المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الأربعاء 13 تشرين الثاني 2024 14:45:19
ينتظر المستثمرون قرار الإصلاح، فأشار رئيس لجنة التجارة في غرفة تجارة بيروت وجبل لبنان، القنصل جاك حكيم، في حديث لـ"المدن" إلى أن "رجال الأعمال ينتظرون انتهاء الحرب ليعيدوا تنشيط أعمالهم والمشاركة بإعادة الإعمار، لكن ذلك يجب أن يترافق مع إعادة تكوين السلطة في الداخل وتحسين العلاقات مع الدول. وتحقيق ذلك سيجعلنا نذهب لمرحلة ازدهار بعد الحرب". والخطوة المنتَظَرة ستعيد انتظام العمل بمؤسسات الدولة وقطاعاتها التي ستصبح قادرة، برأي حكيم، على "تأمين نحو 4 مليارات دولار من الرسوم والضرائب المعطَّلة اليوم من خلال المؤسسات، كقطاع المعاينة الميكانيكية وغيرها". وبالتوازي، ستحفِّز هذه الخطوة الدول العربية على مساعدة لبنان "وقد تقوم السعودية على سبيل المثال لا الحصر بإيداع 4 أو 5 مليارات دولار في مصرف لبنان، قادرة على إعادة ثقة كل دول العالم بلبنان، فنحن اليوم ليس لدينا علاقات دولية صحيحة".
ويربط المستثمرون مستوى انغماسهم المقبل بإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، بمستوى الإصلاح، حتى تتم "إعادة الإعمار للمرة الأخيرة"، وفق ما وصفه رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين، فؤاد زمكحل، الذي أشار خلال اجتماع لمجلس إدارة الاتحاد، إلى أن "اللبنانيين والمستثمرين والمبتكرين قد تعِبوا من إعادة الإعمار على أسس ركيكة غير ثابتة". وبانتظار الإصلاحات، فإن "رجال الأعمال يتحدثون عن تحضير خطط واستراتيجيات لإعادة الإعمار".
التجارب غير مبشِّرة
الحديث عن دور الإصلاح في استقطاب المستثمرين وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي، لا يبدو سهلاً في ظل التجارب التي أظهرتها الطبقة السياسية، على الأقل منذ العام 2018 حين عُقِدَ مؤتمر سيدر في باريس كإشارة لضرورة تجاوز الخطر السياسي والاقتصادي في لبنان. وعندها، اشترطَ المانحون لتقديم نحو 11 مليار دولار، قيام السلطة السياسية اللبنانية بإجراء الإصلاحات. وعلى وقع الرفض، دخلت البلاد بمرحلة انهيار اقتصادي في العام 2019، وبقي الرفض قائماً حتى بعد بروز مدخل لحلّ الأزمة من خلال صندوق النقد الدولي الذي جدَّدَ طلب الإصلاحات، ووافق في العام 2022 على توقيع اتفاق على مستوى الخبراء مع لبنان، كمقدّمة للوصول إلى اتفاق نهائي يفرِج الصندوق بموجبه عن 3 مليارات دولار. ومع ذلك، لم تأتِ الإصلاحات، رغم أن رئيس بعثة صندوق النقد التي زارت بيروت بين آذار ونيسان 2022، إيرنستو راميريز ريغو، أكّد أن "السلطات (اللبنانية) تدرك الحاجة الملحّة للشروع في برنامج إصلاح متعدد الأبعاد لمعالجة التحديات واستعادة الثقة وإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام، مع نشاط أقوى للقطاع الخاص ومزيد من القوة في خلق الوظائف".
وبالتوازي، شكَّلَ التعامل مع ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، مؤشِّراً غير سار على احتمالات قبول السلطة السياسية بإجراء إصلاحات فعلية. فرأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في تقرير لها مطلع الشهر الجاري، أن "توجيه الاتهام إلى سلامة، من شأنه إثبات أن لبنان جاد في مكافحة الفساد في النظام السياسي، وقد يؤدي إلى تسهيل عملية الإنقاذ والمساعدات الدولية في سيناريو ما بعد الحرب في لبنان". لكن مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، استبعدَ إجراء أي تغيير فعلي. ونقلت عنه الصحيفة قوله أن "القوى السياسية تفضّل ببساطة وضع هذا الرجل (سلامة) على الجليد وعزله، وإزالة أي احتمال لتحويله إلى أدلة للدولة وتورُّط عدد لا يحصى من أعضاء النخبة اللبنانية". ما يعني أن القوى السياسية لا تريد الإصلاح.
يعود الإصلاح من باب الحرب التي يجب ألاّ تمرّ بدون الافادة من دروسها، منعاً للتكرار. وإن عادت لسبب ما، سيكون لبنان جاهزاً بعلاقات داخلية متينة بين أقطابه وعلاقات عربية ودولية قادرة على تشكيل مظلة حماية سياسية ومالية تخفِّف وطأة الحرب وتسهِّل إعادة الإعمار وانطلاق النمو الاقتصادي. وفي ظل الواقع الراهن، ستنطلق عملية إعادة إعمار الحجر بعد تسوية إنهاء الحرب، لكن معضلة غياب الإصلاحات ستعيق الإعمار الاقتصادي والاجتماعي، فيكون الإعمار حينها مبتوراً. على أن الإصلاح، لا يستثني ضبط جشع كبار التجّار وتأمين الحماية لصغار المنتجين وضمان الحماية للمستهلكين، فينشَط الاستثمار حينها، ليس على حساب المستهلكين الذين عادةً ما يدفعون ثمن آليات السلطة في تصحيح أخطائها.