القطاع الطبي بعد أسبوع الكوارث... الجيش الأبيض "يكبّر القلب"

عبارة «قد الحمل» هي واحدة من التوصيفات للجهاز الطبي في لبنان التي انتهى اليها المعنيون والمراقبون بعد الثلاثاء الأسود الذي أعقبه الأربعاء الأسود ثم يوم الجمعة الأسود، وكلها أيام عصيبة على لبنان أعادت بقوة إلى أذهان كثيرين مشهد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس من العام 2020.

الجهاز الطبي في لبنان فعل في تلك الأيام ما لا تقوى ربما على فعله أفضل الأجهزة الطبية في الدول المتطورة التي تنعم بالرخاء والسلام. وبنداء واحد، إنفاذا لخطة الطوارئ الصحية التي وضعتها وزارة الصحة في لبنان منذ أشهر والتي قضت بشكل خاص بتدريب 118 مستشفى على حالات الطوارئ، استنفر الجسم الطبي في لبنان في مشهد مستعاد وربما بقساوة أكبر، فتدخل جراحيا حيث يجب لإنقاذ أرواح أو عيون أو أطراف فجرها العدو الإسرائيلي بأجهزة الاتصالات، قبل ضربته الجوية على حي سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة. وبإقرار من الجميع أثبت أطباء لبنان كما ممرضوه ومسعفوه أنهم «عند الحزة» يعرفون كيف يواجهون الكوارث بالتضامن والتماسك والمهارة والخبرة.

مدير العناية الطبية في وزارة الصحة د. جوزف الحلو أثنى في حديث إلى «الأنباء» على «ما بذلته الطواقم الطبية من أطباء وممرضين وعاملين في القطاع الصحي، من جهود جبارة في أسبوع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان»، والتي وصفها بـ«جرائم حرب لكونها طالت أيضا المدنيين بأعداد كبيرة». وقال: «كانت وزارة الصحة وعلى رأسها الوزير فراس الأبيض خلية نحل بالتعاون مع الجهات الصحية من صليب أحمر ودفاع مدني وهيئات صحية ونقابتي الأطباء في بيروت والشمال».

ولفت الحلو إلى أنه «كان يتم توزيع الجرحى على المستشفيات في لبنان، ولكن مع مشكلة أساسية ظهرت يوم الثلاثاء لكون كل الإصابات كانت في العيون والوجه، فيما لا تحتوي كل المستشفيات على أقسام للعيون. والمستشفى الذي يحوي قسما من هذا النوع، لا تتوافر فيه أكثر من ثلاثة أو أربعة ميكروسكوبات للاستخدام، ما جعل إنجاز بعض جراحات العيون يتأخر ليومي الجمعة والسبت».

وقال د.الحلو إن «أكثر من 2300 عملية جراحية تم إجراؤها، وفي حالة بعض الجرحى كان أطباء من اختصاصات عدة يعملون على المصاب نفسه من جراحة العيون إلى جراحة العظم والوجه والحروق وجراحة المفاصل والشرايين».

كما أثنى على «همة اللبنانيين في تلبية نداء الثلاثاء للتبرع بالدم، إذ فاقت التبرعات الحاجة، لدرجة أن المخزون من الدم صار يكفي لـ 15 يوما إلى الأمام».

وعن مدى جاهزية المستشفيات في حال الحرب الواسعة أو الكبرى، أكد الحلو أن «المستشفيات جاهزة وقادرة على الصمود، والمستلزمات الطبية كما الأدوية متوافرة للأشهر الأربعة المقبلة، ولو أن المخزون قد نقص قليلا بسبب استخدام بعضها خلال الأسبوع الماضي».

الصحافية رلى معوض التي لها باع طويل في متابعة الشأن الطبي والصحي، جالت على مدى أكثر من ثلاثة أيام على المستشفيات الجامعية في بيروت وأجرت لقاءات مصورة مع الأطباء والممرضات فيها للاضاءة على الإصابات وكيفية التعامل معها. وفي حديث إلى «الأنباء»، قالت معوض إنها مهما حكت لا يمكن أن تفي مستشفيات لبنان والأطباء والممرضين والعاملين فيها حقهم. وأكدت أن «هذه المستشفيات وإضافة إلى كونها لاتزال تقدم أفضل الخدمات، هي تجيد استيعاب الكوارث الصحية والتعامل معها».

ونقلت معوض عن البروفيسور الياس الوراق الذي التقته، وهو من جراحي العيون الكبار في لبنان، قوله بتأثر إنه على مدى 30 سنة من العمل وحتى في زمن الحروب لم يشهد على ما شهده من إصابات بالغة في العيون لدرجة أنه لم يكن يصدق ما يراه.

وأكدت «أن بعض الجراحات كانت دقيقة للغاية، وكل عملية استغرقت أقله أربع ساعات. وهذه حالات تستوجب متابعة لسنوات خمس إلى الأمام». وأضافت: «مستشفيات لبنان كانت رائعة والأطباء الذين هبوا إلى الميدان، عملوا وفقا لقسمهم الطبي وكانوا بكبروا القلب».

يلتقي أكثر من رأي على أنه لو وقعت في أي بلد في العالم كوارث كالتي أصابت لبنان في أسبوع واحد، لإنهار النظام الصحي فيها. أما في لبنان الرازح تحت وطأة الأزمات منذ خمس سنوات، «فحدث ولا حرج» عن جيش أبيض فيه ليس في سجله سوى انتصارات.