المصدر: أساس ميديا
الكاتب: محمد فحيلي
الجمعة 28 شباط 2025 08:37:11
مع دخول لبنان مرحلة سياسية جديدة، (يتجه) تتّجه الأنظار إلى موقف صندوق النقد الدولي من إمكان استئناف المفاوضات، وإلى ترجمة هذه التغييرات في القيادة إلى إصلاحات فعليّة تلبّي شروط الصندوق. فالصندوق، الذي لطالما شدّد على ضرورة تنفيذ إصلاحات جذريّة هي شرط أساسيّ لأيّ دعم ماليّ، سيظلّ متريّثاً بانتظار خطوات ملموسة تعكس جدّية السلطات اللبنانية في التغيير.
في ظلّ هذه الظروف، يبقى السؤال الأساسي: هل يتحرّك لبنان أخيراً على طريق الإصلاح؟ أم الأزمات السياسية والاقتصادية ستبقيه رهينة الجمود والمراوحة؟
موقف صندوق النّقد الدّوليّ
مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة، ظهرت بوادر أمل في إعادة إحياء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، في ظلّ وجود سلطة تنفيذية كاملة ومتكاملة. يُتوقّع أن يُظهر الصندوق استعداداً لاستئناف هذه المفاوضات، لكنّ ذلك يبقى مشروطاً بتنفيذ لبنان للإصلاحات المطلوبة. تشمل هذه الإصلاحات مجموعة من الإجراءات التي تعهّد لبنان بتنفيذها سابقاً لكن لم تتحقّق بالكامل، وهي تمثّل ممرّاً إلزاميّاً لاستعادة الثقة المحليّة والدولية.
من بين هذه الإصلاحات، تأتي إعادة هيكلة القطاع المصرفي أولويّةً ملحّة لحماية حقوق صغار المودعين، وضمان استدامة النظام المالي في البلاد. من الصعب جدّاً أن تنجح السلطة النقدية في إدارة المشهد النقدي وتفعيل الاقتصاد الوطني إن لم يستعِد القطاع المصرفي اللبناني (وليس بالضرورة كلّ مصرف) عافيته ويعود الانتظام إلى ربوعه.
تشمل الإصلاحات الماليّة العامّة تحسين إدارة الإيرادات والنفقات، وتقليص العجز المالي الذي أثقل كاهل الدولة اللبنانية لعقود. ويُعتبر توحيد سعر الصرف أحد أبرز المطالب التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار النقدي والحدّ من المضاربات غير الشرعية التي أضرّت بالاقتصاد الوطني.
إلى جانب ذلك، يضع صندوق النقد الدولي في مقدَّم الأولويّات تعزيز الشفافية والحوكمة اللتين تشملان تعديل قوانين السرّية المصرفية، تفعيل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، واعتماد آليّات صارمة لمكافحة الفساد، بما يعكس التزاماً حقيقياً من الدولة بإصلاح مؤسّساتها واستعادة الثقة.
على الرغم من هذه التوقّعات، تبقى التساؤلات قائمة عن مدى استعداد الطبقة السياسية الحاكمة (رئاسة الجمهورية، مجلس النواب ومجلس الوزراء) لتنفيذ هذه الإصلاحات، خصوصاً أنّ الصندوق قد أظهر في مرّات سابقة صرامة في التفاوض، مطالباً بضمانات ملموسة قبل تقديم أيّ دعم.
إنّ استئناف المفاوضات مرهون بتوافر إرادة سياسية قويّة، وبتحرّكات فعليّة تظهر جدّية لبنان في تحقيق إصلاحات شاملة ومستدامة. ليست هذه الخطوات مفتاحاً لاستئناف الدعم من صندوق النقد فقط، بل شرط أساسيّ لاستعادة الثقة الدولية وإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية الراهنة.
التّحدّيات الباقية
على الرغم من التطوّرات السياسية الأخيرة، لا يزال لبنان بحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الضرورية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والحصول على الدعم المالي المطلوب. يتطلّب ذلك تعاوناً جادّاً من جميع الأطراف السياسية والاقتصادية في البلاد. ولا شكّ أنّ استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ضروري، لكنّه مرهون بمدى جدّية والتزام الحكومة اللبنانية الجديدة بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. الكرة الآن في ملعب السلطات اللبنانية لاتّخاذ الخطوات اللازمة للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة
تصنيف لبنان الائتماني المتعثّر (Restricted Default) ووجوده على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) يلعبان دوراً كبيراً في عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وفي جذب الدعم المالي الدولي بشكل عام:
التّصنيف الائتمانيّ
وجود لبنان على اللّائحة الرّماديّة لـمجموعة العمل الماليّ FATF
تؤدّي هذه العوامل إلى تآكل الثقة الدولية بقدرة لبنان على الوفاء بالتزاماته المستقبلية، حتى في حال تنفيذ الإصلاحات، وتعيق تدفّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الخارجية، وتجعل صندوق النقد الدولي والدول المانحة أكثر تشدّداً في طلب ضمانات إضافية قبل الإفراج عن أيّ تمويل، وتضغط على السلطات اللبنانية لتسريع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
الخطوات المتوجّبة والحلول الممكنة
إرادة سياسيّة قويّة
تصنيف لبنان الائتماني المتعثّر ووجوده على اللائحة الرمادية يعمّقان أزمته الاقتصادية ويزيدان من صعوبة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة والمؤسّسات الدولية كمصارف التنمية (Development Banks). تتطلّب معالجة هذه القضايا إرادة سياسية قويّة وتنفيذ إصلاحات جذرية، لأنّ المجتمع الدولي والمؤسّسات المالية لن يقدّموا الدعم دون خطوات ملموسة لتحسين الوضع المالي والمؤسّسيّ.
أُنهي بهذه الكلمات: في خضمّ التحدّيات المتراكمة التي تواجه لبنان، يبقى المستقبل مرهوناً برغبة وبقدرة الطبقة السياسية على اتّخاذ قرارات جريئة وإظهار إرادة حقيقية للإصلاح. إنّ الالتزام بتطبيق الإصلاحات المطلوبة لم يعد اليوم خياراً، بل ضرورة ملحّة لإعادة بناء الثقة واستعادة الاستقرار.
يتطلّب ذلك من القيادة الجديدة الالتزام بتنفيذ برنامج إصلاحي شامل يضمن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، توحيد سعر الصرف، وتعزيز الشفافية والحوكمة، ضمن خطوة أولى نحو فتح آفاق جديدة للتعاون مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي. يجب عدم التقليل من أهمّية أخذ الخطوات اللازمة لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل الماليّ.
على الرغم من أنّ الأزمات الداخلية والخارجية قد أثّرت بشكل كبير على وتيرة الإصلاحات، إلّا أنّ الفرصة لا تزال قائمة أمام لبنان لتغيير مساره. ولكن يبقى السؤال: هل تتمكّن الحكومة الجديدة من كسر الجمود وتحقيق الأهداف المنشودة؟ أم تبقى البلاد عالقة في دوّامة الأزمات والتعثّر؟
الكرة الآن في ملعب القيادة اللبنانية، والوقت ليس في مصلحتها. يعتمد المستقبل على الأفعال لا الأقوال، فإمّا أن يتّخذ لبنان خطوات ملموسة نحو الإصلاح، أو يواجه المزيد من العزلة والتدهور.