المصدر: النهار
الاثنين 20 آذار 2023 07:02:10
يحاول القضاء لملمة التداعيات الخطيرة التي أصابته بعد هزتي ملفّي المصارف والمرفأ وأدّيا الى تطورات لم يشهد القضاء حدتها في تاريخه وحالت دون اجتماع مجلس القضاء، المحرك الإداري الاول في هذه المؤسسة، لتعذر تأمين النصاب القانوني لعضويته غير المكتملة أصلاً لخلو ثلاثة مراكز فيها وعدم صدور مرسوم بتعيين خلف لهم ولا إقرار التشكيلات القضائية العامة أو الجزئية، ما أفقده دورته العادية وأدى الى ازدياد الشغور في المحاكم العليا وفي مواقع تشغل بالإنابة وخير مثال على ذلك توقف عمل الهيئة العامة لمحكمة التمييز، ما حال دون بت الملفات العالقة أمامها وتضخم التعقيدات اللوجستية التي أدت الى شل التحقيق في ملف انفجار المرفأ وما تبعه من تطورات عجلت في تحرك أهالي ضحايا هذا الانفجار نحو العمل على قرار دولي لإنشاء لجنة تقصّي حقائق دولية أخيراً، بعد جمود هذا المطلب الذي كانت قد تقدمت به هيئات سياسية.
وتشير المعطيات الى أن إنشاء هذه اللجنة بات على الطريق بعدما دعت 38 دولة عضواً في الأمم المتحدة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الى تبنّي قرار ينشئ بعثة مستقلة ومحايدة لتقصّي الحقائق في انفجار المرفأ بعد إدانتها "العرقلة والتدخل الواسعين في التحقيق المحلي في لبنان". أما هزة المصارف فملفها مجمّد مرحلياً من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، بعد تعليق الإضراب، إلا أن هاجس العودة إليه تحرك من جديد مع إصدار رئيس نادي القضاة في لبنان فيصل مكي بصفته رئيساً لدائرة التنفيذ في بيروت قراراً بدفع بنك البحر المتوسط مبلغ 210 آلاف دولار لمودع تلافياً لختم المصرف بالشمع الأحمر.
وبعيداً من هذين الملفين برز مؤشر إيجابي مع عودة الكهرباء في شكل ملحوظ الى قصر العدل وبروز جانب النظافة في أرجائه، وهو عودة مجلس القضاء الى الاجتماع. فللأسبوع الثاني على التوالي يجتمع دورياً. واجتمع أمس لبحث شؤون "إدارية وروتينية"، بحسب مصادره، ما يشير الى تحييد هذه المؤسسة راهناً عن هذين الملفين والصراعات السياسية المثقلة عليهما، رغم وطأتهما المعنوية على القضاة الخارجين منذ الخامس من كانون الثاني الماضي من اعتكاف دام خمسة أشهر بسبب تدهور الوضع المعيشي. وقد جرى رأب الصدع نسبياً لرواتبهم بسلفة 20 ملياراً لتعزيز صندوق تعاضد القضاة وقبض رواتبهم على منصة صيرفة ما أزال حجة الاعتكاف وعودة القضاة جزئياً الى العمل والحضور الى مكاتبهم مرتين في الأسبوع على الأقل لتأمين العمل بالحد الأدنى، بدعوة من مجلس القضاء، في بيان أصدره، وبعدما علت أصوات المحامين، عبر مجلس نقابة المحامين في بيروت وعلى لسان نقيبهم المحامي ناضر كسبار، عن أثر هذا الاعتكاف في زيادة شل عمل المحامين معتبراً أن القاضي لا ينبغي أن يعتكف رغم شدة ما بلغته الظروف الاقتصادية. مع الإشارة الى أن ذلك الاعتكاف كان شبه كامل إذ استمر قسم من القضاة في تأمين العمل في عدد من الدوائر بلا توقف.
ومع هذه العودة منذ كانون الثاني الماضي، فهي لا تزال جزئية تأميناً للحد الأدنى بحضور قضاة ثلاث مرات أسبوعياً أو مرتين، وهذه الفئة تشكل أكثرية في دوائر النيابات العامة والتحقيق والمحاكم في مقابل أقلية من القضاة لا تسجل الحضور المطلوب، ويتولى الرؤساء الاول الاستئنافيون معالجة الشكاوى التي تردهم من مجلس القضاء في هذا الخصوص. وفي المطلق لا نجد مواطناً راضياً عن الظرف الصعب اقتصاديا وسياسياً والذي بلغ حد النفير، والقضاة شريحة منهم ويعانون معاناة سائر المواطنين، يقومون بما يجب عليهم بالحد الأدنى ضمن الإمكانيات المتوفرة. وتشير مصادر مجلس القضاء الى أن هذا الحد الأدنى من العمل يتأمن وخصوصاً لدى القضاة الذين لديهم نية العمل ويحضرون الى قصور العدل بكل خاطر ومن كل قلوبهم للقيام بواجباتهم وتأمين الاستمرارية في هذه المؤسسة. وهؤلاء كثر وأكفاء ويغارون على العدليات. ويدخل في هذه الشريحة المساعدون القضائيون الذين يؤمنون، برواتب خجولة بمعدل 110 دولارات، هذا الحد الأدنى رغم إعلانهم الإنضمام قبل حوالى شهر الى إضراب موظفي القطاع العام. وتؤكد أنه لا تزال خميرة لا بأس بها من القضاة والمساعدين القضائيين ومنهم الكتبة في الأقلام والمحاكم، علماً بأن العديد من المساعدين تركوا الوظيفة وغادروا الى الخارج بحثاً عن حياة أفضل من الجحيم الذي تمر به البلاد أو تقاعدوا. وتقول السيدة نسيمة رئيسة القلم للمراجعين القانونيين في ملفات عند سؤالها "لم أتوقف يوماً عن العمل في دائرتي، رغم الظروف الصعبة والإضرابات. أحياناً أقصد منزلي سيراً أو أغادر في سيارة مع الذاهب في طريقي". كانت تستقل سيارة أجرة في السابق. وتضيف "لا يطاوعني ضميري أن أبقى في منزلي فيما المحكمة تحتاج الى عملية تأمين سوق الموقوفين أو أن يكون رجل طاعن في السن تحمّل مشقة وأعباء القدوم من مسافة بعيدة خارج العاصمة للاستفسار عن ملف ابنه الموقوف". ومثلها "السيدة فاطمة في دائرة التحقيق المتفانية في عملها لدرجة أنها تنسى الوقت وتتأخر في الذهاب الى المنزل. هما مثال هذه الخميرة ومثال المرأة الكادحة في يومها العالمي في بلد طال عذاب أهله.