المصدر: النهار
الكاتب: منال شعيا
الثلاثاء 14 تشرين الثاني 2023 11:59:57
إبل القمح، طربيخا، صلحا، قَدَس، هونين، المالكية والنبي هوشع: هي "القرى السبع" التي يضيع أمر موقعها بين لبنان وإسرائيل. فالقصة طويلة والتاريخ قديم يعود الى عام 1920.
في القصة، أن الخرائط اللبنانية أجمعت على لبنانية هذه القرى. وفي التاريخ، ثمة اتفاقات دولية "سلخت" هذه القرى من لبنانيتها نتيجة اتفاق المستعمرين البريطاني والفرنسي من زمن الانتداب.
هكذا، يتعمق الجدل حول ضياع موقع "القرى السبع"، فكيف يمكن تفسير هذه الجدلية؟ وأي مصير لهذه القرى؟
التاريخ والقصة
إن كل الترسيمات والاتفاقات التي حددت الحدود اللبنانية – الفلسطينية تشير الى أن القرى السبع فلسطينية، انطلاقاً من اتفاق "ليغ بانشهوست" بين فرنسا وبريطانيا في 23 كانون الأول 1920، مروراً باتفاق "نوكامب – بولييه" بين الطرفين عام 1923، وصولاً لاحقاً، إلى المادة الأولى من الدستور اللبناني التي أوضحت الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، ثم "اتفاق الهدنة" بين لبنان وإسرائيل الذي حدد بدوره الحدود الدولية للبنان.
من هنا، تفسرّ "الغصة" التي شعر بها سكان هذه القرى بعيد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، إذ لم تشملهم "فرحة التحرير" يومها.
ومثلما "تتعرّض" مزارع شبعا لتناقض حول ملكيتها بين لبنان وسوريا، هكذا هي حال "القرى السبع" التي تؤكد الترسيمات أنها ليست لبنانية، ولم تُشمل بقرار التحرير عام 2000.
فالقرار الدولي الشهير الذي حمل الرقم 425، والذي على أساسه انسحبت إسرائيل من الجنوب، لم "ينسحب" على "القرى السبع".
وليست فقط قضية الاتفاقات أو الترسيمات هي التي تتحكم بـ"هوية" هذه القرى، بل أيضاً ثمة جانب لا يستهان به من الإهمال والتقاعس اللبناني الرسمي، تماماً كما هي الحال بالنسبة الى إشكالية مزارع شبعا.
فثمة عدد من المناطق والبلدات كالعديسة والمنارة وبعض مناطق هونين، لم يلحقها اتفاق "بوليه نيوكمب" بفلسطين لكن الإهمال اللبناني تركها ببساطة لإسرائيل، كما تُركت مزارع شبعا لسوريا، دولياً وعلى الورق!
إلا أن الفترة التي تبعت الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 أعادت الضوء الى هذه الناحية، وأفسحت المجال أمام التحقق من مصير هذه المناطق والبلدات، فاستعيدت هذه المناطق إلا جزءاً من منطقة العديسة لا يزال محتلاً ويتحفظ لبنان على الخط الأزرق فيه.
غالبية سكان "القرى السبع" هم من الطائفة الشيعية ولهم علاقات وطيدة مع اللبنانيين، وحتى علاقات مصاهرة. من هنا، فإن في جذور هؤلاء، تجذراً لبنانياً أصيلاً، وشعوراً بالانتماء الى لبنان. وهذا ما دفعهم أخيراً الى الطلب من وسائل الإعلام عدم استخدام الأسماء الإسرائيلية لقراهم أي أسماء المستوطنات، بل إطلاق التعابير الأصلية للقرى. وقد أنشأوا صفحة على مواقع "التواصل الاجتماعي" تعرّف بقصة قراهم السبع وبتاريخهم وجذورهم!
ففي أيلول 1920 أعلن الجنرال الفرنسي غورو قيام "دولة لبنان الكبير" بموجب القرار 318، الذي عيّن حدود هذه الدولة الجديدة الواقعة ضمن المنطقة الزرقاء الخاضعة بموجب اتفاق سايكس - بيكو للنفوذ الفرنسي. وهذه الحدود حينها كانت تشمل 31 قرية لبنانية سُلخت عن لبنان في ما بعد لمصلحة فلسطين، من ضمنها "القرى السبع" التي لا يزال في حوزة عدد من أهلها هوياتهم اللبنانية الصادرة باسم حكومة "لبنان الكبير"، وإيصالات مالية كانوا بموجبها يدفعون الضرائب للجباة لولاية بيروت!
وتشير الوثائق المنشورة في كتاب من إعداد "المركز الاستشاري للدراسات" حول "القرى السبع" الى أنه "في معرض تنفيذ أحد بنود معاهدة "سان ريمو" لترسيم الحدود، جرى وضع خطوط موقتة في أواخر تشرين الأول العام 1920 ريثما يتم الاتفاق النهائي".
ولعلّ ميزة هذه القرى أو خصوصيتها هي التي ضاعفت ضياع هويتها أو الصراع حولها، لكونها تمتاز بخصوبة أراضيها وبمروجها، وتبلغ نسبة الأراضي المزروعة فيها حوالي 90 في المئة من المساحة الإجمالية.
ما بعد "الطوفان"
... اليوم، وبعد عملية "طوفان الأقصى" أعيد تسليط الضوء على "القرى السبع": تاريخاً ومستقبلاً، ولا سيما بعد الطلب الذي أصر عليه أهالي هذه القرى عبر استعمال الأسماء اللبنانية لقراهم لا الإسرائيلية.
والسؤال العملي، ما المطلوب لحسم هذه الإشكالية؟
مطلبان واضحان: إعادة رسم الخريطة السياسية لدولة لبنان لتضم هذه القرى الى أراضي لبنان، بعدما سُلخت عنه. إعادة إنشاء سجلات عقارية جديدة لهذه القرى، تسمّى فيها كل منطقة عقارية باسمها الأصلي.
فمثلما مطلوب سلسلة إجراءات بين لبنان وسوريا، ولاحقاً دولياً، لإثبات لبنانية مزارع شبعا، فإن أمام لبنان العمل الكثير لإنهاء جدلية "القرى السبع"، ولئلا نبقى خاضعين لتزوير التاريخ... والجغرافيا... وحتى بالأسماء!