الكتائب والكتلة النيابية المعارضة

خاض حزب الكتائب اللبنانية الانتخابات النيابية للمرة الأولى في ١٥ نيسان ١٩٥١ وفاز بثلاثة مقاعد نيابية وشارك في جميع الانتخابات النيابية اقتراعاً وترشيحاً باستثناء عام ١٩٩٢ حيث قاطعت الانتخابات القوى المسيحية. أمّا خلال دورة عام ١٩٩٦ فقد خسر مرشحو الحزب الانتخابات بسبب تدخل الرئيس الياس الهراوي الذي كان قد أقسم على "مسح الأرض بالكتائب وسعادة".

 

تراوح عدد نواب حزب الكتائب منذ دخوله مجلس النواب ما بين نائب وثمانية نواب على سبيل المثال، نائب واحد سنة ١٩٥٣ وثمانية نواب عام ١٩٦٨.

 

استلم الشيخ سامي الجميّل الحزب سنة ٢٠١٥ وكان الأصغر سناً من ضمن الرؤساء السبعة الذين تولّوا رئاسة الحزب فمساره يدعو إلى التساؤل حول أوجه الشبه بينه وبين رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي أصبح زعيم المعارضة بعد انتخابه زعيماً لحزب العمال في عام ١٩٩٤، وقد كان الحزب خارج الحكومة منذ العام ١٩٧٩، حيث استطاع نقل الحزب إلى مركز السلطة وفاز بثلاث ولايات متتالية، ممّا اعتُبر أكثر الزعامات العمالية بقاء في منصب رئاسة الوزراء، والثاني بعد رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر وقدم استقالته عام ٢٠٠٧ بسبب المعارضة الشديدة لتأييده للولايات المتحدة الأميركية في حربها بالعراق وكوسوفو.

 

انتُخب الشيخ سامي رئيساً لحزب الكتائب سنة ٢٠١٥ لأربع سنوات، وأُعيد انتخابه عام ٢٠١٩. وفي عهده شارك في انتخابات ٢٠١٨ التي أُجريت على أساس القانون النسبي والصوت التفضيلي، ففازت الكتائب بثلاثة مقاعد نيابية لمرشّحيها: رئيس الحزب الشيخ سامي الجميّل، الياس حنكش والشيخ نديم الجميّل.

 

أربع سنوات مضت والاستحقاق الانتخابي اقترب. ولم يرِيد الحزب أن يتحالف مع أحزاب السلطة كما سبق له أن تحالف في ثلاث دوائر مع حزب القوات في الشمال الدائرة الثالثة وبيروت الأولى وزحلة، بل اختار هذه المرّة استراتيجية واضحة غير قائمة على التحالف مع أحزاب السلطة إنما مع المستقلّين والثوّار ومع "الذي يشبهنا"؛ لا تحالف عاطفي مع أحد أو من أجل أحد. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الاستراتيجية ليست بسهلة حيث أنها أثارت امتعاضاً واعتراضاً من بعض المحازبين كما المناصرين. فكل المحاولات لتعديل الاستراتيجية باءت بالفشل. وإنّ "محدلة" رئيس الحزب تتقدم بسرعة السلحفاة بخطى بطيئة إنما ثابتة وقوية؛ فقد صوّب معركته الحقيقية نحو انتخابات عام ٢٠٢٦.

 

ان جائحة كورونا والعوامل الجيوسياسية، اخرت رئيس الحزب في استعادة  دوره على كافة مساحة الوطن بالرغم من عمله  ليلاً نهاراً بلا كلل ولا ملل، لفترة السنوات الأربع الماضية من أجل تقويته وتحسين التنظيم الحزبي، فلم تأتي بالثمار المرجوّة، حيث حاول جاهداً الاتصال بالجميع من الرعيل الأول إلى العنصر الشاب ليقوّي التنظيم الحزبي، وعّين أميناً عاماً للحزب، ألا وهو الشهيد نزار نجاريان الذي كان قيمة مضافة للحزب، أميناً وأخاً وأباً، كان يملك رؤية استطاع أن يفعّل جميع القطاعات الحزبية ويعيد تفعيلها وتحديثها لتصل الكتائب الى ٢٠٢٢ وهي تتمتّع بقاعدة شعبية وحزبية قوية فتستعيد موقعها الريادي. لكن للأسف، خطف انفجار ٤ أب ٢٠٢٠ "الأمين الأمين نازو" من حزب الكتائب وأخذ معه المشروع والوهرة الحزبية. ولقد حاول الخلف متابعة المسيرة لكن الفترة الانتقالية كانت قصيرة بقدر ما كانت الفاجعة كبيرة.

 

الجميع يسأل: "على كم مقعد نيابي ستحصل الكتائب؟"

الجواب واحد: منذ عهد المؤسّس الى عهد الرئيس الحالي لم نركض يوماً وراء منصب أو مقعد وزاري أو نيابي. لقد رشّح الحزب خمسة محازبين وتحالف مع الذين يعتبرون لبنان وطناً نهائياً للبنانيين ورسالةً لجميع الأديان، وهو يخوض الانتخابات بشكل علمي ومشروع إنمائي: يخوض معركة ألف ميل.

لم يستطع أن يكون رئيس المعارضة بل رأس حرب المعارضة.

لن يستطيع أن يكون الحزب الأكبر من حيث عدد النواب إنما الأكثر شعبيّةً.

لم يستطيع أن يوحّد المعارضة بل هو الصوت المعارض، صوته فضح الفاسد والفساد.

 

"إنّ غداً لناظره قريب"، والكتلة النيابية المعارضة لنهج ولاية الفقيه، والتي سوف تتشكّل خلال هذه الانتخابات، لديها أربع سنوات لكي تستردّ قرار الدولة.