المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الثلاثاء 18 تشرين الثاني 2025 07:29:14
الملاحقة الأميركية لمصادر التمويل المتنوعة التي يبني "حزب الله" عليها منذ أكثر من أربعة عقود "إمبراطورية" مالية معقدة ومتداخلة، باتت عملية يومية، وصارت الوجه الآخر المكمّل لعملية تفكيك المنظومة العسكرية للحزب، والرامية إلى:
- تسريح الجهاز المقاتل.
- انتزاع السلاح الثقيل الموجود في ترسانته، وخصوصا الصواريخ.
- تفكيك ورش تصنيع المسيرات التي يجزم الأميركيون والإسرائيليون بأنها موجودة في أنفاق في أكثر من منطقة.
منذ زمن بعيد تقيم الجهات الأميركية وغير الأميركية على تقديرات فحواها الآتي:
- أن هناك نحو 70 ألف شخص يتقاضون رواتب مباشرة من الحزب بصفة متفرغ دائم أو متعاقد.
- أن عدد المستفيدين من مؤسسات الحزب الرعائية والصحية والتعليمية والإنمائية والتي تقدّر بنحو 40 مؤسسة، يصل إلى حدود الـ250 ألف مستفيد.
وعليه، تفترض تلك التقديرات أن جزءا أساسيا من عملية انتشار الحزب والذي سهل له الدخول في النسيج الاجتماعي للبيئة الحاضنة لا يقوم فقط على التعبئة السياسية والدينية، بل يدخل في صلبها أيضا الاستفادات المالية المتنوعة، بحيث صار في إمكان ابن الحزب أن يقطع صلاته بكل الخارج وأن يحيا في دائرة الحزب ومؤسساته التي يعمل بعضها على مدى 24 ساعة، وهي مؤسسات مترابطة في ما بينها وفق نظرية الأواني المستطرقة.
على أساس هذه الوقائع، تخصصت جهات أميركية معنية منذ نحو ثلاثة عقود بعملية "مطاردة" مصادر تمويل الحزب من خلال:
- تفكيك أسراره وشيفرته المالية.
- قطع الأوردة والأقنية التي تغذي مالية الحزب، وخصوصا أنه لم تسجل منذ أن انطلقت المطاردة أي تراجع في عطاءاته المالية أو أي تقليص في دائرة الاستفادة منها.
والمعلوم أن عملية "قطع الأوردة" والأقنية الرافدة لمالية الحزب، والتي بدأت وفق تقديرات جهات معنية فيه منذ منتصف التسعينيات، قد بلغت ذروتها أخيرا وتجسدت في أشكال وأوجه شتى. وتذكر تلك الجهات أن الأميركيين ما أهملوا إجراء واحدا يمكن أن ينفذوا منه إلى عالم الحزب المالي إلا أفرطوا في استعماله واستغلاله حتى ملاحقة زوار العتبات الشيعية في العراق وإيران.
ومع ذلك، تناهى إلى الجهات الأميركية أن الحزب أنفق مليارا و300 مليون دولار تعويضا لإصلاح ما يمكن إصلاحه من أبنية تضررت بفعل القصف الإسرائيلي، وبدل إيواء للمهدّمة بيوتهم.
ووفق معلومات سرت في بيروت أخيرا، أن وفد الخزانة الأميركية الذي حلّ في مهمة حصرية، قد رد على كلام لرئيس الجمهورية جوزف عون مفاده أنهم يبالغون في تقديراتهم في شأن مالية الحزب، بالقول: "ما نعلمه أن المبلغ الذي يصل إلى الحزب شهريا هو 80 مليون دولار، ولم يتأخر وصوله يوما".
وفي خضم عملية البحث الأميركية الدائبة عن خفايا الدائرة المالية للحزب، كانت كل الأبحاث تصل إلى نقطة واحدة هي مؤسسة "القرض الحسن"، باعتبارها نقطة الارتكاز والمنطلق لمهمتين أساسيتين:
الأولى أنها الخزينة التي ترعى مالية الحزب وتديرها.
الثانية أن تكون صلة الحزب المالية المباشرة بينه وبين بيئته، فهي التي تؤمن قروضا تربوية لطالبيها في مقابل رهن رمزي يعتمد الذهب معيارا أساسيا، لما يقدّر بنحو 80 ألف مستفيد، وليسوا بالضرورة كلهم شيعة.
على أساس تلك المعطيات، تذكر مصادر في الحزب أن الضغوط الأميركية على "القرض الحسن" وعلى مالية الحزب صارت مركزة على نقطتين:
الأولى، "القرض الحسن" نفسه، وتحديدا البحث عن المسارات القانوية التي تفضي إلى إحكام الحصار على هذه المؤسسة مقدمة لخنقها وشلها نهائيا.
الثانية، ممارسة مزيد من الضغوط على الدولة اللبنانية سعيا إلى "تعزيز بيئة الامتثال" لتلك الإجراءات، ومنها على سبيل المثال الزيارة المفاجئة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لوزارة الشؤون الاجتماعية، وذُكر أنها طلبت من الوزيرة حنين السيد معلومات عن الهيئات والجمعيات الشيعية المستفيدة من تقديمات تلك الوزارة.
وثمة من يعتبر أن تعميم مصرف لبنان للمؤسسات المالية والذي يطلب تصريحا تفصيليا عن كل عملية مالية تتجاوز الألف دولار، قد جاء في سياق خطوات محاصرة الحزب ماليا.
الحزب بطبيعة الحال على دراية بكل تلك الإجراءات، وجوابه الحازم الذي أبلغه إلى كل المعنيين في الدولة وسواها أن "موقفنا من الجهود الرامية إلى تفكيك القرض الحسن لا تختلف عن موقفنا المعروف من تسليم السلاح، لأن كليهما عندنا خط أحمر".