المصدر: المدن
الكاتب: مايز عبيد
الأحد 16 تشرين الثاني 2025 15:02:32
في قلب السهل العكّاري، حيث يمتزج عبق التراب بعرق المزارعين، يئنّ المزارع كما تئنّ الأرض وجعاً. هنا، تواجه الأراضي الزراعية أزمة بيئية خطيرة تهدد المحاصيل وصحة السكان جرّاء المياه الملوثة بالصرف الصحي، حيث تسقى المزروعات في سهل يعتبر من أهم المناطق الزراعية في شمال لبنان. أما الروائح الكريهة فتعبق في أجواء قرى السمونية والجوار، ناهيك عما تخلّفه المياه المبتذلة من أنواع متعددة من الحشرات.
تلوث مصادر المياه
قرية السمونية تعدّ من القرى التي يعتمد أهلها وسكانها على المواسم الزراعية بالكامل، وهي شبيهة بباقي قرى سهل عكار. لكن المياه التي يعتمد عليها المزارعون لري الأراضي ملوثة بالصرف الصحي. فمصدر المياه هو نهر الأسطوان الذي يعاني من تلوث كبير، حيث يلقي عددٌ من البلدات في منطقتي الأسطوان والشفت، مثل حلبا ومنيارة وغيرها مياه المجارير والصرف الصحي مباشرة في النهر. هذا فضلاً عن تحويل العديد من المنازل في بعض القرى الصرف الصحي إلى السهل نفسه أو في السواقي التي تجرّ مياه الريّ. والسبب يعود إلى عدم وجود شبكات صرف صحي ومحطات التكرير. علماً أنّ التلوّث لم يعد يقتصر على الأراضي، بل امتد ليشمل الآبار الجوفية التي يعتمد عليها قسم من الأهالي لمياه الشرب والزراعة، ما يضاعف المخاطر الصحية والبيئية.
المزارعون بين فكي كمّاشة
المزارعون في المنطقة يجدون أنفسهم بين فكي كماشة. فمن ناحية، المياه التي يروون بها أراضيهم غير صالحة للاستخدام، ومن ناحية ثانية هم مجبرون على ريّ أراضيهم بها أو التوقف عن العمل وخسارة مصدر رزقهم الوحيد. ويعبر المزارعون عن قلقهم الشديد من استمرار الوضع، محذرين من تراجع الإنتاج الزراعي وتلف المواسم كليًا إذا لم تتدخل الجهات الرسمية بسرعة.
غياب صيانة المجارير وعدم توفّر شبكات للصرف الصحي ومحطات للتكرير يفاقم مشكلة المزارعين. وأكد المزارع محمد علوش لـ"المدن" أن "وزارة الزراعة أتلفت محاصيله ومحاصيل مزارعين آخرين هذه السنة لأنها تُروى بمياه آسنة". وأضاف أنه جرى وضع أحد أبنائه في السجن بحجة ري المزروعات بمياه ملوثة، رغم أن التلوث يأتي من مصادر المياه، مشدداً على أن المسؤولية لا تقع عليهم كمزارعين، بل على البلديات والوزارات المعنية.
مطالب لتحرك عاجل
ويطالب الأهالي والمزارعون بتدخل عاجل لوزارات الأشغال العامة والبيئة والزراعة والطاقة والموارد المائية والداخلية لرفع كل أشكال التعديات عن مجاري الأنهر، ولا سيما نهر الأسطوان، وإنشاء شبكات للصرف الصحي مع محطات للتكرير ووضع حلول مستدامة تضمن مياه نظيفة للريّ، وتحمي الأراضي من المزيد من التدهور، وتخفف من الكوارث البيئية والصحية المحدقة بهم وبعائلاتهم.
وصحياً يشكو أهالي المنطقة من تزايد أمراض الربو والدم، والأمراض السرطانية بين السكان. ويقول فضل الله الشيخ، من أهالي المنطقة: "ما يقضّ مضاجعنا أن هذه الأمراض وأعراضها تظهر بشكل أساسي عند الأطفال. ويؤكد الأطباء الذي يعاينون المرضى أن السبب يعود إلى تلوث المياه والمزروعات والهواء. واستمرّ الوضع على ما هو عليه سيتسبب بكارثة صحية جدّية.
سهل عكار، الذي طالما كان مصدر رزقٍ للأهالي ومحاصيله أحد أهم موارد الغذاء في المنطقة، بات اليوم مهددًا بمياه آسنة، بينما الوقت يمرّ والحلول الرسمية لم تُنفّذ بعد، تاركة المزارعين في مواجهة مباشرة مع خطر التلوث المستمر. إن ما يعيشه سهل عكار اليوم ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة إهمال يمكن تداركه متى توفرت الإرادة.