اللبنانيّون يستعدّون لشهر الصيام "بالموجود".

يدق شهر رمضان أبواب الصائمين في لبنان هذه السنة وهم في أقسى حال، قلّة تحاصرهم وغلاء فاحش يضاعف من مقاساتهم، والأزمات المتواليات اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا تثقل كواهلهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وسط انكفاء المسؤولين عن إيجاد الحلول البناءة لتقليص حجم المعاناة.

وما زاد الطين بلة هو دولرة السلع الغذائية في "السوبرماركات" والمحال، ما مهّد الطريق امام تفشي الاقتصاد الأسود، والارتفاع انسحب على كافة القطاعات في ظل غياب المراقبين والجهات المختصة، فبعد ان كانوا بالأمس ينادون بحماية المواطن، اليوم لا حس او خبر منهم.

الصبر صبران!

الإحباط يقابله جلَد وحزم من اللبنانيين، الذين لا يعلمون كيف سيتحضّرون للشهر الكريم بأوضاع متهاوية وجيوب فارغة. تقول السيدة سلام لـ "الديار": "مع تجاوز الدولار الواحد 5 اصفار العملة اللبنانية سأكتفي بالمونة التقليدية التي نحضرها موسميا، وسأعتمد على العدس والبرغل والمقدد الى جانب أنواع من الحشائش البرية، التي تنمو في مثل هذا الوقت من السنة مع دخول فصل الربيع، مثل الحميضة والزعتر البري والروكا".

وتؤكد سلام "ان هذا الشهر سيمرّ بهدوء ولن يشعر المؤمن بالجوع، هو فقط يشمئز من هذه الطبقة السياسية التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من فقر ومهانة، والابشع انهم يمارسون حياتهم وكأن شيئا لم يكن".

"شراء مونة لرمضان أصبح من الماضي بسبب الأسعار المرتفعة"، بحسب السيدة لطيفة التي تقول: "لا يمكنني حفظ كميات من اللحوم والدجاج والخضر والاجبان والالبان، ليس فقط بسبب دولرتها وارتفاع ثمنها، وانما أيضا لعدم توافر الكهرباء ولو الطقس ما زال باردا، فبعض الأصناف تحتاج الى التبريد بدرجة عالية، وبالتالي إذا فسدت لن اتمكن من شراء غيرها".

الموائد بما تيسّر!

ليس من باب الصدفة ان تصوم جميع الطوائف في آن معا، ويتشارك الصائمون العبادات كما الظروف القاسية والغلاء الفاحش، بل لحكمة جوهرها التعاضد والتكاتف ضد هذا الواقع ومن اوصلهم اليه.

اقل إفطار تكلفته تبدأ من مليوني ليرة وصعودا، تقول السيدة خولة، وهي ربة منزل وام لـ 5 اولاد، "فالمشكلة ان الأسعار لن تقف عند هذا الحد، وبالتالي ستكون متحركة فعلى سبيل المثال: علبة التمر الصغيرة بـ 4 دولار، في حين ان غالون الجلاب متوسط الحجم سعره حواليى نصف مليون ليرة، وهذه الأمور كانت من البديهيات التي تقوم عليها "سفرة" رمضان، واعتقد ان عائلات كثيرة ستستبدل هاتين المادتين بعناصر أخرى ميسرة في المنزل، وقد يفطر البعض على الماء فقط والطبق الرئيسي، وان توافر مشروب قمر الدين".

اما عن الاطباق الغنية بالبروتين الحيواني من لحوم ودجاج فتقول خولة: "ان عائلات تهيئ بديلا، مثل كبة اللقطين والبطاطا عوضا عن اللحمة الى جانب طبق الفتوش، الذي سيكون مقتصدا بالعناصر هذه السنة. فبعد ان أصبحت تكلفة الطبق لعائلة مؤلفة من 5 افراد حوالى مليوني ليرة، نتيجة تنوع العناصر التي يحتوي عليها هذا الطبق، سنكتفي بالمواد الأساسية وهي الخس، البندورة، الخيار والنعناع"، واشارت الى "انه في السابق كان طبق الفتوش يجهّز بإضافة أكثر من 15 صنفا، بحيث يستعمل الملفوف الأحمر والابيض والروكا والزعتر والشمندر والبصل الأخضر والجزر، الى جانب البندورة والخيار والخس بصنفيه العربي والافرنجي".

اضافت : "اليوم نحاول ان نيسّر الأمور على قاعدة "من الموجود جود"، ولو أردنا إضافة كل هذه الأنواع الى "جاط" الفتوش فالتكلفة لن تقل عن الـ 6 ملايين ليرة لبنانية"، وقالت: "هذا ليس كل شيء، فاللبناني في وضع لا يحسد عليه حتى من ألد اعدائه، فأسعار الخضر نار، والمواد الغذائية بالدولار، وماذا عن الاحتياجات الأخرى من الغاز والزيت الى جانب بهارات الأطعمة، والتي باتت أسعارها تفوق ميزانية شهر كامل"، وتشير الى "ان سعر فص الثوم الرأس الواحد بـ 40 الف ليرة".

وتتابع: "نحن في الأصل نصوم منذ أكثر من 3 سنوات نتيجة الغلاء الفاحش والاستغلال المستشري من قبل التجار بهدف الربح اضعافا". ولفتت الى ان " هذه الأوضاع قتلت الفرحة في قلوبنا وقلوب أطفالنا، فقد كان رمضان يضج بـ "السُّفَر المتنوعة التي تستقطب كل الاطياف الطائفية والحزبية والسياسية، واليوم نحاول ان نعتمد على المؤن والاعشاب التي تظهر في السهول والحقول".

اهم ركائز المائدة

في هذا السياق، تقول اختصاصية التغذية جاكي قصابيان لـ "الديار"، ان البروتين هو اهم الدعائم الغذائية، ويمكن ان نحصل عليه من النشويات والدهون، ويحتاج كل فرد الى هذه العناصر لإفطار متوازن". واشارت الى بعض الدراسات العلمية التي تؤكد "ان تناول البروتين يساعد في تقوية جهاز المناعة، وهو ما يحتاج اليه الصائم كثيرا خلال فترة رمضان او الصوم، لأنه غالبا ما يتناول الأطعمة ذات القيمة الغذائية المنخفضة التي ترهق جهاز المناعة. لذا على الصائم ان يجعل البروتين أساسيا في وجبة الإفطار وحتى السحور".

واكدت ان " البروتين النباتي غني بمضادات الاكسدة التي تسهم في منع أو ابطاء تطور العديد من الامراض المستعصية، والبروتينات النباتية تساعد في انخفاض الالتهاب في الجسم ونقص السموم. اما بالعودة الى الفرق ما بين البروتين الحيواني والنباتي في بناء العضلات، فكلاهما يزودان الجسم بالأحماض الامينية والاختلاف يكمن بشكل رئيسي في تنوع مصادر البروتين في المواد الغذائية".

هكذا تحصلون على البروتين النباتي

ونصحت قصابيان الصائمين " بالاعتماد على الامينو اسيد الأساسي لأجسامنا من خلال مصدر غير حيواني، لكنه غير كافٍ، ولكن من خلال التنويع في الموائد من الممكن ان نؤمن حاجة الجسم الأساسية". واشارت الى انه "يمكن الحصول عليه من الحمص والفول والخبز العربي المصنوع من القمح الكامل والأرز والفاصوليا والشعير والعدس، وإذا توافرت بذور الشيّا وفول الصويا والكينوا الى جانب المكسرات". كما نصحت العائلات التي تعتمد في وجباتها على النمط النباتي في هذا الشهر " بضرورة الانتباه الى  نقص الزنك، وفيتامين " ب" 12 والكالسيوم وفيتامين "د" والحديد، كون الجسم يمتصه من البروتين الحيواني أسرع".

وختمت قصابيان: "من المهم ان يحاول الصائم "التشكيل" في الاطباق، بسبب غياب أصناف كثيرة جراء الواقع الاقتصادي الصعب وافتقار الموائد الى اللحوم الحمراء والدجاج والاسماك، الى جانب أنواع من الخضر كالسلق والسبانخ واللوبياء الخضراء وغيرها".