المقال الأخير...

ونسترجع المقال الأخير وجاء فيه:

يهددَوننا بالاعلان اننا "دولة فاشلة"، او "بلد فاشل" وفي ظنهم ان في هذا الاعلان ما يخيفنا، فنكف عن اللهو، ونبادر الى الرد على التحدي بوحدة صف لا تنفصم وباقبال على شد الاحزمة يتيح لنا الصمود الى أبعد حدَ.

والحال ان هذا التهديد ليس له اي فعل، فنحن صامدون، او بالاصح لقد تعوَدنا الفوضى والاتكال على الزمن، وما همَنا لو قيل اننا في دولة فاشلة؟ بل ثمة من يريدها كذلك كي يسهل اسقاطها، واحلال دولة اخرى مكانها. ولا تفسير آخر للظاهرة المتمثلة في الاحزاب العاملة في الداخل اللبناني، من مثل حزب الله او الحزب السوري القومي الاجتماعي، وسائر التنظيمات التي تنبت كالفطر هنا وهنالك وتطالب بالغاء "الكيان المصطنع " الذي تم انشاؤه قبل مئة عام، وهو لا يزال حتى الساعة يفتش عن هوية له ومعنى وجود.

بلى، اننا بلد ناشىء او " قيد التأسيس" او غير متفق بعد على مسوَغ وجوده، حيث هناك في كل يوم دعوة الى الوحدة الوطنية ـ التي لم تكتمل ـ بعد او لم تفترق بالتواطؤ بين الداخل والخارج؟

واي بلد في العالم يجيز لنفسه بمثل هذه اللعبة التي عنوانها "الشعب والجيش والمقاومة" التي ابتكرها حزب الله لتكون غطاء لوجوده السياسي والعسكري، والمانع لوجود الدولة التي لا يقوم مقامها اي تنظيم، واي حزب، واي مقاومة؟

وما من بلد يتساهل مع هذه الدعوة لالغائه وعلى ارضه بالذات. ومثالها علاقة الحزب السوري القومي الاجتماعي بدمشق او ببغداد او بالقاهرة التي هي علاقة تبعية وتنازل عن القرار والذات.

لا احد ينكر ان "تأسيس الكيان اللبناني" قبل مئة عام كان بمسعى مسيحي، ونشدانا لدولة تقوم على حرية المعتقد لا على نقيضها. فاذا صحَ ان هذا العمل التاريخي كان بمساعدة خارجية، وفرنسية تحديدا، شأنه شأن معظم البلدان التي ولدت لدى سقوط السلطنة العثمانية فهذا لا يعني ان لبنان، السياسي طبعا، هو وليد ارادة خارجية، بدليل ما حدث لدى اعلان الاستقلال اللبناني في العام 1943. والذي كان انتفاضة مسيحية على الانتداب الفرنسي الذي بدأ يتحوَل الى هيمنة دائمة وثابتة.

فمن اجل الحرية كان الكيان اللبناني ومن اجل الفصل الكامل بين الدين والدولة، او بين الدين والسياسة. وهذا ما عبَر عنه الدستور ببلاغة فكرية وسياسية ولغوية، والقائل بان " حرية المعتقد هي حرية مطلقة لا يحدَها قيد"، وهذا بغض النظر عما اذا كانت اصول اللبنانيين عربية ام لا، فارسية ام لا ... فرنسية ام لا... المهم ان يكون لبنان بلد حريات. وهو مشروع صعب وشاق، ويتطلّب وقتا. فضلا عن انه عمل اجيال لا عمل افراد. اي قيد التأسيس دائما وابدا. وما هي مئة عام من حياة شعب وبلد؟