"اللجوء" السوري المستجد: تدفق منظّم وتواطؤ متبادل

يتصدر ملف اللجوء السوري إلى لبنان كل الملفات المطروحة. حتى يكاد يتفوق على استحقاق الانتخابات الرئاسية والأزمات المالية والاقتصادية. يصل البعض في لبنان إلى حدّ تحميل مسؤولية الانهيار إلى اللاجئين.

فشل التطبيع
لا شك أن هناك أزمة حقيقية يواجهها لبنان، لكنها قبل الوصول إليه هي أصلاً تعصف بسوريا، اجتماعياً وديمغرافياً، بعد كل ما عصف بها سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
منذ فترة ويشهد لبنان تدفقات كبيرة للاجئين من سوريا إلى أراضيه. وهذه الموجات الحاصلة، جاءت بعد "إطلاق" مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري من قبل الدول العربية. وفيما كان بند إعادة اللاجئين بنداً أول في دفتر شروط تطبيع العلاقات، لم تقدم دمشق أي تسهيلات تتصل بمعالجة جدية لهذا الملف. وبعدما كان الأردن أبرز المتحمسين لذلك، لم يجد آذاناً سورية صاغية. إذ اشترط رئيس النظام السوري بشار الأسد أن يتم رفع العقوبات وتقديم مساعدات مالية، بذريعة إعادة الإعمار لإعادة اللاجئين. فشل المسار الأردني، كما فشل ما كان قد اتفق عليه في سبيل وقف تهريب المخدرات.

عملية منظمة؟
في موازاة هذا التعثر، تزايدت نسبة اللجوء باتجاه لبنان. ويتخذ الجيش اللبناني الإجراءات التي يتمكن من اتخاذها، إلا أن الأمر يبقى في غاية الصعوبة لضبط الحدود ككل، ما لم يقدم النظام السوري على إجراءات مماثلة. وهذا ما لا يقدم عليه النظام.

في تعداد الأسباب التي تدفع اللاجئين إلى التدفق بكميات كبيرة إلى لبنان، يمكن الركون إلى الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب جداً في سوريا. وبالتالي، فالناس بحاجة للجوء إلى أي مكان آخر. ومن بين الأسباب الأخرى هناك من يشير إلى تسهيل النظام عمليات اللجوء. وكأن ما يجري هو عبارة عن عملية منظمة غايتها الضغط على لبنان وعلى المجتمع الدولي من خلاله، لا سيما أن أصداء لبنانية تتفاعل سريعاً في الإشارة إلى ضرورة ضبط حركة الهجرة غير الشرعية عبر البحر باتجاه أوروبا.

ابتزاز مشترك 
ما يجري يقود إلى خلق حالة لبنانية ضد اللاجئين، مبنية على مداهمات واكتشاف أسلحة لديهم وفي بعض المخيمات. وهذا سيحيل النقاش إلى الحاجة لطرف قادر على ضبط هذا اللجوء، وربما مطالبة لحزب الله بإعادة نشر قواته على طول الحدود اللبنانية السورية للحدّ من عمليات اللجوء، وللحفاظ على الواقع اللبناني الداخلي، وحمايته ديمغرافياً.

وزيادة منسوب الضغط على اللاجئين في لبنان ستكون نتيجته واحدة، وهي إعادة دفعهم إلى للجوء الى النظام السوري طلباً للحماية، ضمن إطار متخيل. فيما أحد الأهداف الأخرى هو استخدام هذا الملف في إطار الضغط على المجتمع الدولي، وتحديداً الأوروبيين والأميركيين. وهنا يكمن ابتزاز مشترك، لبناني سوري. عدم التعاطي بجدية مع هذا الملف وتركه معلقاً، من شأنه أيضاً أن ينتج حالة استعداء لبنانية للاجئين ولأي بيئة حاضنة لهم، بالإضافة إلى إنتاج حالة عدائية تجاههم في كل المناطق ولدى كل الطوائف، التي ستشعر أنها مهددة إما ديمغرافياً وإما معيشياً أو على صعيد فرص العمل أو التربية والتعليم أو الصحة أو البنى التحتية. وهذا ما سيخلق فرزاً جديداً، يمكن لحزب الله أن يتصدره على قاعدة الحاجة إليه لحماية الواقع اللبناني.

أبواب مشرعة
ثمة من يقول إن ترك لبنان مشرعاً أمام وقائع سورية بفعل تدفق اللاجئين بكثرة، غايته رفع منسوب الضغط على الداخل اللبناني حصراً، طالما أن لا موجات لجوء تتدفق إلى الأردن أو تركيا، لا سيما أن بعض المعلومات تشير إلى وجود أعداد كبيرة تدخل إلى لبنان من شرق سوريا، علماً أن العراق أقرب إليهم من لبنان، وعملية الانتقال تحتاج إلى المرور في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة وأخرى خاضعة لسيطرة النظام. ما يعني أن ذلك لا يمكنه أن يحصل من دون غض نظر من قبل النظام السوري، وهو ما يدرج هذا التطور في خانة استدراج اهتمام خارجي، كردّ على سياسة إدارة الظهر التي يمارسها المجتمع الدولي تجاه لبنان وسوريا معاً.

مع الابتعاد عن نظرية المؤامرة، فإن الوضع الذي يقيم فيه لبنان، أي انعدام وجود دولة ومؤسسات، وعدم توفر مقومات الاستقرار السياسي، يُبقي لبنان بلداً مشرعة أبوابه امام المزيد من التدفقات.