المصدر: الحرة
الخميس 15 آب 2024 17:28:50
استنادا لعدة إحصائيات وبعد انتشار سلسلة تعليقات لخبراء اقتصاديين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصدّرت قضية "الركود التضخمي" حديث الشارع في تركيا، وأثارت الجدل على نطاق واسع ما بين مرجح لحصولها ومستبعد.
وبينما كان مسؤولو الحكومة يؤكدون على نجاح السياسة والخطوات التي يتخذونها على صعيد المعدلات والنسب سرعان ما انحرفت الأنظار إلى المخاطر التي قد تعكسها تلك الحالة الاقتصادية والمآلات التي قد تنجم عنها.
فماذا يعني "الركود التضخمي"؟ وهل أصبحت تركيا على أبوابه بالفعل؟
وبدأت القصة بتوقعات للأكاديمي والخبير الاقتصادي التركي، مهفي إيلماز، حيث كتب في مدونته الخاصة إن "الإنتاج الصناعي في تركيا آخذ في الانخفاض والبطالة في ارتفاع"، مردفا: "الاقتصاد يتجه نحو الركود التضخمي".
الخبير استعرض عدة "دلائل وعلامات" وأوضح أنه بناء عليها "يمكن توقع الدخول بالركود التضخمي في الربع الثاني من عام 2024"، كما قال إن "الشكاوى المستمرة من التجار والصناعيين والتجار ليست مزعومة وتعكس الوضع الحقيقي".
وفقا لأحدث البيانات وفي حين تتزايد البطالة في تركيا يشهد الإنتاج الصناعي تقلصا.
وتشير أرقام "معهد الإحصاء التركي" إلى أن معدل البطالة في تركيا خلال شهر يونيو ارتفع بنسبة 0.7 نقطة مئوية مقارنة بالشهر السابق، ليصل إلى 9.2 بالمئة.
وفي غضون ذلك تظهر البيانات الاقتصادية التي نشرتها وسائل إعلام وأوردها الأكاديمي إيلماز انكماشا بالإنتاج الصناعي بنسبة 2.1 بالمئة على أساس شهري و4.7 بالمئة على أساس سنوي في يونيو.
وبالذهاب إلى أرقام التضخم العامة في البلاد فتوضح بيانات "معهد الإحصاء التركي" أن المعدل السنوي اعتبارا من شهر يوليو بلغ 61.78 بالمئة.
يقول الاقتصاديون حسبما يوضح إيلماز في موقع مدونته الخاصة أنه يجب أن يكون التضخم مرتفعا والنمو قريبا من الصفر للقول إن البلاد باتت على أبواب "الركود التضخمي".
وعلى الرغم من أن الجزء التضخمي من الركود يؤكد الوضع بالاستناد إلى بيانات الربع الأول من العام، فإن بيانات النمو لا تؤكد ذلك، وفق إيلماز.
ومع ذلك، يشير إلى أنه يجب انتظار البيانات التي سيكشف عنها "معهد الإحصاء التركي" في شهر سبتمبر المقبل.
لكن ومن ناحية أخرى، تظهر العديد من المؤشرات الرئيسية أن النمو اقترب من الصفر في الربع الثاني، وتشير تقديرات الخبراء إلى توقع نمو يتراوح بين صفر و0.5 بالمئة، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويوضح بالقول: "إذا كان الأمر كذلك في مرحلة لاحقة، فهذا يعني أن الاقتصاد قد دخل في حالة من الركود التضخمي منذ الربع الثاني".
ومن جهته يقول المحلل المالي التركي، محمد إيشيم في تدوينة عبر "إكس" إن "الركود التضخمي" يشير إلى الوضع الاقتصادي الذي يحدث فيه ارتفاع التضخم وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو.
ويضيف: "عادة، في الاقتصاد الذي يعاني من ارتفاع التضخم، من المتوقع أن تكون البطالة منخفضة، ولكن في حالة الركود التضخمي، تحدث هاتان الحالتان السلبيتان معا".
وفي مثل البيئة المذكورة "لا ترغب البنوك في تقديم القروض، بينما يخفض المستهلكون إنفاقهم وتتجنب الشركات خلق فرص عمل وقد تسرح أولئك الذين يعملون لديها".
وفيما يتعلق بالدولة قد لا ترغب الدولة في تنفيذ أي مشاريع للبنية التحتية، وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية، على حد تعبير إيشيم.
وبعدما فاز إردوغان بانتخابات الرئاسة في مايو 2023، عيّن فريقا اقتصاديا جديدا يقوده بشكل أساسي نائبه، جودت يلماز، ووزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك.
واتبع هذان الشخصان بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي، سياسة خالفت كل ما سار به الرئيس التركي خلال أكثر من عامين. ويقولون الآن إن هدفهم يتركز على خفض معدلات التضخم لفئة الآحاد.
وقال وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، الأربعاء،: "نحن نرى النتائج الإيجابية لبرنامجنا في تحقيق التوازن وخفض التضخم، فضلا عن آثاره السلبية على المدى القصير على سوق العمل".
وأضاف أن معدل البطالة ارتفع في يونيو الماضي إلى 9.2 بالمئة، لكنه هذا العام أقل من الخطة المتوسطة الأجل ونتوقع معدل بطالة مكون من رقم واحد.
"نحن ننفذ برنامجنا بتصميم لضمان زيادة دائمة في الرفاهية"، كما كتب وزير المالية التركي على منصة "إكس".
وأوضح أن "نوعية سوق العمل لا تقل أهمية عن الكمية. وفي هذا السياق، نركز على الإصلاحات الهيكلية التي تركز على زيادة الإنتاجية وتعزيز رأس المال البشري والتحول الرقمي".
"الركود التضخمي" هو مصطلح صيغ في سبعينيات القرن العشرين عندما كان هناك ارتفاع في التضخم وركود اقتصادي أو ارتفاع في معدلات البطالة في نفس الوقت، وفقا لقول جوناثان رايت، أستاذ الاقتصاد بجامعة جونز هوبكنز لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
وفي حين لا يوجد تعريف ثابت وقاطع للركود التضخمي، فمن المتفق عليه عموما أنه يحدث عندما يتزامن النمو الاقتصادي البطيء الصعب مع ارتفاع الأسعار، بحسب مجلة "فوربس"، التي أطلقت عليه وصف "المزيج السام" في تقرير سابق لها.
المجلة تشرح أن الاقتصاد السليم المتنامي يوفر للحكومة المزيد من الإيرادات لإنفاقها على الخدمات العامة مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والنقل.
وتردف بالقول إن "فترة الركود التضخمي خطيرة، لأن البيئة الاقتصادية الصعبة تؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية".
وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع معدلات التضخم فإن التأثير الإجمالي يفرض ضغوطا إضافية على الاقتصاد مع فقدان أموال المستهلكين لقيمتها بمرور الوقت، بحسب "فوربس".
وبدروه يعتقد الخبير الاقتصادي التركي، تولغا أيكوت عبر "إكس" أن "تركيا دخلت مرحلة الركود التضخمي في بداية الصيف"، واستند بذلك إلى "استمرار ارتفاع الأسعار وبدء تخفيض الاستهلاك بسبب انخفاض القوة الشرائية".
وأشار أيكوت إلى أن الشركات العاملة في العديد من وجهات العطلات الشهيرة حققت مبيعات أقل بكثير من توقعاتها، منذ بداية الصيف الحالي.
وأضاف أن العديد من الفنادق في منطقتي بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط إما معروضة للبيع، أو على وشك القيام بذلك، ونتيجة لهذا الوضع "ستبدأ عمليات تسريح العمال، وهو مؤشر آخر على الركود التضخمي".
وما تزال الحكومة التركية تؤكد على نجاح السياسة الاقتصادية القائمة.
وإلى جانب المؤشرات "الإيجابية" التي يستعرضها شيمشك يتبع نائب إردوغان جودت يلماز ذات المسار.
وفي آخر تصريحات قال إنهم يتوقعون أن يستمر تراجع التضخم في التسارع في النصف الثاني من العام الحالي.
وأضاف مشددا: "نهدف إلى خفض معدل التضخم إلى مستويات من رقم واحد مرة أخرى في عام 2026".
في المقابل تحدث الخبير الاقتصادي إيلمازعن تراجع في الإنتاج الصناعي، وهو ما يظهره مؤشر التغير السنوي، الذي شهد اتجاها هبوطيا في الربع الثاني.
وأشار إيلماز أيضا إلى حصول انخفاض في مؤشر حجم المبيعات التجارية، وتحدث عن حصول "تراجع في الطلب بالاقتصاد حيث ظل المؤشر سلبيا في الشهرين الأخيرين من الربع الثاني".
ولا تزال مبيعات المساكن نشطة على الرغم من وجود ادعاءات بوجود انخفاض في مبيعات المساكن في السوق، وفق إيلماز.
ومن ناحية أخرى أضاف أن بيانات ميزان المدفوعات تظهر تراجعا، وأن معدلات البطالة أظهرت ارتفاعا حادا في يونيو، بعد أن أظهرت انخفاضات متتالية.