الغبن المسيحي والرئاسة يتصدّران نقاش ورقة بكركي.. المسار الذي رسم التداعي إلى اللقاء وما أحاط به

لم يكن لقاء ممثلي الأحزاب والتيارات المسيحية في بكركي مفاجئاً، باعتبار أن الصرح شهد صولات وجولات ولقاءات لزعامات وقيادات وأحزاب مسيحية في فترات متفاوتة، وبعد خلافات وانقسامات على خلفية الاستحقاقات الدستورية والوطنية، فكانت بكركي الملجأ الآمن لكل هذه القوى لمناقشة الوضع المسيحي والوطني.

لذلك فإن اجتماع بكركي برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي ضمّ ممثلين عن الأحزاب والتيّارات المسيحية، هدف لمناقشة الملاحظات التي سجلتها هذه الأحزاب على ورقة الاقتراحات، وسبق أن قدمتها لبكركي ونوقشت في اجتماعات سابقة ومتلاحقة، لكن التطورات والأحداث والظروف التي مرت أدت إلى فرملة انعقاد لقاءات الأحزاب، في ظل ما نشب بينها من مساجلات وخلافات ولا سيما على خط معراب - ميرنا الشالوحي، لكن الاجتماع يأتي في ظل ظروف مفصلية خصوصاً مع رفع منسوب تصعيد سيد الصرح وتحديداً عظته الأخيرة في جبيل، التي كانت بمثابة النداء للقوى كافة من أجل انتخاب الرئيس محمّلاً الجميع مسؤولياتهم، حتى إنه لم يوفر الأحزاب والقيادات وبعض النواب الموارنة من مسؤوليتهم تجاه عدم انتخاب الرئيس.

من هذا المنطلق هل تقف لقاءات بكركي عند ملاحظات وتمنيات وتوافق ففراق وخلافات؟ حتى إن البعض يؤكد أن الجميع لبوا رغبة بكركي، لكن في المحصلة ليس ثمة إجماع بين المرجعيات السياسية والأحزاب على مرشح توافقي على صعيد رئاسة الجمهورية، لكن الأخطر والأهم الذي شكل نقلة نوعية للقاء دون أي ملاحظات من كل الأفرقاء وتلبية دعوة البطريرك، إنما هو الغبن اللاحق بالمسيحيين في ظل المواقف المتلاحقة من رؤساء الأحزاب والقيادات ورجال الدين المسيحيين على اختلافهم من أجل وقف عملية هدر حقوقهم، ما يعني أن ما جرى لم ينحصر فقط بانتخاب الرئيس بل ثمة إجماع من هذه القوى والتيارات على ضرورة عدم التفريط بالمواقع والمناصب والإدارات ومؤسسات ومرافق الدولة قاطبة.

في السياق يقول مصدر كنسي بارز إن الورقة التي نوقشت في اللقاء، هي تلك التي حملها المطران أنطوان بو نجم إلى الأفرقاء السياسيين، في مرحلة سابقة وما زالت صالحة للنقاش وإن تطورت الأمور فكل ذلك بُحث في لقاء الأحزاب والتيارات المسيحية، لكن لماذا توقيت هذا اللقاء؟ وإلى ماذا يرمي ويهدف؟ يجيب المصدر بالقول، هناك حالة غبن تلحق بالمسيحيين هي الأخطر في تاريخهم، والميثاقية تتقطع، لكن لا ننسى أن ما أسهم وساعد في ذلك، حالة الشرذمة في صفوف القيادات والأحزاب المسيحية، فخلافاتهم كان لها الأثر الأكبر في الوصول إلى هذا الغبن وارتفاع منسوبه بشكل مقلق ومخيف، والحبل على الجرار إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، لذلك هدف التداعي للقاء إلى هذه النقطة الأساسية والمركزية التي بُحثت بعمق، وتالياً لا شك في أن الشغور الرئاسي بدأ يساعد في عملية الغبن وينذر بعواقب وخيمة وخطيرة، وقد نخسر هذا الموقع كما خسرنا مواقع كثيرة، وإن كانت رئاسة الجمهورية موقعاً مارونياً مسيحياً وطنياً لكل اللبنانيين دون استثناء، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي من حرك هذه الورقة، وكان حازماً وحاسماً خلال عظته الأخيرة، وبناءً على ذلك، بعث برسالة لكل الأفرقاء بمن فيهم القيادات المسيحية، لذلك وحدة الصف المسيحي والتوافق منطلق أساسي لوقف هذا التدحرج، الذي قد يوصلنا إلى حالة نتحدث فيها عن القضايا الكيانية والوجودية والوطنية في ظل ما يحصل اليوم.

وهل سينجح الاجتماع أم يكون كما لقاءات الماضي؟ وهل سيتم التوافق أيضاً على مرشح توافقي بين القيادات المسيحية؟ يشدد على أن الأساس هو كما سبق أن أشرت وكررت الغبن، لأنها مسألة وقضية يجب عدم الاستخفاف بها على الإطلاق، وتشكل خطورة كبيرة جداً، لكن جرى بحث موضوع الاستحقاق الرئاسي من جوانبه كافة في إطار المقاربات والمواصفات، ولم يصر من الطبيعي إلى توافق على مرشح معين والأمور قد تحتاج إلى لقاءات أخرى وربما على مستوى الزعامات والقيادات ورؤساء الأحزاب إذا أحتاج الأمر، لكن الممثلين نقلوا وجهات نظر ومواقف قياداتهم ومرجعياتهم، والمسألة مفتوحة على كل الاحتمالات في حال رفع مستوى التمثيل إلى الصف الأول.

وعلى خط آخر، يقول رئيس تجمع الموارنة من أجل لبنان المحامي بول كنعان إن الجميع يعودون إلى الكنيسة لأن الأمور خطيرة جداً ولا يمكن استمرار هذه الميوعة والاستخفاف بالأوضاع القائمة في لبنان والمنطقة، فيُجب أن ينتخب رئيس الجمهورية في أقرب وقت ممكن، وأن تعالج مسألة الغبن اللاحقة بحقوق المسيحيين، ولن نسكت عن ذلك، ويجب الالتزام بالدستور والتوافق بين جميع اللبنانيين، لأن البلد ليس لفئة معيّنة بل لنا جميعاً، من هنا البطريرك كان واضحاً وحازماً، واللقاء الذي حصل ضرورة في مرحلة مفصلية، ويمكنني التأكيد أن سيد بكركي لن يتساهل مع ما يحصل على الساحة الداخلية.