المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
الأربعاء 21 آب 2024 07:56:53
كلما تفجرت "جولة" جديدة من جولات الكارثة المقيمة الدائمة المتجسدة بأزمة الكهرباء في لبنان تشهد البلاد "اجتراراً" للغة ونبرة خشبية تتكرر على مسامع الناس لأيام ثم تطوى الصفحة وتمضي الكارثة الى الأسوأ بلا رفة جفن. لا تقدّم إحالة رئاسة الحكومة الواقعة الأخيرة في التسبب بالعتمة الشاملة والانقطاع التام للتيار الكهربائي على التفتيش المركزي ولا تؤخر شيئاً، ليس لأنه سيكون لدى مؤسسة كهرباء لبنان كما لدى وزارة الطاقة كما لدى وزارة المال كما لدى الحكومة كلاً ما يكفي من أسانيد المبررات لتبرئة حالها وغسل يديها فقط بل لأن ما راكم أكبر وأشد الكوارث الخدماتية الأساسية في لبنان وجعلها مزراباً "تاريخياً" لأكبر مديونية في العالم احتلها لبنان لن تقف الآن عند "مجرد" جولة إضافية تشبه الهزة الارتدادية المتأتية من زلزال ضخم.
ولعل المضحك الأشد إثارة للإضحاك في المعترك الكهربائي أن البلاد برمّتها "حسدت" عناصر "المقاومة" الذين شوهدوا في فيديو الأنفاق المشعشعة تحت الأرض أو في باطن الجبال لأنها مضاءة ومنورة فيما مناطق المواجهات في الجنوب ومثلها كل المناطق ترزح تحت نير المافيات المكهربة وتهالك الدولة الغائبة عن كل الخدمات ولا من يدري كم نسبة الذين بعد يملكون "ترف" الاشتراك اللعين في خدمات مافيات أصحاب المولدات أو اللجوء المكلف الى الطاقة الشمسية البديلة.
مفاد الكلام أن التعمية الشاملة في كارثة الكهرباء صارت نمطاً تطبّع معه اللبنانيون بأسوأ ما يكون التطبّع القسري الأشبه بتمدد خبيث بارد قاتل للسرطان في الجسم. من غير الجائز لا قبل ولا بعد أي جولة جديدة من جولات هذه الكارثة المتدحرجة ألا يعاد توصيف الأزمة بأوصافها الحقيقية الصرفة وترك الأمور تذهب تباعاً نحو مراكمة المديونية التي تتراصف فيها عشرات المليارات من الدولارات وراء العشرات تباعاً وتحصد بقايا البقايا من الخزينة في البلد الذي يحتل المرتبة الأولى من الإفلاس والانهيار والعجز والمديونية منذ سنوات على قائمة الدول المنهارة والمفلسة والفاشلة. الكهرباء هي أزمة انفجار الفساد السياسي والتبعية القاتلة للزبائنية الفاسدة والمجسد الأشد بشاعة لفشل الإدارة السياسة لمرافق لبنان الحيوية بلا أي رتوش.
الكهرباء هي التبعة القاتلة على الجهة السياسية الحزبية المهيمنة على القطاع منذ أكثر من 15 سنة قطعاً أي التيار الوطني الحر تحديداً في المقام الأول ولكن أيضاً في المقام الثاني على كل القوى التي كانت شريكة له في الإدارة الحكومية والسياسية والإدارية، موالية كانت للسلطات أو معارضة. الكهرباء هي الشهادة الأسوأ لمآل سلطة أودت بالبلاد الى الانهيار التاريخي ودمار الاقتصاد وتحكم المافيات بل العصابات بالرقاب والناس والفقراء بلا أي رادع أو وازع أو رقابة أو مساءلة وترك المواطن الأعزل في مواجهة وحوش بكل معايير النهش اليومي.
الكهرباء هي فضيحة لبنان الأولى والأكبر والأكثر استدامة لأنه لا قضاء مستقلاً في لبنان ولا شرفاء شجعان في الإدارة يخرجون على الناس ويطلقون الحقائق العارية ويكشفون ما صار يعرفه الجميع من إثراء حرام وفساد فاحش في كل القطاعات لا في الكهرباء وحدها.
الكهرباء هي التجسيد لكل القطاعات العامة أو الخليطة بين العام والخاص التي صارت الدول الأخطر التي تخوض حروباً أهلية أفضل من لبنان في إدارتها. إذا شئتم توصيفاً لجولات انقطاع التيار الكهربائي 24 على 24 ساعة على مدى 365 يوماً في السنة، فها هي المعايير الفجة بلا رتوش لأنها رأس حربة الانهيار فقط!