المصدر: الشرق الأوسط
الجمعة 10 أيلول 2021 08:38:41
هي ظاهرة بدأت تنتشر منذ نحو شهر في لبنان، ألا وهي تركيب نظام الطاقة الشمسية لتأمين التيار الكهربائي. ففي ظل انقطاع الكهرباء في لبنان وعدم توفر مادة الفيول لمعامل توليدها، يعيش معظم اللبنانيين وفي مختلف المناطق عتمة قاتلة. هذه المشكلة دفعت بالمواطنين إلى البحث عن حل. فوجدوه عند الشركات التي تقدم خدمة الطاقة الشمسية البديلة. فهذه الأنظمة توفر لمستخدمها نحو 65 في المائة من مصروف الكهرباء اليومي للمنزل. وهو ما يعادل نحو 16 ساعة يوميا، يستطيع خلالها المستخدم التمتع بالكهرباء. وتستمد هذه الألواح (بانيلز) التي يتم تركيبها عادة على أسطح البيوت والعمارات طاقتها الكهربائية من أشعة الشمس مباشرة. وتكون مرتبطة ارتباطا مباشرا بعدد من البطاريات الخاصة التي تخزن الطاقة بدورها، ليتم استخدامها بعد مغيب الشمس. وبذلك يجري تخزين الكهرباء بنسبة الثلثين للمنزل والثلث الآخر للبطاريات. وهذه الأخيرة هي مخصصة لاسكتمال دورة توليد الكهرباء، ولا صلة لها بتلك التي تستعمل للسيارات. أما قوة كل واحدة منها فتبلغ 200 أمبير ويبلغ سعرها 340 دولاراً.
وإذا ما حلقت اليوم فوق مدينة بيروت ومناطق لبنانية أخرى كجبيل وصور وإهدن وطرابلس وصور وغيرها، فإنك ستلاحظ وجوداً كثيفاً لهذه الأنظمة على الأسطح.
فورشات العمل منتشرة بشكل لافت، وبحسب المهندس جهاد عبيد الذي يعمل في هذا المجال، فإن تهافت اللبنانيين على هذه الخدمة يفوق جميع التقديرات، بحيث زادت أعمال الشركات التي تؤمنها بنسبة مائة في المائة. ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «شهدنا منذ نحو 10 سنوات تقريبا تهافت اللبنانيين على تأمين مصدر للطاقة الكهربائية تمثل في استخدام أجهزة الـ«يو بي إس». أما اليوم فالأمر اختلف تماما وتتوجه شريحة من اللبنانيين إلى نظام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لأن ساعات التقنين زادت عن نسبتها المعتادة».
ويشير المهندس عبيد إلى أن تقاعس الدولة اللبنانية تجاه مواطنيها وعدم توفيرها لهم وسائل بديلة لتوليد الطاقة، أسهم في لجوئهم إلى حلول فردية. ويوضح في سياق حديثه: «لقد تلقى لبنان في فترة سابقة مبلغ 500 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لتأمين الطاقة البديلة. إلا أن المبلغ ذهب مع الريح كغيره من الهبات المقدمة للبنان. اليوم يحاول اللبناني تأمين الطاقة البديلة مهما كلفه الأمر. ومع هذه الأنظمة يستطيع تجاوز الأزمة رغم أن معدل تكلفة تأمين 10 أمبير تبلغ نحو 5 ألاف دولار».
ولكن من هم اللبنانيون الذين يستطيعون تأمين هذه المبالغ في ظل أزمة اقتصادية حادة يعيشونها، وخصوصا أن الشركات تطالبهم بدفع المبلغ بالعملة الصعبة.
يرد المهندس جهاد: «هم اللبنانيون الذين سحبوا قسماً من أموالهم من المصارف في بداية الأزمة، واحتفظوا فيها في بيوتهم لوقت الحاجة. وكذلك الأشخاص الذين لديهم أبناء أو أقرباء في الخارج يستطيعون مساعدتهم».
وتقول جاكلين عبد الله من بلدة إهدن لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتردد ولا للحظة في القيام بهذه الخطوة رغم تكلفتها المرتفعة. خاطرت مع أن بلدة إهدن يلفها الضباب في كثير من أيام الصيف. ولكن النتيجة كانت رائعة ونصحت كثيرين من أصدقائي باتباعها في ظل التقنين للتيار القاسي الذي نعيشه. نشعر جميعا في المنزل براحة كبيرة، فقد ارتحنا من اشتراكات المولدات، ومن الظلمة المفروضة علينا».
في السنوات الماضية تهافت اللبنانيون على تركيب نظام الطاقة الشمسية الخاص بتسخين المياه. وحاليا هناك الآلاف من اللبنانيين الذين يتمتعون بهذه الخدمة في المدن والجبال معا. ولكن هل لنظام تسخين المياه علاقة بتوليد الطاقة؟ يوضح الخبير في مجال تركيب هذه الأنظمة منذ أكثر من ثلاثين عاما وليد المواس لـ«الشرق الأوسط»: «لا علاقة بتاتا لنظام تسخين المياه بالطاقة الخاصة بتوليد الكهرباء. فالأولى تعمل بواسطة أشعة الشمس من دون بطاريات. فتمتص أنابيب المياه الحرارة بواسطة نظام الطاقة هذا. أما في النظام الثاني فإن العملية تختلف تماما لأنه يتم تخزين الطاقة بواسطة البطاريات لاستخدامها عند المساء». ويؤكد وليد المواس أن مستخدم طاقة توليد الكهرباء يستطيع أن يتحكم في مصروفه عند غياب الشمس، من خلال التخفيف من استعمال الطاقة الكهربائية المؤمنة عنده. وهو بالتالي يستطيع تقييم مصروفه وتعديله حسب الطقس السائد في منطقته. ولكن معدل تأمين الكهرباء في فصل الشتاء ينخفض إلى النصف أحيانا. وهو ما يمكن أن يستكشفه المستخدم من لوحة خاصة تثبت في منزله وتحدد هذا المصروف والطاقة المخزنة عنده. أما في أيام الصيف فيستطيع المستخدم التمتع بنحو 8 ساعات من الكهرباء بعد غياب الشمس. ومن يرغب في تأمين ساعات أطول للطاقة فما عليه سوى زيادة عدد اللوحات التي تمتص أشعة الشمس وهذا يقابله تكلفة مرتفعة». أما قوة الـ10 أمبير فمن شأنها أن تضيء المنزل، وتشغل الثلاجة وماكينة الغسيل أو مكيف غرفة واحدة، وذلك خلال النهار.
ويقول سليم صاحب عمارة في الأشرفية لـ«الشرق الأوسط»: «أتلقى يوميا عروضاً من شركات تؤمن هذه الخدمة، ولكني لم أتشجع لأنها تولد الكثير من المشاكل بين سكان العمارة الواحدة. فهذه اللوحات تحتل مساحة كبيرة لتثبيتها وهو ما يحصر عدد المستفيدين إلى اثنين أو ثلاثة من سكان العمارة الواحدة. وكوني صاحب العمارة أصدرت قرارا يمنع تركيب هذا النظام، تفاديا لأي مشاكل بين السكان في المستقبل».
ويوضح المهندس جهاد عبيد في هذا الصدد: «لا شك أن الموضوع يمكن أن يولد حساسيات. فسطح البناية هو من الأقسام المشتركة ما يعني أن جميع سكانها مخولون الاستفادة منه. فمن الضروري أن يجري استئذان بقية السكان للقيام بهذا المشروع. ونشهد اليوم مشكلات كثيرة في هذا الصدد، بسبب خروج البعض عن هذا البروتوكول. أما في الأرياف فالمساحات أوسع، والأهم هو أن يتم تركيب هذه الأنظمة بعيدا عن إمكانية تعرضها إلى الظل».