القبيّات و"الكاهن" المتحرش.. لفلفة ملف البيسري مرفوضة

لطالما رسمنا في ذاكرتنا الجماعية الصورة التي نريدها أو بالأحرى التي ورثناها عن "خوري الضيعة". هو الخادم العطوف، أبٌ لأطفال الرعية، حاضنُهم. الأبونا، كما يسرُّ الناس أن يدعوه، هو صورة شهامة ونُبل وإيمان.

ضحايا الأبونا، اليوم، هم أطفالُ القبيات وشبابها. والكثير منهم وقع ضحية الكاهن جوزف البيسري في ما عُرف حتى الآن بقضية التحرّش الجنسي. أطفال وشباب سيقوا للذبح المعنوي في مكتبه. أمام عشرات من الأيقونات، التي تلتقط بعدساتها صور شباب عراة بحجة أن "الخوري"، وهو أستاذ في علم الحياة Biologie، يحضّر لرسالة دكتوراه تتطلب أخذ بعض القياسات لجسم إنسان عارٍ، علماً انه كان يطلب من الشباب عدم إخبار زوجته بمسألة الدكتوراه كي تكون مفاجأة لها.

منذ آب 2023، بدأت مطرانية طرابلس التحقيق بادعاءات وصلت إليها عن سلوك البيسري بعدما قرّر أحد الضحايا وهو (أ.خ)، أن يعترف عن ممارسات خوري سيّدة الغسالة، فاضحاً ممارساته على مدى نحو 12 عاماً. ولاحقاً كرّت السُبحة، وبدأ يُعرف من الشباب الضحايا الكثير، ومنهم (س. ا. وج.ع.) والعديد ممن أدلوا باعترافاتهم أمام لجنة التحقيق التي أنشأها رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، متهمين الكاهن بممارسات غير لائقة، وبابتزازه الطلاب بطلبات غير لائقة أيضاً مقابل إنجاحهم في الامتحانات، مستغلاً منصبه كأستاذ في مدرستين خاصة ورسمية.

ووفق ما توافر لديه من معطيات، أصدر سويف قراراً في 17 آب 2023 أوقف بموجبه الخوري جوزف البيسري عن ممارسة أي أعمال كهنوتية، ليعود في 26 كانون الثاني من العام الحالي بتجديد هذا القرار معلناً "منع الخوري البيسري من ممارسة أي أعمال كهنوتية ورعوية عامة لفترة زمنية إضافية غير محدّدة، يخضع خلالها للإجراءات التي تفرضها القوانين الكنسية". (بيان صادر عن أمانة سرّ مطرانية طرابلس المارونية).

في حديث مع أمين سرّ المطرانية المارونية في طرابلس الأب جو رزق الله، يؤكد أنّ "القرار الصادر عن المطرانية لا يعني أن التحقيق انتهى بل هو مستكمل، ولجنة التحقيق تذهب بكل معطى أمامها بجدية وحتى الآخر. والقرار الذي صدر عن المطران سويف بناء على توصية لجنة التحقيق انطلاقاً من الأدلة التي ظهرت إلى الآن. وهذا يعني، أنه بحسب توجيهات الكنيسة، بمجرد وجود شبهة ومنعاً للتشكيك تم اتخاذ القرار بتوقيف الكاهن عن العمل الكهنوتي والرعوي.

أما إحالة القضية الى دوائر الفاتيكان فيعتمد على نوع القضية.

وفي ما خص إمكانية دخول القضاء المدني ولمن تعود الكلمة الفصل، يقول: "في البلدان التي يكون فيها القضاء المدني فعّالا، عادة ما تأخذ الكنيسة بالقرار الصادر عنه وتتبنّاه. أمّا في لبنان، فمعلوم أن القضاء المدني بطيء، ناهيك عن الاعتبارات الطائفية والدينية، لذا تتخذ الكنيسة القرارات قبله. واذا صدر عنه لاحقاً أي قرار يمكن للكنيسة أن تنفذه أكان بالحبس أم الغرامة".

ويضيف: "الكنيسة على سبيل المثال تبنّت قرار القضاء المدني في فرنسا واتخذت إجراءات بحق الأب منصور لبكي في لبنان. واذا ذهب الى فرنسا قد يتم حبسه، فلا مانع، لكن هذه قضية أخرى. وحتى اذا أصدر القضاء المدني في لبنان قرارا بحبس الكاهن جوزف البيسري على سبيل المثال، للكنيسة القدرة على إسقاط الحصانة عنه، ويتم سجنُه".

وفيما يسير تحقيق المحكمة الروحية بسرية، بدأت الأجهزة الأمنية أيضاً تحقيقاتها، وتدخلت مصلحة الأحداث في وزارة العدل في طرابلس، وبدأت تحقيقاتها، بناء على إخبار مقدّم، وأَرسلت للغاية وفداً إلى المدرسة، حيث أجرت تحقيقات مع عدد من التلامذة، والتحقيق مستمر من قِبلها.

في المقابل، يتحضّر شبان في القبيات لتقديم شكوى أمام القضاء المدني، في محاولة لإقفال كل طرق لفلفة الملف، "اذا وُجدت".

اليوم، قررت مطرانية طرابلس تعيين الأب ريمون عبدو الكرملي، ولمدة ستة أشهر، نائباً مدبّراً في رعيّة سيدة الغسّالة – القبيات، ومنحه صلاحيات إدارية ورعوية.