المصدر: النهار
الكاتب: مجد بو مجاهد
الجمعة 14 حزيران 2024 06:50:54
يتابع اللبنانيون عن كثب زيارات المسؤولين الفاتيكانيين لبيروت كلّما حطّت طائرة ومعها اهتمامٌ في البحث عن روحيّة متغيّرات تحول دون استمرار سكون مراوحة الأزمات، حتّى وإن كانت جولات الوافدين تأخذ طابعاً راعويّاً، لكنّها تشكّل في طيّاتها محاولاتٍ لدحر الشغور الكالح على مستوى الاستحقاقات.
ولن تكون جولة أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيِترو بارولين المنتظرة إلى لبنان نهاية الأسبوع المقبل بعيدة عن التداول في الأوضاع اللبنانية على مستوى المشاورات التي سيعقدها مع مرجعيات لبنانيّة شاملاً البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي، كما أنها ليست جولة خالية من التمحيص في الملفات السياسية التي ستطرح على طاولة البحث خلال اللقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مثلاً، رغم أنّ هدف الزيارة هو المشاركة مع منظّمة فرسان مالطا في القدّاس الاحتفاليّ بعدما كانت أنشأت مشروعاً زراعيّاً هادفاً إلى الاعتناء بالأمن الغذائي والتحفيز الاقتصاديّ. ولكن، من يواكب التحضيرات على المستوى السياسيّ اللبنانيّ لا يقلّل من "اللياقة السياسية" للجولة، انطلاقاً من مركز الكاردينال بيِترو بارولين الذي يتولّى ضمنه العلاقات الخارجية للفاتيكان، ما يبقي على محتوى سياسيّ لرحلته اللبنانية. ويضاف تنسيق الفاتيكان مع الدول الخارجية الصديقة للبنان، منها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ولقاء الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان مع بارولين، إلى التفاصيل المرسّخة أهمية الزيارة المنتظرة للأخير لتداول أجواء استقرّت عليها المشاورات الدولية خصوصاً على مستوى الاستحقاق الرئاسيّ اللبنانيّ.
معطيات "النهار" أكّدت أنّ برنامج بارولين سيشمل لقاءً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب وآخرين في ظلّ الاهتمام الفاتيكاني بلبنان والتمسّك بإنقاذ مصير البلد على تنوّع انتماءات مواطنيه الدينية والمناطقية، مع الحرص على متابعة أوضاع المسيحيين اللبنانيين من منظار وطنيّ حريص على وحدة البلد والشعب، فيما تتحضّر زيارة بارولين في مرحلة حرجة يعاني خلالها لبنان تحدّيات جمّة سياسية واقتصادية مع الإبقاء على المبادئ الفاتيكانية التي تشمل الحضّ على التوافق الداخليّ. وستتشاور رئاسة الحكومة اللبنانية في تطوّرات الأوضاع اللبنانية مع أمين سرّ دولة الفاتيكان، إذ إنّ التحضيرات اللبنانية السياسية الرسمية للزيارة تضع على جدول برنامج المشاورات ملفّات أساسيّة محورها التحديات المتراكمة داخليّاً، وفي مقدّمها الاحتدام الحربيّ الناشب جنوب لبنان، حيث لا تتراجع المحاولات الديبلوماسية الهادفة إلى تقليص اللهيب المتأجّج، أقلّه مع انتظار لا يتراجع الرهان عليه للتوصّل إلى وقف النار في غزّة تلازماً مع ضرورة تطبيق التوصيات الدولية على أن يكون في استطاعة لبنان التماهي مع أيّ تطورات. وستكون زيارة بارولين محطّة لتداول استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وسواها من الاستحقاقات المهمة بحسب النقاط التي تنوي رئاسة الحكومة التشاور في مضامينها مع المسؤول الفاتيكاني، مع انطباعات حكومية ستتشاور فيها لناحية اعتقادها بوجود توازن للقوى في المجلس النيابيّ واستحالة إيصال أيّ فريق لمرشّحه، وهو ما يلحّ في الحاجة إلى حلول يتَّفق خلالها على مرشّح بين التكتلات النيابية. ولن يغفل لبنان الرسميّ ملفّ النزوح السوريّ. وينتظر أن يبحث الاجتماع بين ميقاتي وبارولين في الأزمات المعيشية اللبنانيّة والإصلاحات الاقتصادية التي تشكّل أكثر من حاجة.
من يطّلع على حراك تنسيقيّ مع حاضرة الفاتيكان على المستوى المدنيّ اللبنانيّ، يقُل إنّ الكرسيّ الرسولي يواكب بدقّة التحديات التي يواجهها لبنان على المستويين الدستوريّ والسياديّ والنتيجة على المستويين الاقتصاديّ والاجتماعيّ. وثمة من ينتظر أن يحمل بارولين ثبات الديبلوماسية الفاتيكانية الفاعلة في تأكيد ضرورة تضافر الجهود الداخلية والإقليمية والدولية لإنقاذ هوية لبنان الحضارية، والتي تقوم على رسالة الحرية والتعددية والأخوة تحت سقف اتفاق الطائف والدستور اللبنانيّ، وذلك ثابت في السياسة الفاتيكانية، فيما من الواضح استناداً إلى من يتواصل مع الفاتيكان على مستوى القوى المجتمعية اللبنانية، أن الكرسيّ الرسولي تثبّت من أن ما يعيشه لبنان هو انقلاب على الدستور، مع محاولة لتغيير هويته، حيث يمكن رصد ذلك في كلّ ما يقوله قداسة البابا فرنسيس عن لبنان، وكذلك في زيارة أمين سرّ الفاتيكان بعد تفجير مرفأ بيروت في أيلول 2020، وكان واضحاً في القداس الاحتفاليّ في منطقة حريصا حينذاك حول مساندته للبنانيين، وهذا تأكيدٌ لدور الديبلوماسية الفاتيكانية في إنجاز مسار تنسيقيّ مع عواصم القرار لحماية هوية لبنان الحضارية.
لا تزال التوصيات الفاتيكانية حول القضية اللبنانية ثابتة بحسب المعطيات، بدءاً من تطبيق الدستور اللبناني، أيّ اتفاق الطائف بكافّة مندرجاته وإصلاحاته البنيوية، واستكمال سيادة الدولة بعيداً من أيّ سلاح غير شرعيّ، وحماية هوية لبنان الحضارية والتعدّدية في العيش معاً، والليبرالية الاقتصادية انطلاقاً من العدالة الاجتماعية، بما يعني الدفع في اتجاه إنهاء الفساد واتباع منطق خدمة الخير العام، وضرورة التزام لبنان المواثيق والقرارات الدولية. وإن كان للكرسيّ الرسولي سياسة تقول بضرورة إرساء تحييد لبنان عن الصراعات، فهذه السياسة ترتكز على إنجاز سياسة جوار يُحمى فيه لبنان من أيّ اعتداءات على كلّ المستويات. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هناك بروباغندا تضخّ انطباعات غير صحيحة عن أنّ الكرسيّ الرسوليّ يدعو إلى انخراط النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في المجتمع اللبنانيّ، لكنّ الصحيح وفق من يواكب موقف الفاتيكان لبنانيّاً، أنّه بقدر حرص الفاتيكان على المجتمعات المضيفة اللبنانية يحرص على حقوق النازحين، لكنّه يؤكّد حقّهم في الرجوع إلى بلدهم وتقرير مصيرهم كمسألة ثابتة أخلاقية في الديبلوماسية الفاتيكانية.