المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الجمعة 19 نيسان 2019 18:56:10
احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، برتبة سجدة الصليب في يوم الجمعة العظيمة، في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت، عاونه فيها النائب العام لأبرشية المونسنيور جوزف مرهج بيروت ورئيس كهنة الكاتدرائية المونسنيور إغناطيوس الأسمر والآباء داود أبو الحسن وبول مطر وجورج قليعاني، وشارك فيها لفيف من الكهنة والرهبان والراهبات ورئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن وممثلو هيئات روحية واجتماعية ورعوية ومصلون ملأوا الكاتدرائية وباحاتها.
وبعد قراءة الأناجيل الأربعة القى المطران مطر عظة تحدَث فيها عن معنى الصليب والمصلوب وقال:
كم نبتغي ونتشوّق أن نكون في مثل هذه اللحظة منذ أكثر من ألفي سنة على أقدام الصليب، مع مريم ويوحنا التلميذ الحبيب. هناك جرى تسلّم وتسليم، إذا قال الرب يسوع ليوحنا: أيها التلميذ الحبيب هذه أمّك. وقال يسوع لمريم: يا امرأة وهكذا كان يسمّيها امرأة. الإمرأة هي الأساس في الدنيا بأسرها، يا امرأة هذه ابنك. فصارت مريم العذراء أمًّا ليوحنا، وعبره أمًّا لجميع الناس وأمًّا للكنيسة وأمًّا لكل واحد منّا تحرسنا الآن وفي ساعة موتنا. فنقول للربَ: نحن أبناءك نأتي إليك في هذا اليوم، لنردّ لك بعض الجميل. أنت الذي قلت: ما من حبّ أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه. وقد بذلت نفسك عنّا وقدّمت جسدك ليصلب ودمك ليهرق غسلاً لخطايانا وتكفيرًا عن آثامنا وعن آثام الأرض كلّها. نعم أيها الحبيب، صنعت كلّ هذا لأجل كلّ واحد منّا.
أيها الأخوة الأحباء، لقد خلقنا الله أوّلاً، لا لأنه بحاجة إلينا. فهو الكمال كلّه. إنما خلقنا لكي نسعد به ونحبَه كما هو أحبَنا. خلقنا الله من أجلنا نحن وبعد أن تركناه بآدم وحوّاء وبالتاريخ من رمته إلى رمّته وصنعنا الشرور واسوّدت قلوب الكثيرين منّا، لم يترك جبلة يديه بل أراد بمحبَة كبرى منه تعالى، أن يرسل إلينا ابنه الوحيد ليردّنا إلى طريق الحقّ وطريق المحبَة وطريق السلام.
علّمنا الإنجيل المقدّس الذي أصبح دستورًا في حياتنا، وبالرغم من كلّ ذلك قاموا عليه ورفضوه لحسابات خاصة، لمآرب ذاتية، لخوفٍ من أي مجهول لإرادة ملكٍ على الناس. كلّهم كانوا مخطئين، فتعدَوا عليه واتهموه زورًا وقتلوه وصلبوه، وهو بقي ثابتًا على محبَته، لم يهرب من أمامهم وهو الذي قال: أنا أعطي حياتي ولا أحد يأخذها منّي. ولم يستقل من مسؤوليّاته من أمام الله الآب، بل جابه بالحبّ الأعزل، كلّ سلاح الآخرين وكلّ حساباتهم وكلّ ضغائنهم. صحيح أنّه صلب ومات لكن المحبّة قاومت الموت وصارت مالكة على الدنيا بأسرها. أمام صليب يسوع ننحني إجلالاً لأنه حمل المصلوب عليه، ذلك المصلوب الذي قال الله محبّة، أحبوا بعضم بعضكم كما أنا أحببتكم. غسل أرجل تلاميذه وقال: لا خلاص للدنيا إلاّ بالمحبة والغفران.
ونحن اليوم يا إخوتي، أبناء الكنيسة لا بل أبناء البشرية بأسرها ننظر إلى المصلوب الذي قال: إذا ما ارتفعت عن الأرض جذبت إليّ كلّ أحد، ونقول له: يا ربي أنت الحقيقة، والناس هم الخاطئون أنت الطريق والناس هم الضالون، أنت الحياة والناس هم القابعون في الموت. أعطنا من خلقك حقيقة وطريقًا مستقيمًا وحياةً لا لبس فيها، أعطنا أن نحبَك وأن نقبل محبّتك في حياتنا. عندئذ نذوق طعم الحياة والسلام والخلاص برَبنا يسوع المسيح. الكنيسة اليوم يا إخوتي، تسألكم أن تثبتوا على محبّة المسيح، أن تؤمنوا بهذه المحبة القادرة على كلّ شيء، وأن نمارس الغفران بعضنا تجاه بعض، وأن نتمسَك في عيالنا بمحبة أفرادها جميعًا، أن نحافظ على أوطاننا كأنها عائلاتٌ لها قيمتها أمام الله وأمام الناس.
ونحن في وطننا العزيز لبنان، الذي يمرّ بظروف صعبة وصعبة جدًا، علينا أن نحبّه ونضحيّ من أجله وأن نكون متعاونين يدًا بيد ونطفئ النار التي كادت تحرق البلد، كما أحرقت كنيسة السيدة في باريس والتي والحمد لله بقيت سالمة إلى حدٍّ ما وستعود إلى القيامة من جديد. وطننا بحاجة لا إلى حسابات اليوم، بل إلى تضامن ومحبَة والحساب يأتي بعد ذلك عندما نصل إلى الضفة الأخرى من النجاة والخلاص. يا ربَ ألهمنا كل خير وألهمنا كل صلاح من أجل وطننا وعيالنا ومجتمعنا ومن أجل ذواتنا، أعطنا أن نهتدي إلى حبّك كما علينا أن نعمل حتى نصل إلى طريق الخلاص، أنت رجاؤنا وحبّنا الأول والآخر، صليبك علامة مصالحة تامة بين البشر وبيننا وبين الله أبينا. فلنتصالح مع الرب كلٌّ مع ضميره، كلٌّ مع ربّه، حتى نعود نذوق طعم الفرح، ولا يبقى فينا إلا هذا الفرح وإلاّ هذا الحبّ مع الله. وإذا تصالحنا مع الله، نتصالح بعضنا مع بعض. هذه المصالحة أساسية. صليب المسيح صليب المصالحة، وخطيء كلّ من قال أن الصليب هو علامة قوّة ضدّ الآخرين. صليب المسيح علامة إنتصار مع كلّ الناس على الشرور كلّها، على البغض والحقد والحسد والإنقسام. صليب المسيح للناس جميعًا، صليب المسيح دواء شافٍ لكلّ أمراضنا، لذلك فلنحمله بشرفٍ وبفخر على رؤسنا قائلين: أنت علامة الظفر للإنسانية كلّها، أنت مجدّد الكون ونعطي فرصة جديدة للعالم بأسره ليعرف طريق المحبَة وطريق الخلاص.
نشكرك يا رب من كل قلوبنا ونسألك أن تزيدنا نعمة على نعمة لنبقى أمينين على إيماننا ودعوتنا وأنت معيننا من الآن وإلى أبد الآبدين. باسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين.