسؤولية الفشل. خطيئتهم الكبرى في ما أنجزوه بالشراكة التي بُينت، وكيفية ترجمتها على مستوى ادارة الدولة.
التعويل على الخارج
وسط الصراع الحاد القائم هل يمكن التعويل بعد على تدخل خارجي ما، سواء عبر مبادرة فرنسية أو روسية أو ضغوط اوروبية «مرتقبة»؟ يجزم العريضي ان لا أحد يبالي بلبنان. على الاقل الدول الفاعلة والأساسية، اما اذا كانت بعض الدول تسعى لاستخدام لبنان لتصفية حسابات غير لبنانية فهذه مسؤوليتنا كلبنانيين. الدول الكبرى لديها انشغالات ولا تبالي بمن يكون وزير بيئة او ثقافة. الاميركيون لديهم جدول اولويات على رأسها الاتفاق النووي وهم ذاهبون الى التوافق مع ايران. روسيا لديها مشكلة مع اوكرانيا. وفرنسا منشغلة بوضعها المالي الاقتصادي، وبالاتفاق النووي وعلاقتها مع الاوروبيين والاميركيين. كل هذه الحركة الخارجية، وما يحكى عن عقوبات وضغوطات ومساومات لن تؤدي الى شيء، يقول العريضي.
ويتابع: العقوبات كذبة كبيرة، سواء أتت من اتحاد أوروبي أو غيره. ترامب فرض عقوبات على إيران هي الأقسى في التاريخ. ماذا كانت النتيجة؟ مزيدا من الصراع والاستنزاف المالي والاقتصادي في كل دول المنطقة. أما العقوبات على أفراد فلا تقدم ولا تؤخر إلا في الحسابات الداخلية وتسجيل النقاط بعضهم على بعض. ولا مردود لها في اللعبة السياسية.
التحرك الروسي
اما التعويل على التحرك الروسي اخيرا وتقاطر المسؤولين اللبنانيين تباعا الى موسكو، فيذكر العريضي بأن الموقف الروسي منذ البداية كان تأييد الحريري لتشكيل حكومة تكنوقراط مقتدرة، تحظى بتأييد القوى السياسية والطائفية في البلاد. حتى الرئيس الفرنسي ماكرون دعا في مرحلة معينة لتشكيل حكومة ولو كانت غير مكتملة المواصفات. اي ما معناه «اذهبوا الى تشكيل حكومة لأن وضعكم لا يحتمل».
وتعليقا على دعوة البعض الى انقلاب عسكري، قال العريضي هذا نوع من التخبط والعشوائية في الحياة السياسية. الجميع يعلم أنه لا مكان لهذا الامر وفق المعادلة السياسية القائمة. وهي مجرد افكار تطرح في محاولة للخروج من المأزق امام هذا الجدار الصلب الذي بني بين أحباب الأمس.
وفي ظل مخاوف دولية ومحلية من انفلات الاوضاع الى فوضى اجتماعية، اكد العريضي اننا دخلنا في الفوضى ونحن ذاهبون الى فوضى أخطر، خاصة وان المؤسسات التي يمكن أن تتعامل مع هذا الامر تصرخ وتعاني. الجيش بات بحاجة الى مساعدات غذائية. ومشهد القضاء يوحي انهم يلعبون لعبة القضاء على القضاء. كل رئيس يستنفر عائلته وطائفته في مشهد يبدو انه سيتكرر لنصبح في غاب بلا شريعة
ما نشهده اليوم هو اسوأ ادارة لشؤون الناس. البلد ينهار ولا قيمة لسلطة أو لوزارة ورئاسات على أنقاض الناس وخراب البلد. هل يعقل ان يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تواجه خطر المجاعة ولا حرب فيها؟ الحد الأدنى للأجور أصبح 20 دولاراً. وفقراء يتقاتلون على حصة غذائية. فيما نحن مقبلون على وضع كارثي بعد ترشيد الدعم.
وعن الحل، يرى العريضي انه يبدأ بتشكيل حكومة، فهي المفتاح للخروج الى المجتمع الدولي وطلب المساعدة. لسنا الدولة الوحيدة التي انهارت. ونحن قادرون اذا أحسنّا الإدارة. «ولكن مع هؤلاء الله أعلم الى أين سنذهب» يختم العريضي.