القرار 1559 الآن!

كل المؤشرات تدلّ على أن "حزب الله" يبحث في حربه مع إسرائيل عن وقف لإطلاق النار، ويُحتمل أن يقبل بالقرار 1701، إنما على أن يُنفذ بالشروط والإجراءات نفسها التي نُفذت طوال 17 عاماً بين 2006 و2023، أي أنّ "حزب الله" لا يبحث عن تنفيذ حرفي وصارم للقرار 1701 من دون زيادة أو نقصان كما يشيع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو المكلف من قبل "حزب الله" بالتفاوض مع الأميركيين، ومن خلالهم مع الإسرائيليين بشكل غير مباشر. 

وموقف "حزب الله" هو التمسك بالقرار 1701 حسب قراءته الخاصة ووفق نمط التنفيذ الذي ساد قبل 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023؛ فطوال أكثر من 17 سنة نجح "حزب الله" في تحييد الجيش اللبناني والأجهزة الشرعية كافة في البلاد، ما حال دون أن تنفذ مهمتها القاضية بالتنسيق مع قوات الطوارئ الدولية بتفتيش منطقة عمليات "اليونيفيل" منعاً لدخول السلاح والمسلحين والتمركز في المنطقة.

نجح "حزب الله" بتحييد القوى الأمنية اللبنانية، ومحاصرة قوات الطوارئ الدولية عبر مجموعات منتظمة في الحزب وظاهرها مدني، وسُميت جوازاً بـ"الأهالي" الذين يعترضون على دوريات "اليونيفيل" ويمنعونها من القيام بمهامها المنصوص عنها في القرار 1701. 

قراءة "حزب الله" للقرار 1701 والتي تبناها الرئيس بري، أسقطت منه مرجعياته القانونية التي استند إليها، وأولها القرار 1559 للعام 2004 الذي يُمثّل بمضمونه "صكاً لاستقلال لبنان"، إذ يدعو إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، وحل الميليشيات المسلحة، وبسط سلطة الدولة وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية. ومنبع القرار هو نصوص وثيقة الوفاق الوطني للعام 1989 التي تُمثل حجر الأساس في الدستور اللبناني.

ومع ذلك، تواطأت معظم القوى السياسية اللبنانية، التي يتشكل منها الطاقم الحاكم، لكي يتم إسقاط القرار 1559 وإخراجه من التداول بحجة أنه، كما صرح الرئيس نبيه بري، بات من الماضي، وهو كان مرتبطاً بالحقبة السورية.

 

وقد تواطأ الطاقم الحاكم اللبناني أيضاً، كل لأسبابه ومصالحه الخاصة والموضوعية، من أجل إسقاط التداول بالقرار 1680 الذي تصدى لمشكلة الحدود اللبنانية السائبة، لا سيما تلك التي تفصل لبنان عن سوريا، فضلاً عن مشكلة الموانئ البحرية والجوية التي تمكّن "حزب الله" في السنوات الأخيرة من إحكام سيطرته عليها بشكل شبه تام. والحكمة من استصدار القرار 1680 منع تهريب السلاح من الخارج لصالح أي قوة غير شرعية أياً تكن.

بناء على ما تقدّم، يُمكن فهم الواقع الحالي. فما يفكر به "حزب الله" والجهة المكلفة بالتفاوض عنه، مختلف تماماً عما يطلبه المجتمع الدولي، والأهم عما تريده الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني. وهنا نتحدث عن أكثرية ساحقة عابرة للطوائف والمناطق تعتبر أن أحد أهم أسباب انهيار البلاد داخلياً، ثم تورطها في حرب خارجية، هو وجود جهة داخلية مسلحة تمارس سطوتها على الداخل استناداً إلى فائض القوة الذي تملك، وتستخدمه لترويض الداخل المعارض، وإشاعة "وهج" لدى الداخل المؤيد.

وقد أظهرت الحرب الحالية في لبنان، كم أن السلاح غير الشرعي أدى إلى تعريض لبنان لأخطار وجودية كبيرة. ومن هنا ثمة مطالبات واسعة في داخل المجتمع اللبناني ترفض أن يستمر التواطؤ على المستوى السياسي لحماية سلاح "حزب الله"، و تأمين غطاء شرعي من الدولة. هذا ما يمنح القرار 1559 قوة لا مثيل لها في هذه المرحلة حيث أنه يُمثل موقف الشرعية الدولية الطبيعي الذي يرفض فكرة الميليشيات المسلحة مثل "حزب الله"، وذلك مهما كانت الأعذار والمبررات.

لقد آن الأوان لإحياء القرار 1559، والتفاوض داخلياً مع من تبقى من قيادة الحزب، وخارجياً مع المرجعية الإيرانية، عبر النظام العربي الرسمي لوضع نهاية حاسمة لظاهرة التنظيم المسلح المفروض فرضاً بذرائع أسقطتها حرب الإسناد نهائياً.

آن الأوان لكي يصبح لبنان وطناً يتساوى فيه جميع اللبنانيين تحت سقف القانون والدولة ومؤسساتها الشرعية. ونخالنا نطلب المستحيل، عندما نطالب قيادة "حزب الله" الفعلية والظاهرية على حد سواء بوضع حد لهذه الحرب العبثية والإعلان من طرف واحد عن وقف إطلاق النار، ووضع نفسها تحت كنف الدستور والقانون والقرارات الدولية. فلقد انتهى زمن التعايش بين منطقين لا يلتقيان، الدولة والدويلة. أما محاولة إطالة عمر الحلول المجتزأة فلن يفضي إلا إلى تصعيد الحرب المدمرة، وإلى تسعير الخلاف والنزاع بين من يسعى إلى انتحار البلاد بما ومن فيها، ومن يسعى إلى الإنقاذ والذهاب نحو بناء بلد طبيعي، لا أن يكون بلداً شبيهاً بمحيطه الخاضع للميليشيات المذهبية المتخلفة إياها.

لذلك كله يجب تنفيذ القرار 1701 بمندرجاته كافة لاسيما القرارين 1559 و1680... الآن!