المجالس البلدية ومختار المخاتير إلى منازلهم في 31 أيار...انتخابات في موعدها أو اضمحلال مرجعية الشعب!

بين التأجيل "المبرم" حتى الساعة والمطالبة الرسمية والسياسية لدى بعض الأفرقاء بإجرائها، تتأرجح ماكينة الإنتخابات البلدية والإختيارية التي تنتهي مدة ولايتها في 31 أيارالمقبل. فعلى خط بلديات العاصمتين بيروت وطرابلس يبدو أن العجلة تدور بشكلها الطبيعي وكأن الإنتخابات حاصلة غداً. أما داخل مناطق الثنائي الشيعي والبلديات التي يميل "هواها" السياسي والخدماتي إلى الفريق السياسي الممانع، فالواضح أن عقارب الساعة تدور إلى الوراء أو مجمّدة في انتظار دخول المهلة القانونية وعودة أعضاء المجالس البلدية ورؤسائها إلى بيوتهم.

وبين أسباب تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية العام الماضي وما يحكى عن أسباب ظاهرية وضمنية هذه السنة لا مجال للمقاربة. ففي 4 آذار 2022 اقترحت الحكومة تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية عاما واحدا، وذلك بسبب عدم الجهوزية المادية والبشرية ولتزامنها مع الإنتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار أي قبل 16 يوما من موعد إجراء الإنتخابات البلدية . وبعد إحالة الإقتراح من قبل الحكومة على مجلس النواب صدر قانون التأجيل على أن تجرى في 31 أيار 2023 كما جاء في اقتراح الحكومة. 

ومع دخول البلاد المهلة القانونية، برزت العوائق المادية وبات مصير الإنتخابات البلدية على المحك. فمن الناحية المادية تبين أن كلفة الإنتخابات التي تقدر ب9 ملايين دولار تفوق قدرة الحكومة على تأمينه، إلا في حال الإستعانة بالمجتمع الدولي وهيئاته الدولية. هذا ولم نتطرق بعد إلى المهلة الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة المفترض أن تتم قبل شهرين من تاريخ انتهاء ولاية المجالس البلدية والإختيارية في 31 أيار.

وفي ظل عجز وزارة الداخلية على المستوى اللوجستي، أتت دعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إجراء الإنتخابات التزاما بالمهل الدستورية ولرفع المسؤولية عن كاهل وزارته. وبالتالي، باتت الكرة الآن في ملعب القوى السياسية، التي عليها إما تأمين الاعتمادات المالية والذهاب إلى الانتخابات، أو عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب لإصدار قانون التمديد للمجالس البلدية.  

وبغياب المحافظين وأيضاً التمويل وعدم حضور الموظفين أعلن مولوي في المؤتمر الصحافي الذي عقده مطلع الشهر الجاري جهوزية وزارته للانتخابات، مع تحديد المواعيد التي  ستبدأ من الشمال في 7 أيار المقبل، و جبل لبنان في 14 منه، وبيروت والبقاع في 21 منه و الجنوب في 28 من الشهر نفسه. وسيصار إلى نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة تباعاً في الجريدة الرسمية.

مسألة التمويل ليست تفصيلا كما يلمّح البعض، وكذلك تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية للمرة الثانية فماذا لو لم تترجم النوايا إلى أفعال، وكيف سيتم التعاطي على أرض الواقع قانونيا؟ 

رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر يؤكد لـ"المركزية" أن أي تمديد لولاية المجالس البلدية والإختيارية يفترض عقد جلسة نيابية لإصدار قانون تأجيلها، إذ بحلول الأجل الذي انتخبوا على أساسه من قبل الشعب اللبناني، أي إبتداء من ليل 31 أيار المقبل يصبح رؤساء المجالس البلدية والأعضاء وكذلك المخاتير أو من تبقى منهم في بيوتهم. وفي حال عدم صدور قانون التأجيل يتسلم القائممقامون البلديات بكل مهامها كما يحصل في العادة غداة حلّ أي مجلس بلدي". ويرجح القاضي صادر تطبيق هذه القاعدة في حال "تلكأ المجلس النيابي عن القيام بواجباته لجهة إصدار قانون تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية".

ورداً على مقولة استحالة انعقاد مجلس النواب التزاما بالمواد 49 و74 و75 من الدستور، التي تنص صراحة على أنه عند خلو سدة الرئاسة يضحى المجلس النيابي هيئة إنتخابية ملتئمة بشكل دائم، منعقدة وقائمة حكما وبحكم القانون، حصرا من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية، يوضح القاضي صادر أن هناك ما يسمى ب"تشريع الضرورة التي اقرها مجلس النواب خلال فترة الفراغ التي سبقت انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، واستمرت حوالى العامين والنصف. وعلى رغم عدم دستورية وقانونية هذا التشريع إلا أنه كانت تعقد جلسات على أساسه وتصدر قوانين وإن كانت مخالفة للمواد 73 و 74 و 75 معطوفين على المادة 49 في الدستور.

إذا تشريع الضرورة لتمديد عمل البلديات وارد وإلا يتسلم مهامها القائممقام. وهنا المشكلة الكبرى يقول صادر" فالقائمقام مُعيّن في حين أن المجلس البلدي ورئيسه منتخبون من الشعب .وفي حال انتزاع هذه الصلاحية من المجالس البلدية مع انتهاء الولاية دستوريا، وفي حال عدم التمديد لها، فهذا يعني انتزاع كل ما يمت للمرجعية بصلة  إلى الشعب. أكثر من ذلك، إذا كانت مهام النطاق البلدي تتوزع على رئيس بلدية و12 عضوا كحد أدنى فهل سيتمكن القائممقام وحده من إدارة شؤون أكثر من 100 بلدية؟ ضمن نطاق بلدي واحد؟". 

نصل إلى المهام الإختيارية "وهنا المصيبة الكبرى" بحسب القاضي صادر الذي يوضح بأن "المختار منتخب من الشعب ولا يحق لأحد تسلم مهامه إلاّ المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات. وهذا يعني أن تصديق صورة أو الحصول على إفادة سكن أو تسجيل ولادة أو وفاة تتطلب من المواطنين التوجه نحو المديرية العامة للأحوال الشخصية...وفهمكم كفاية عن التأخير والتعطيل".

أن يكون المعنيون والمسؤولون عن تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية عارفون بالنتائج فهذه مصيبة، وأن يكونوا غافلين عنها فالمصيبة أكبر. لكن من كل ما يتحضّر له يتبين "أنهم واعون لهذه التداعيات الكارثية ويتعمّدون هدم كل القطاعات والمؤسسات لإعادة تشييد الصروح على قياس الدولة التي يريدون، وبذلك يتحقق مشروع اضمحلال الدولة القائمة منذ حوالى القرن " يختم القاضي صادر.