الفوضى الدستورية تتقدم ومحاولات وضع ضوابط "رئاسية"

مع التعثر المستمر في إنتاج حكومة قبل ساعات قليلة من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تضج الكواليس السياسية بالبحث عن الآليات والمعايير التي ستحدد كيفية إدارة حكومة تصريف الأعمال للشغور الرئاسي.

وفي الوقت الذي يحذر فيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل من الفوضى الدستورية، ومن أن عرقلة عملية تشكيل الحكومة مسألة مدروسة ومخطط لها، وقد وصل الأمر بباسيل إلى اتهام الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس نبيه بري وقوى خارجية، فإن مساعي حزب الله مستمرة للوصول إلى تفاهم حول الخطوط العريضة لتصريف أعمال الشغور الرئاسي.

لا جلسات للحكومة
في البداية، فإن التركيز الأساسي لدى التيار الوطني الحرّ وبالتضامن مع حزب الله هو عدم عقد جلسات لحكومة تصريف الأعمال، علماً أن القوى المعارضة لعون تعتبر أنه يناقض نفسه؛ إذ في فترة تولي حسان دياب لرئاسة الحكومة وبعد تحولها إلى تصريف أعمال كان لعون تصريحات كثيرة تدعو إلى عقد جلسات لها إلا أن دياب رفض، فيما الآية تبدو منقلبة حالياً مع ميقاتي الذي يعتبر أن الشغور الرئاسي يحتّم انعقاد الجلسات على قاعدة استمرارية المرفق العام وعدم الإستسلام للشغور والفراغ.

وعلى الرغم من هذه النقطة المعارضة لتوجهات عون إلا أنه لا طرح واضح لفكرة عقد جلسات للحكومة إنما تسيير الأمور بالحدّ الأدنى من خلال إقرار مراسيم جوالة من قبل الوزراء بشرط أن تكون هذه المراسيم متوافق عليها.

 مهام الرئيس خط أحمر
يريد التيار الوطني الحرّ أيضا، وضع سقف ثانٍ وهو ألا تقوم حكومة تصريف الأعمال بممارسة مهام أو اتخاذ قرارات ترتبط بصلاحيات الرئيس على أن تستمر في ممارسة صلاحياته كحكومة لتصريف الأعمال في الإطار الضيق.

عليه، فإن البحث يجري حول آلية لمسار عمل الحكومة اولاً، ولعدم عقد جلسات لها ثانيا، لأنه في حال حصل ذلك فإن الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحرّ سينسحبون منها وستتحول حينها إلى حكومة مبتورة ومطعون بشرعيتها في محاكاة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006. وفي حال حصول ذلك، فهو يعني أن الإنقسام سيزداد ويتفاقم معطوفاً على صراع حول تفسير الدستور والممارسة السياسية ما يضع البلاد على شفير الفوضى. وهذا ما حذّر منه باسيل من على منبر بكركي بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي. خصوصاً أن زيارة باسيل كانت بهدف سحب الغطاء المسيحي الذي سعى ميقاتي إلى تحقيقه كي لا تتم مواجهته بتولي صلاحيات رئيس الجمهورية.

استثناء الترسيم ودعم الحزب
 هناك استثناء آخر قد يرتبط بحاجة الحكومة إلى ممارسة بعض من صلاحيات رئيس الجمهورية لا سيما في ضوء الإنجاز السريع لإتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص من الجهة الجنوبية، خصوصاً أن اللجنة التي تم تكليفها بإدارة هذا الملف مع قبرص يترأسها وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، وهو الوزير المحسوب على حزب الله ولذلك لا بد للحزب من أن يوفر الدعم لوزيره لتحقيق هذا الإنجاز، وعليه فإن توقيع مرسوم ترسيم الحدود مع قبرص سيتخذ سمة الصلاحيات الرئاسية، إلا أن هذه تبقى مهمة حزب الله في إقناع التيار الوطني الحرّ بها. 

تهدئة أو قلاقل أمنية؟
بناء على كل هذه المعطيات فإن البلاد تقف أمام احتمالين، إما الوصول إلى صيغة التهدئة المرتبطة بالتفاهم على الحدود الدنيا من تصريف الأعمال وإدارتها بطريقة متوازنة، وإما سيكون الإحتمال الآخر هو الذهاب إلى حالة من الفوضى الإجتماعية والسياسية والتي حينها ستفتح الباب أمام فوضى أمنية تنتج عنها توترات تفضي إلى فرض أمر واقع جديد ربما سيكون مرتبطاً باستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.