"المعلومة الذهبية".. السلاح الخفي في حرب إسرائيل ضدّ "حزب الله"

برز على السطح خلال أحداث مسلسل الاغتيالات المستمرة للقيادات العسكرية والسياسية في "حزب الله" مصطلح محوري يعرف بـ"المعلومة الذهبية الثمينة"، التي شكّلت قاعدة استخبارية حاسمة لاتخاذ قرارات التصفية، كان آخرها اغتيال الرجل الثاني في الميليشيا "أبو علي الطبطبائي".

ووفق المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية، تعرّف "المعلومة الثمينة الذهبية" بأنها تلك المعلومة بالغة الأهمية التي تتيح فرصة إستراتيجية أو تساعد على تفادي كارثة وشيكة. 

خصوصية المعلومة الثمينة الذهبية
وفي توضيح لخصوصية "المعلومة الثمينة الذهبية" في العرف الإسرائيلي، تشير مراكز أبحاث ودراسات إستراتيجية إلى أنها المعلومة ذات الأهمية الإستراتيجية القصوى، لما لها من قدرة على التأثير المباشر والحاسم في الأمن القومي ومسار العمليات العسكرية، سواء بتغيير تجاه الحرب أو إحداث نقلة في موازين القوى أو تقليص مدة الصراع، وصولاً إلى إنهائه بالكامل.

كما أنّ قيمتها متأتية من "جدواها ونجاعتها الفورية"، فهي ذات قيمة في ظرف زماني ومكاني جدّ محدودين، وهذه القيمة قد تتلاشى بمجرد تغيير الهدف لمكانه أو انقضاء الزمن، وفق المصادر.

وتشير مراكز الأبحاث إلى أن الخصوصية الأبرز لهذه المعلومة تتمثل في تفرّدها وعدم تجددها، فهي معلومة استثنائية قد تحصل عليها منظومة القرار في إسرائيل مرة واحدة طيلة عقود طويلة، وغالبًا ما تكون مرتبطة بالقيادة العليا لمن تسميهم  إسرائيل الأعداء، أو البنية التحتية (العسكرية والأمنية) الحساسة جدّّا، أو بالخطط العسكرية القادمة.   

وتضيف أنّ اغتيال قيادات الصف الأول من ميليشيا "حزب الله"، العسكرية منها والسياسية، كان بعد الحصول على معلومة ثمينة ذهبية، تم على أساسها اتخاذ القرار العسكري العاجل الذي لا يقبل المماطلة.

وتشير المصادر أيضًا إلى أن خصوصية "المعلومة الثمينة الذهبية" تكمن في أنها تستلزم اتخاذ قرار تنفيذي عاجل على أعلى مستوى، عادة ما يكون مقصورًا على أربعة أشخاص فقط في إسرائيل، هم: رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس الموساد، ورئيس الشاباك.  

إغلاق النافذة
وتكشف المراكز أنّ العبارة الاستخباراتية التي تستعمل للتعبير عن منظومة العمل على أساس المعلومة الثمينة هي "إغلاق النافذة"، حيث تعني النافذة الفترةَ الزمنية القصيرة التي تظل فيها المعلومة الثمينة قابلة للتنفيذ وحاسمة، في حين أنّ الإغلاق يعني اتخاذ القرار وتنفيذ العملية المطلوبة في أسرع وقت ممكن داخل هذه النافذة الزمنية.

وتعتبر أنّ النافذة في عملية اغتيال "أبو علي الطبطبائي" كانت متصلة بفترة وجوده في الشقة السكنية بحارة حريك بالضاحية الجنوبية، وأنّ أمْرَ إغلاقها بمعنى الحسم في اتخاذ القرار تم اتخاذه خلال دقائق قليلة حين وصول المعلومة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قطع اجتماعه الوزاري واتخذ قرار التصفية وتابع العملية من غرفة العمليات الخاصة.

وفي تفكيكها لمسار عمل المعلومة الثمينة، تؤكد الجهات الاستخباراتية الإسرائيلية أنّ المعلومة تكون إمّا من مصادر بشرية (جواسيس) وإمّا رقميّة مُغْلقة ( مثل: تطبيق "أين أبي؟"، وهو تطبيق متطور جدّّا يمنح لمستخدميه القدرة على الرصد والتعقب) أو رقمية مفتوحة (اعتراض مكالمات، ورصد خروج كميات من الكربون في الهواء أكبر من المستوى العادي في منطقة معينة؛ ما يشير إلى وجود نفق، أو تغييرات في مستوى جغرافية المنطقة؛ ما يدل على وجود تطورات عسكرية). 

وتضيف المصادر أن المعلومات يتم تأكيدها أولًا عبر مصدر ثان، قبل أن تحلل في "مركز 8200"، المختص بتحليل وتدقيق المعلومات وتصنيفها بين معلومة مهمة، أو "مهمة مستعجلة"، أو "ذهبية وثمينة"، تمهيدًا لتوجيهها إلى صاحب القرار التنفيذي الأول، والذي يكون عادة رئيس الوزراء.

"حزب الله" ضحية المعلومة الذهبية الإسرائيلية
وبناء على كل ماسبق، فإنّ الاغتيالات التي استهدفت الصف الأوّل من القيادات السياسية والعسكرية لميليشيا "حزب الله"، كانت كلها وبلا استثناء مبنية على المعلومة الذهبية الثمينة، انطلاقًا من الأمين العام حسن نصر الله، إلى خليفته هاشم صفي الدين، إلى اجتماع قوة الرضوان والذي أودى بحياة قيادات كلّ الصف الأوّل لهذه القوّة، مرورًا برئيس أركان "حزب الله" فؤاد شكر والقيادي علي كركي ولا تنتهي بالطبطبائي.

وتشير الجهات المطلعة على ملف الاغتيالات في إسرائيل إلى أن جميع العمليات المذكورة اعتمدت في النهاية على مزيج من معلومات بشرية دقيقة، ومعطيات رقمية ذكية، وتحليلات متقدمة باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ ما أنتج في المحصلة ما يُعرف بـ"المعلومة الذهبية الثمينة"، التي توفر تقدمًا واضحًا لإسرائيل على مختلف جبهات الصراع، وخصوصًا في جولتها الأخيرة ضد ميليشيا "حزب الله". 

منظومة يشوبها القصور 
وفي توضيح لعلاقة المنظمة الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية بالمعلومة الثمينة الذهبية، أشارت الجهات ذاتها إلى أن العلاقة لم تكن دائمًا تلازمية بين المعطى واتخاذ القرار، حيث شهدت المنظومة أحيانًا قصورًا وتقليصًا حالا دون تحقيق الأهداف الإستراتيجية المرجوة.
ففي "عملية الدوحة" والتي استهدفت اجتماعًا لقيادات حركة "حماس" في العاصمة القطرية، كان القرار التنفيذي حاضرًا والمنظومة العسكرية على أهبة الاستعداد، غير أنّ المعلومة الثمينة لم تكن دقيقة، وبالتالي أضاعت على إسرائيل صيدًا سياسيًّا حمساويًّا ثمينًا؛ ما عرَّضها للكثير من الانتقادات الإقليمية والدولية. 

وفي حرب 1973، كانت المعلومة الذهبية متأتية من أشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والتي قدَّمت إنذارًا مبكرًا عن ساعة الصفر للجيشين المصري والسوري، إلا أنّ المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية لم تأخذ الأمر على محمل الجد وتعاملت معها بمنطق الاستعلاء والاستخفاف. 

ورغم الفشل الإسرائيلي في التقدير الاستخباراتي المسبق لأهمية المعلومة الذهبية، فإنها أسهمت لاحقًا وفي مستويات معينة في تسريع حشد الاحتياط وتخفيف صدمة الهجمة الأولى. 

وفي المقابل، تنوه الجهات الاستخباراتية بأهمية المعلومة الثمينة في حرب 1967 والتي سمحت بتدمير سلاح الجو السوري والمصري والأردني قبل الإقلاع أصلًا، وبالتالي توجيه ضربات استباقية قاسية أفضت إلى ما يُنعت بحرب النكسة. 

وتشير المصادر أيضًا إلى قيمة "المعلومة الثمينة" التي حصلت عليها إسرائيل حول مفاعل "تموز" في العراق، إذ مكّنتها المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن المشروع النووي العراقي، وتقدمه، وموقعه الجغرافي، من توجيه ضربات مدمرة للمجمع في 1981؛ ما أنهى الحلم العراقي بتطوير البرنامج النووي.

في المحصلة تؤكد المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية أنّ المعلومة الثمينة بالنسبة لدولة تحارب على أكثر من جهة وجبهة – وفق توصيفها- تبقى أساسية للغاية، فالجاسوس ومعلوماته الثمينة أشد وطأة على أعداء إسرائيل من فيالق وألوية بعشرات الآلاف من الجنود.  

كما تضيف أنّ المعلومة الثمينة والنادرة زادت أهميتها ونجاعتها وسهولة النفاذ إليها بعد التطور الهائل في برمجيات الاتصالات وفي تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة أنّ إسرائيل تعتبر من أكثر الدول تقدمًا في "الهاي تك"، وقد استثمرت هذه المنظومة لصالح الجهد العسكري. 

وتشدد على أنّ الحرب الأخيرة في لبنان، والقائمة اليوم على القيادات السياسية والعسكرية لميليشيا "حزب الله"، أكدت أهمية المعلومة الثمينة في توجيه الضربات المؤلمة للعدو، وأكدت جدوى الاختراقات الكيفية والكمية في تغيير التوازنات العسكرية وفي تعديل ميزان الردع لصالح إسرائيل. 

وتكشف المصادر في هذا السياق، أن منظومة اعتماد "المعلومة الثمينة" وتحويلها إلى فعل عسكري تتطلب بيئة سياسية إقليمية ودولية مواتية، مؤكدة أن إسرائيل لم تكن لتتمكن من ممارسة هذا النفوذ الواسع في المنطقة والتعامل بجدية مع كافة المعلومات الثمينة لولا الغطاء والدعم الذي حصلت عليه من إدارة دونالد ترامب.  

وتضيف المصادر أن إسرائيل كانت تتلقى خلال إدارتي جو بايدن وباراك أوباما العديد من المعلومات الثمينة، لكنها كانت تتردد في التعامل معها خشية ردود الفعل الأمريكية أو اعتراض الأطراف المتضررة، وهو ما لم يعد يشكّل عائقًا اليوم جزئيًّا أو كليًّا.