المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الثلاثاء 11 تشرين الثاني 2025 00:31:59
إنهاء نفوذ إيران في المنطقة، هو العنوان الذي يتردد على ألسنة كل المسؤولين الأميركيين، ومنهم الوفد الأميركي الذي زار لبنان أخيراً للبحث في كيفية تشديد الإجراءات والرقابة لمنع حزب الله من الحصول على الأموال الإيرانية أو أي أموال أخرى.
هي عملياً ضغوط وشروط لخنق المشروع الإيراني، مالياً، في موازاة الضغط العسكري والسياسي. إنهاء نفوذ إيران، لا بد أن يكون لحساب دول أخرى. وهناك دول عديدة تبدي استعدادها وتجهز عدّتها. وكما حكي في السابق عن "المحور الإيراني"، بدأت دوائر كثيرة بالبحث عن إسم المحور الجديد، بين من يعتبره محوراً أميركياً إسرائيلياً، ومن يذهب إلى اعتبار أن هناك محوراً آخر قابل للنشوء وهو المحور الأميركي التركي السعودي، والذي تنضم إليه سوريا.
جهود تركيا والسعودية وقطر
هنا لا تنفصل صورة الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض عن كل هذه التطورات وتحولاتها، فسوريا كانت المعبر الأساسي لامتداد النفوذ الإيراني في اتجاه المنطقة. وهي خط الإمداد العسكري والمالي الذي قُطع مع سقوط نظام بشار الأسد، بينما ستستمر كل إجراءات الخنق من خلال التفاهم مع دمشق والتحركات التي ستقوم بها في سبيل ذلك لقطع طريق الإمداد بالسلاح أو المال. فزيارة الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، جاءت بعد جهود تركية سعودية قطرية، فتحت له أبواب العالم وساهمت في تجميد قانون قيصر، مع استمرار المساعي لإلغائه. كما أن زيارة الشرع جاءت قبل أيام من زيارة سيجريها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة وستطرح فيها كل ملفات المنطقة.
شروط بلا قفازات
ما قاله أعضاء الوفد الأميركي للمسؤولين اللبنانيين، كان في غاية القسوة والوضوح، من دون مواربة أو قفازات ومن دون لغة ديبلوماسية. وقد توزعت الشروط الأميركية على الشكل التالي:
أولاً، ضرورة إقفال كل فروع القرض الحسن على الأراضي اللبنانية.
ثانياً، تشديد الرقابة على كل المعابر الشرعية وخصوصاً في المطار والمرفأ.
ثالثاً، اتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق كل معابر التهريب غير الشرعي.
رابعاً، مراقبة دقيقة لشركات الصيرفة وتحويل الأموال.
خامساً، إغلاق عدد من شركات تحويل الأموال التي صنفت على لوائح العقوبات وعدم السماح لها بالعمل.
سادساً، مكافحة "اقتصاد الكاش" بشكل كامل، من خلال اتخاذ الإجراءات الإصلاحية اللازمة للتخلي عن مسألة تشغيل صرافين يعملون في مجال جمع الدولار من السوق لمصلحة مصرف لبنان.
سابعاً، منع حزب الله من الاستفادة من كل المؤسسات الرسمية.
ثامناً، تشديد الرقابة على عدم استفادة حزب الله من علاقاته ونفوذه داخل الدولة أو مؤسساتها أو أجهزتها ليتمكن من إدخال الأموال. وهنا سمع المسؤولون كلاماً شديد اللهجة حول الرصد الأميركي لأي حركة من هذا النوع.
تاسعاً، مراقبة ومعرفة مصادر كل التحويلات المالية أو المبالغ التي يحملها الأفراد الآتين من الخارج إلى لبنان عبر المطار، إذ في تقديرات الأميركيين أن حزب الله تمكن من إدخال مبالغ مالية كبيرة، عبر أفراد وأشخاص أدخلوا هذه المبالغ نقداً.
عاشراً، هناك مهلة زمنية على اللبنانيين الإلتزام بها لتحقيق المطلوب منهم، أي سحب السلاح بشكل كامل، ووقف تهريب الأموال ومنع حزب الله من بناء قدراته العسكرية والأمنية والمؤسساتية. وقد سئل الوفد عن مهلة الستين يوماً فأجاب بوضوح أنه لا يجوز أخذ هذه المهلة بحرفيتها، ولكن ليس أمام لبنان لا سنة، ولا أشهر، ويجب على اللبنانيين أن يقوموا بما يتوجب عليهم من دون انتظار استشارة أو نصيحة من أحد.
الانتخابات والانقلاب الكبير
في لقاءات أخرى تحدث الوفد الأميركي عن مهلة ممنوحة حتى الانتخابات النيابية كي يتمكن لبنان تحقيق المطلوب منه. يعني ذلك بوضوح أن الولايات المتحدة الأميركية تحضر لانقلاب كبير في مختلف المجالات اللبنانية، وفي التوازنات السياسية التي يراد للانتخابات النيابية أن تكون محطتها المفصلية وأساسها. هذا الكلام المبني على هذه الشروط لا يعني فقط أن المراد هو إنهاء النفوذ الإيراني، بل إحداث تغيير في كل البنية السياسية اللبنانية وربما بنية النظام والمؤسسات وتركيبتها، لا سيما أن الأميركيين كما غيرهم يبدون استياءهم من عدم قدرة لبنان على إقرار الإصلاحات المالية منذ خمس سنوات إلى اليوم، وعدم القدرة على إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك بالنسبة إليهم يقتضي تغييراً كبيراً في كل التركيبة السياسية المتشابكة جداً مع التركيبات المالية والمصالحية.
الفراغ الشيعي
أي تغيير من هذا النوع، يعني تغيير طبيعة آلية انتاج السلطة، وتركيبة الدولة السطحية أو العميقة إن صح التعبير. وأن يطرح الوفد الأميركي كيفية إخراج لبنان من عباءة النفوذ الإيراني، وتفكيك كل البنى العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والمؤسساتية لحزب الله، معناه أن فراغاً كبيراً سينجم، وخصوصاً في البيئة الشيعية، بينما تدور تساؤلات كثيرة حول كيفية سد الفراغ في ظل عجز الدولة اللبنانية عن ذلك.
بري ولغة الرسائل
في السياق، برز تطور غير معتاد إذ أن الوفد استثنى من زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهذا في ذاته مؤشر يحمل في طياته رسالة قاسية، إما تنطوي على رفض لسلوكه مع ما يتضمنه ذلك من إجراءات قد تستتبع، أو عقوبات قد تفرض على مقربين منه، أو أن يتلقف بري الرسالة فيبتعد خطوات عن حزب الله، ويسلك في المسار الجديد، وهو ما سيحرجه إلى حد بعيد، لا سيما أنه يتجنب تكريس أي انقسام شيعي. وذلك لا ينفصل عن وصف مسؤولين أميركيين ودوليين وعرب لبري بأنه أحد أفضل السياسيين، ولكنهم يريدونه أن يتغير في سلوكه ووضعيته السياسية. وفي السابق، تلقى بري نصائح كثيرة من دول عديدة بضرورة التمايز أكثر عن حزب الله، وتلقى دعوات لزيارة المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، لكنه لم يلبها، وربما حان الآن وقت تلبيتها، نظراً إلى ما يتعرض له الرجل من ضغوط وحصار في الداخل والخارج، ويحمل هَمَّ طائفة لم تخرج من نكبتها، وعلى عاتقه مسؤولية منع تجدد الحرب، والتهجير، والبحث في إعادة الإعمار.