الغارات الإسرائيلية في اليمن.. رسائل وأسئلة عن "خريطة العبور"

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدا عسكريا جديدا بعد شن إسرائيل غارات جوية على أهداف قرب ميناء الحديدة في اليمن، ردا على هجوم من جماعة الحوثي، في تطور يمثل منعطفا مهما في مسار الاضطرابات التي تعرفها المنطقة منذ السابع من أكتوبر.

وفي ظل استمرار الحرب في غزة وتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يفاقم الهجوم الأخير المخاوف من إمكانية اتساع دائرة النزاع إلى مناطق أخرى بالمنطقة، طارحا تساؤلات حول دوافع وغايات إسرائيل من ورائه وآثاره المحتملة على المشهد الإقليمي.

"ترميم ورسالة"

الخبير الاستراتيجي وضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، آفي ميلاميد، يرى أن الهدف الرئيسي للهجوم الإسرائيلي تمثّل في "ترميم الردع الإسرائيلي" في المنطقة.

ويوضح ميلاميد في تصريح لموقع "الحرة"، أنه منذ السابع من أكتوبر تواجه إسرائيل مجموعة من الأطراف على عدة جبهات، سواء في غزة ضد حماس أو بشمال البلاد ضد حزب الله، أو تعرضها لهجمات من الحوثيين والميليشيات العراقية.

وصباح الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية لصاروخ أرض-أرض أُطلق من اليمن،الأحد، بينما قالت جماعة الحوثي اليمنية، إنها استهدفت مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر في إسرائيل بعدة صواريخ.

وجاء الهجوم الإسرائيلي بعدما أطلق الحوثيون، الجمعة،، طائرة مسيرة استهدفت وسط تل أبيب مما أسفر عن مقتل رجل وإصابة أربعة آخرين.

وردا على الهجوم، شنت طائرات مقاتلة إسرائيلية، السبت، غارات جوية على أهداف بالقرب من ميناء الحديدة اليمني، قالت إسرائيل إنها أهداف عسكرية تابعة للحوثيين. 

وقالت مصادر طبية في اليمن لرويترز، الأحد، إن ستة أشخاص قتلوا وأصيب 80 آخرون في الضربات الجوية الإسرائيلية وجميعهم مدنيون.

وأظهرت صور من المنطقة المستهدفة حريقا مشتعلا ودخانا كثيفا يتصاعد.

وأثار الهجوم  الذي قال مسؤولون إسرائيليون، إنه جاء ردا على  أكثر من 200 هجوم شنته جماعة الحوثي ضد إسرائيل، القلق من إمكانية امتداد رقعة النزاع.

ومنذ نوفمبر، يشن الحوثيون المدعومون من إيران هجمات بالصواريخ والمسيرات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما للفلسطينيين في قطاع غزة.

نتيجة لهذا الوضع، يقول ميلاميد، إن هناك من كان يقول إن قوة الردع الإسرائيلي تضعف وتفقد قدراتها، بالتالي جاء هذا الرد الإسرائيلي القاسي ليكون "رسالة واضحة" خاصة للنظام الإيراني، وإثباتا لتقدم إسرائيل العسكري والتكنولوجي، وللقول إنه لا يجوز تجاوز الخطوط الحمراء.

ويعتبر ميلاميد أن الضربة عملية عسكرية واستراتيجية "نوعية"، مشيرا إلى أنها كانت "عملية بعيدة المدى تصل إلى 1800 كلم وهي أكبر من المسافة بين إسرائيل وإيران.

ومن الناحية الفنية والتكنولوجية، يقول إن تنفيذ والتخطيط لهذه العملية التي وصفها يتطلب إمكانيات متطورة سواء على المستوى التقني أو التدريب العسكري والتنسيق الدقيق.

ويكشف ميلاميد، أن المقاتلات الإسرائيلية طارت عبر المنطقة الدولية للبحر الأحمر وليست جزءا من أي دولة، مشيرا إلى أن النفي السعودي يؤكد هذا.

وقال العميد تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، إن الرياض، ليس لها علاقة أو مشاركة في استهداف الحديدة في اليمن.

وأضاف أن السعودية لن تسمح باختراق أجوائها من أي جهة كانت.

في هذا السياق ميلاميد، أن جزءا من التخطيط والتنفيذ لهذه العملية المعقدة أخذ بالحسبان مصالح الدول المجاورة، مؤكدا أن إسرائيل حذرة ألا تخترق المناطق السيادية لدول المنطقة.

ورفضت  وحدة المتحدثين باسم الجيش الاسرائيلي التعليق على تفاصيل العملية، وإن كانت استعملت أجواء أي دول من بلدان المنطقة.

"عملية جراحية"

والضربات التي استهدفت، السبت، ميناء الحديدة  الاستراتيجي في غرب اليمن والذي يشكل نقطة دخول رئيسية للوقود والمساعدات الإنسانية، هي الأولى التي تتبناها إسرائيل في هذا البلد.

الباحث والكاتب في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية والعسكرية، محمد بن صالح الحربي، إن هذه الضربة "رسالة من إسرائيل إلى إيران وأذرعها في المنطقة في وقت نشهد فيه تصعيدا، سواء على مستوى جبهتها الشمالية ضد حزب الله أو على مستوى هجمات البحر الأحمر".

ويضيف الحربي في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذه العملية الجراحية الأولى من نوعها استهدفت فيها إسرائيل ما يسمى في العلوم العسكرية مجموعة "أهداف رخوة أو ليّنة"، عبارة عن محطات ومستودعات وقود وكهرباء، عبر مقاتلات عسكرية.

وبشأن تفاصيل تنفيذ العملية، يقول الحربي إن إسرائيل لا تحتاج عبور أجواء أي دولة من أجل تنفيذ العملية، موضحا أن "العبور تم في المجال الجوي الدولي عبر المسافة فوق البحر الأحمر وفق ما يسمى بالعبور الدولي وفق اتفاقية شيكاغو واتفاقية جنيف لأعالي البحار حق المرور في المنتصف".

ويضيف الحربي أن وزارة الدفاع السعودية خرجت وشددت على عدم السماح باختراق أجوائها لأي جهة مهما كانت، مجددا أن العملية لا تحتاج اختراق أجواء أي دولة أخرى.

وبعد ساعات من البيان الذي نأت في السعودية بنفسها من هجمات اليمن، أعلنت الرياض الأحد أنها تتابع بـ"بقلق بالغ" تطورات التصعيد العسكري في اليمن"، مؤكدة أن الغارات الإسرائيلية "تضاعف من حدة التوتر الحالي في المنطقة، وتضر بالجهود المستمرة لإنهاء الحرب على غزة".

وفيما استمرت محاولات إخماد النيران في ميناء الحديدة الأحد، توعد المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع بـ"رد هائل على العدوان" الإسرائيلي.

بالمقابل، توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، السبت، بعمليات أخرى ضد الحوثيين "إذا تجرأوا على مهاجمتنا".

ونددت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية في حربها التي تخوضها ضد الحوثيين منذ 2014، بالضربات الإسرائيلية، محملة إسرائيل مسؤولية "تعميق الأزمة الإنسانية".

وحذرت الحوثيين من "استمرار رهن مصير اليمن وأبناء شعبه والزج بهم في معارك الجماعة العبثية، خدمة لمصالح النظام الإيراني ومشروعه التوسعي في المنطقة".

وبشأن التداعيات المرتقبة لهذه الضربة، يقول الحربي إنه ينبغي قراءة كل التطورات الأخيرة بالشرق الأوسط على ضوء الانتخابات الأميركية المقبلة، مشيرا إلى أن تأكيد قائد القيادة المركزية الأميركي بأن واشنطن لم تتدخل في هذه الضربة، يعكس "الضغط الأميركي على إسرائيل لتفادي أي تصعيد وتوسيع رقعة الحرب".

ويضيف الحربي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وحلفائه من اليمين المتطرف "يسعون للهروب إلى الأمام يريدون خلط الأوراق لكسب دعم الجبهة الداخلية"، مشيرا في هذا السياق إلى "عملهم على التصعيد على أكثر من جبهة".