المصارف تواجه الدولة بربط نزاع للمطالبة بأموال "المركزي"

كتبت سلوى بعلبكي في "النهار":

اثنان ينتظران مصير ودائعهما، الأول هو المصارف التي ترى أنها أودعت مصرف لبنان الذي موّل الدولة على حسابها، كل ما لديها من احتياط بموجب التعاميم الملزمة، والثاني هو المودع المحتاج إلى فلس الأرملة ليعينه على الصمود في الظروف الاقتصادية والنقدية السيئة جداً التي تمر بها البلاد.

لكن ما تسرّب وما أتت به خطط الإنقاذ، من توجّه لدى الحكومة اللبنانية، والقيّمين أو المكلّفين منها إدارة الملفين المالي والمصرفي، وكذلك التفاوض مع صندوق النقد، إلى إلغاء ديون الدولة تجاه مصرف لبنان، وتالياً شطب جزء كبير من الودائع بالعملات الأجنبية، حدا بمجموعة من مصارف لبنان إلى التقدم بدعوى ربط نزاع مع الدولة اللبنانية، حفظاً للحقوق ودرءاً لأي عملية "هيركات" مقنع يحرم المودعين الجزء الأكبر من ودائع يمكنهم استعادتها كاملة أو جزء كبير منها ولو بعد حين.

المصارف الأحد عشر التي تقدمت بربط النزاع إلى وزارة المال، ليست وحدها، والباب مفتوح وفق مصدر مصرفي لانضمام مصارف أخرى، لبناء أوسع قاعدة توافق حول مصير الودائع وديمومة المصارف الحالية، ولمواجهة محاولات تمرير قوانين إلغائية للقطاع المصرفي.
موقف المصارف أتى بعدما أصدر مجلس شورى الدولة قراراً بتاريخ 17 أيار 2023 قبل به شكلاً الطعن المقدّم أمامه من جمعية المصارف بتاريخ 28 حزيران 2022، لوقف تنفيذ وإبطال قرار مجلس الوزراء المتعلق "بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية"، الوارد في "استراتيجية النهوض الاقتصادي بالقطاع المالي".

وفق مصدر مصرفي "تحاول المصارف في حراكها الأخير التأكيد أن "لا تنازل عن الودائع كلياً أو جزئياً، وإصرارها على حماية القطاع المصرفي بما أوتيت، وتضع تعاونها مع مصرف لبنان والدولة كأولوية شرط ألا تُترك وحيدة في مواجهة المودعين". كذلك طالب المصدر عينه بأن "تتوحّد أرقام الخسائر والموجودات، ولا يُتلاعب بالبيانات المالية والأرقام التي لم تكن تعتمد الشفافية إبان الأزمة وما قبلها، كما أظهر تقرير "ألفاريز أند مارسال"، الذي أكد أن مصرف لبنان لم يكن يظهر خسائره، واتبع لذلك ممارسات محاسبية تعتمد ترحيل الخسائر إلى مراحل لاحقة وهي ممارسات خارجة عن الأصول المعتمدة والمعايير المحاسبية المطبقة في المصارف المركزية العالمية".

وإن كانت المصارف ارتأت أن تلجأ إلى "ربط النزاع" للمطالبة بأموال مصرف لبنان لدى الدولة، فإنه على مقلب مصرف لبنان، ثمة لجنة شُكّلت برئاسة أحد نواب الحاكم بالإنابة وتضمّ ممثلين لوزارة المال لمعالجة هذه الأمور مؤسساتياً وإصلاح العلاقة بين مصرف لبنان والوزارة، وفق ما تؤكد مصادر متابعة. وتعلق المصادر على مذكرة الربط بالقول، إن مثل هذه الحلول لا تؤدي إلى نتيجة، فالدولة أكدت اعترافها من خلال سعيها إلى إنشاء صندوق لإعادة الودائع، معتبرة أن معالجة المشكلات لا تكون بالتصادم بل بالجلوس إلى طاولة حوار لاستنباط الحلول بإطار علمي ومنطقي لا يزيد من انهيار الدولة ولا يفرغ مصرف لبنان من احتياطاته".

وبالعودة إلى مذكرة ربط النزاع التي رفعها 11 مصرفاً بواسطة المحاميين إيلي إميل شمعون وأكرم عازوري، "طالبت الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها إلى مصرف لبنان لكي يتمكن الأخير من تسديد التزاماته إلى المصارف اللبنانية، لتتمكن بدورها من إعادة أموال المودعين".

المذكرة ارتكزت في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته "ألفاريز أند مارسال" (Alvarez &Marsal)، وعلى التدقيق المحاسبي الذي أصدرته أوليفر وايمن Oliver Wyman، بناءً على طلب من الدولة اللبنانية.

وخلصت إلى 3 مطالب أولها مطالبة الدولة بتسديد دينها إلى مصرف لبنان والبالغ نحو 16 ملياراً و617 مليون دولار، ثاني المطالب، تسديد الدولة نحو 51 ملياراً و302 مليون دولار، لتغطية خسائر مصرف لبنان الظاهرة في ميزانيته لسنة 2020 تطبيقاً لقانون النقد والتسليف، ولا سيما المادة 113 منه. ثالثها، المطالبة بتغطية زيادة العجز في مصرف لبنان عن السنتين 2021 و2022، من خلال اتباع طريقة الاحتساب التي اتبعتها "ألفاريز أند مارسال" في تحديد الخسائر حتى عام 2020.

ولوّحت المذكرة باللجوء إلى "مراجعة القضاء الإداري لإلزام الدولة اللبنانية تنفيذ موجباتها القانونية تجاه مصرف لبنان، في حال عدم تجاوبها مع هذه المطالب".

مصادر متابعة لم تشأ التعليق على مذكرة ربط النزاع، ولكنها أكدت أنه يحق للمصارف المطالبة بأموالها خصوصاً أن "الدولة لم تتبنَّ في خططها تحمّل الخسائر بل رمتها بغالبيتها على المصارف، وبطريقة غير مباشرة على المودع، فيما المسؤول الأول هو الدولة التي صرفت أموال المودعين على الكهرباء بالدرجة الأولى وعلى مصاريفها الأخرى".

ولفتت إلى أن "مصرف لبنان والدولة يسعيان إلى اعتماد سعر صرف السوق 89 ألف ليرة في الموازنة، فيما ميزانية المصارف هي حالياً على سعر صرف 15 ألف، وعندما ستحتسب على سعر صرف السوق، فإنها لن تساوي شيئاً، وتالياً سيصبح رأسمال المصارف سلبياً. لذا فإن من حق المصارف أن تطالب بأموالها التي صرفتها الدولة، لكي يكون في مقدورها إعادة رسملة مؤسساتها وإعادة الأموال للمودعين".

اللافت أن المطالبة باسترداد أموال مصرف لبنان جاءت من المصارف بدلاً من أن تكون من صاحب العلاقة، بيد أن محامي جمعية المصارف أكرم عازوري أكد لـ"النهار": بما أن مصرف لبنان سلطة عامة ولم يشأ مطالبة الدولة لاعتبارات معينة، وبصرف النظر عما إن كان يحق لمصرف لبنان أن يقرض الدولة، فإن أي خسارة قد تلحق بمصرف لبنان فإن الدولة اللبنانية ملزمة بإقفالها. وقال: "بما أن المصارف هي دائنة لمصرف لبنان، وجدت أن من مصلحتها المطالبة برد هذه الأموال التي استلفتها خلافاً للقانون".

كذلك اللافت أن مذكرة ربط النزاع قدمت باسم 11 مصرفاً وليس باسم جمعية مصارف لبنان، لكن عازوري أوضح أن النيّة كانت بتقديمها باسم جمعية المصارف، ولكن لأسباب تقنية عدلنا عن ذلك، لأن الجمعية كجمعية ليست دائنة لمصرف لبنان، وبما أنها دعوى غير مباشرة، فإنه يحق للدائن فقط تقديمها. لذا ارتأينا أن نقدّمها باسم 11 مصرفاً من أصل 12 تشكّل أعضاء مجلس الإدارة، ومن ثم يمكن لأي مصرف من مصارف لبنان الانضمام إليها بعد 5 شباط المقبل، تاريخ الادعاء على الدولة أمام مجلس شورى الدولة، إن لم تحرك الدولة ساكناً لرد الأموال لمصرف لبنان.

ضاهر: المصارف ترى مصرف لبنان قاصراً

برأي المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية المحامي الدكتور باسكال ضاهر فإنه يُفهم من مذكرة ربط النزاع التي وجّهتها المصارف إلى الدولة بالنيابة عن مصرف لبنان بأن مصرف لبنان قاصر عن القيام بمهامه، لذا وبما أنه مدين لها فقد فوّضت إلى نفسها سنداً لمبدأ الحلول المنصوص عليه في المادة 276 من قانون الموجبات والعقود الحلول مكانه على اعتبار أنه قاصر عن القيام بمهامه. وبغض النظر عن مدى قانونية مذكرة ربط النزاع التي لم توجّهها المصارف مباشرة إلى مصرف لبنان لمطالبته بتسديد ما يستحق عليه من ديون لمصلحتها، فإن اللافت برأي ضاهر، هو استناد المصارف إلى القوانين المرعيّة الإجراء للقول بأن الدولة هي المدين الأخير، واعترفت بأن القوانين الراهنة تحمي الحقوق ويقتضي الارتكان إليها كما هي، وتالياً بالمعيار عينه، على المودع الاستناد إلى هذه القوانين المرعيّة الإجراء عينها لرد حقوقه من المصرف، لأن المودع لا علاقة له قانوناً بأيّ استثمار دخلت به المصارف لا من قريب ولا من بعيد.

ماذا بعد مذكرة ربط النزاع؟ يقول ضاهر: "ننتظر جواب الدولة الذي يحتمل خيارين، فإما أن يكون خطياً ومعلّلاً ويوافق المصارف أو يكون خطياً لكن رافضاً لها، أو أن ترفض الدولة المذكرة من خلال ما يُسمّى سكوتها الضمني ويتحقق ذلك بانصرام مهلة الشهرين بعدم الجواب، وهنا يمكن للمصارف إن كان القرار هو الرفض، الطعن به أمام مجلس شورى الدولة. كما سننتظر أيضاً القرار عن القضاء بقبول هذه المراجعة من عدمه لا سيما أن المذكرة تضمّنت مطالبات قد تكون حاصلة لأول مرة تجاه شخص معنوي، فالمصارف تطلب الحلول مكان مصرف لبنان في ممارسة مهامه، مع التأكيد أن هذا المبدأ معمول به في القانون الخاص لا العام على أن يكون دين الدائن أكيداً ومستحق الأداء".