المصدر: إندبندنت عربية 
الكاتب: دنيز رحمة فخري 
الخميس 30 تشرين الأول 2025 15:38:36
تشهد بيروت زحمة دبلوماسية لافتة تعيد بالذاكرة حركة الموفدين الدوليين والعرب إلى لبنان بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وإعلان "حزب الله" حرب الإسناد، والتي هدفت حينها إلى إبقائه على الحياد لتجنيبه حرباً مدمرة. فمن نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والزيارة المرتقبة للموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، يعود لبنان إلى دائرة الاهتمام على وقع السباق بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري.
وفي هذا السياق كشفت مصادر دبلوماسية في كل من بريطانيا وفرنسا وأميركا أن هناك عتباً على الحكومة اللبنانية وعلى رئيس الجمهورية جوزاف عون من التباطؤ الحاصل في تنفيذ قرار حصر السلاح وإطلاق مسار الإصلاحات البنيوية والقطاعية المطلوبة.
وتكشف المصادر أن "المجموعة الخماسية" (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر، مصر) كلفت مصر بمتابعة الملف السيادي ومحاولة تجفيف التوتر بين لبنان وإسرائيل مع إمكانية فتح التفاوض غير المباشر التي عبّر عنها رئيس الجمهورية. وذلك انطلاقاً من الحرص على العودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1949 بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة ومسار قيام الدولة الفلسطينية وانطلاق قطار السلام.
أما في ما يعنى بتصاعد التهويل بحرب قادمة على لبنان فتؤكد المصادر أن ذلك لا يعني حتميةَ اندلاع حرب لكن إمكانية توسع مروحة الاعتداءات الإسرائيلية خصوصاً مع رفض "حزب الله" تسليم سلاحه وانخراطه في إعادة ترميم بنيته العسكرية، وهذا يرتبط وفق قناعة دولية وعربية بقرار إيراني وليس بقرار من قاعدته السياسية أو العسكرية أو الشعبية التي تفضل الانسحاب لإعادة ترميم دورها السياسي في المرحلة المقبلة، وهذا ما تطلبه المجموعة العربية والدولية، بما يعني تفكيك الصلة الوثيقة بين "حزب الله" والقيادة الإيرانية.
وعلى الرغم من حرص دوائر القصر الجمهوري ومقر رئاسة مجلس النواب على التأكيد بأن الموفدة الأميركية لم تنقل إلى المسؤولين في لبنان تهديداً أو تحذيراً، إلا أن ما كشفته مصادر مقربة من الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري عن التقارير التي قدمتها أورتاغوس حول إعادة بناء "حزب الله" قدراته العسكرية، يعني أن الدولة اللبنانية لم تنفذ بعد ما التزمت به وأن الحجة التي قد تستخدمها إسرائيل لتوسيع ضرباتها لا تزال قائمة.
وكشفت المصادر أن أورتاغوس نقلت عن الإسرائيليين وثائق تثبت استمرار تدفق السلاح إلى "حزب الله" عبر سوريا، وهي شددت أمام الرئيس عون على أن هذا الأمر يُحتم على الحكومة عدم التباطؤ في تطبيق خطتها. ووفق المصادر المقربة من عون فإن اورتاغوس أبلغت رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة أن ليس لدى إسرائيل ثقة بأنه سيتم تفكيك ومصادرة أسلحة "حزب الله" وتعطيل الألغام في منطقة جنوب الليطاني وأن عناصر الحزب لا زالوا يتحركون في القرى الجنوبية بما فيها القرى المدمّرة على الحدود وهناك علامات استفهام حول حركةٍ مشبوهة في المنازل غير المهدمة. ونقلت أورتاغوس عن الإسرائيليين رفضهم الالتزام بوقف إطلاق النار قبل التأكد من خلو منطقة جنوب الليطاني من المسلحين والسلاح، واعتبرت أن الجيش اللبناني يقوم بواجبه لكن عمله غير كافٍ في نظر إسرائيل.
وأكد رئيسا الجمهورية والحكومة أن الجيش يقوم بدوره كاملاً وأنه مستمر في تنفيذ خطة حصر السلاح وهو فقد حتى الآن 12 عنصراً خلال تأدية مهمته، لكنه بلغ مرحلة لم يعد يتمكن فيها من استكمال انتشاره بسبب الاحتلال الإسرائيلي مما يوجب انسحاب إسرائيل حتى يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار حتى الحدود الجنوبية الدولية.
وكشفت المصادر أن الحل الأنسب والمتوفر حالياً يقتصر على تفعيل عمل لجنة "الميكانيزم"، التي جرى نقاش مطول حول مهمتها والضباط المشاركين فيها، وأبدت اورتاغوس استعداد بلادها للمساعدة في تطوير عمل اللجنة وتوسيعها وشجعت على ذلك، علماً أن قراراً من هذا النوع يقتضي موافقة الدولتين المعنيتين أي لبنان وإسرائيل.
وانطلاقا من أن المنطقة كلها تدخل في مسار جديد قائم على المفاوضات والاتفاقات اعتبرت اورتاغوس أن لبنان لا يمكن أن يتخلف عن مسار التفاوض، مهما كان شكله وتفاصيله، لكنها دعت إلى إيجاد آلية تفاوضية ملائمة، من قبيل توسيع الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، أو تشكيل لجان متعددة كما كانت قد طُرحت في الربيع الفائت، أو رفع مستوى تمثيل لبنان إلى مستوى ديبلوماسي أو سياسي. ونصحت أورتاغوس المسؤولين اللبنانيين بالاستفادة من وجود الرئيس دونالد ترمب في السلطة، وجنوحه إلى السلام والمصالحات والاتفاقيات، ورفضه الحرب. ورأت أنه لا يمكن لأحد غير ترمب أن يضغط على إسرائيل حتى تتجاوب.
أما الطريق الأسلم برأيها فهو عبر اتخاذ لبنان خطوات تطمئن الرئيس الأميركي إلى أن هناك إمكانية للشروع في التوصل إلى اتفاق، وتبديد التخوّف الإسرائيلي من عودة "حزب الله" بحلّته العسكرية إلى القرى تحت ستار عودة الأهالي. ووعدت بنقل هواجس لبنان وملاحظات المسؤولين إلى إسرائيل وإلى الإدارة الأميركية، وإذا عادت، فستكون عودتها ضمن إطارٍ واضح وسلس.
وعلى الرغم من وجود رابطٍ بين زيارة الموفدة الأميركية وزيارة الموفد المصري إلا أن المبعوثان الآتيان من إسرائيل طرحا فكرة التفاوض كحل للمواضيع العالقة قبل فوات الأوان. ووصفت مصادر في القصر الجمهوري ورئاسة الحكومة زيارة مدير المخابرات المصرية حسن رشاد بالاستطلاعية، وأنها جاءت بخلفية الاجتماع الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث سمع منه كلاماً أقلق المصريين، ما حتّم تحركاً مصرياً باتجاه لبنان بتوجيهات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لوضع المسؤولين في أجواء الكلام الإسرائيلي والبحث عن البدائل.
وأكدت المصادر أنه استناداً للدور الذي لعبته مصر في المفاوضات الخاصة باتفاق غزة، وبعد شرحٍ مفصل قدمه الضيف المصري عن الصعوبات التي قطعتها المفاوضات ومحاولات إسرائيل عرقلتها، أبلغ المسؤولين اللبنانيين استعداد بلاده القيام بالدور نفسه والمساعدة في اعتماد أي حلّ أو وسيلة يمكن أن تجنب لبنان أي تصعيد مستقبلي وتهدئة التوتر. وفيما عُلم أن رشاد لم يتطرق مع المسؤولين في شكل أو مضمون التفاوض، كشف مصدر عسكري رفيع أن المسؤول المصري شجع لبنان على ضرورة الاستفادة من الزخم الذي خيّم على ملف غزة، وأن مصر مستعدة للعب دور الوسيط، فيما شدد الجانب اللبناني على التمسك بالتفاوض غير المباشر ومن خلال آلية "الميكانيزم" وإمكانية تطعيمها بخبراء تقنيين غير سياسيين، لكن المسؤول المصري ورداً على سؤال عن احتمال تصعيدٍ إسرائيلي، لم ينف وجود أجواءٍ ضاغطة.
تُعد مصر واحدة من القوى الإقليمية المحورية في الشرق الأوسط، ولديها خبرة واسعة في إدارة الأزمات الأمنية والسياسية في المنطقة. وتتمتع بحسب الخبير في الشؤون الدولية خالد العزي، بنفوذ سياسي كبير في غزة، خاصة من خلال علاقتها الوثيقة بحركة "حماس"، مما يجعلها الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار وتنفيذ الاتفاقيات الدولية.
ويُتوقع أن تتولى مصر قيادة قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة. وتلقى المبادرة المصرية دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خاصة في ما يتعلق بتفعيل قوة الاستقرار الدولية في غزة. وتتمتع مصر بحسب العزي، "بدور قوي وفاعل في الملف اللبناني، وقد تجسد هذا الدور بشكل واضح منذ مشاركتها في اللجنة الخماسية المعنية بلبنان. فقد دعمت مصر لبنان بشكل مستمر، سواء من خلال دعم الجيش اللبناني أو عبر تأكيد التزامها بأمن واستقرار الجمهورية اللبنانية. هذا ولعبت دوراً مهماً في احتضان لبنان خلال حرب الإسناد التي فتحها 'حزب الله'، حيث كانت تسعى بشكل دائم إلى دفع لبنان وإسرائيل نحو التهدئة. وعملت على عدم ربط لبنان بجبهة غزة، مع الحفاظ على استقراره الداخلي. كما كانت هناك قنوات اتصال مستمرة بين مصر من جهة، وإسرائيل و'حزب الله' من جهة أخرى، وهذا ما منح مصر دور الوسيط الفعّال، حيث كانت توجه الرسائل الأمنية وتستقبلها، مما يتيح لها التأثير على الوضع في المنطقة".
وتسعى مصر بحسب العزي إلى "دعم الاستقرار في لبنان، وإحدى أولوياتها في هذه المرحلة هي التأكيد على ضرورة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، مما يعكس دعمها لسيادة لبنان واستقلاله. كما تعمل على الدفع باتجاه إيجاد مقاربة لحل النزاع مع إسرائيل، حيث تسعى لتسويق الطرح اللبناني القائل بأن لبنان مستعد للدخول في مفاوضات أمنية مع العدو الإسرائيلي. هذا الموقف يعكس رغبة لبنان في حماية أمنه واستقراره، بينما تحاول مصر بكل ما لديها من نفوذ تسهيل هذا التوجه والعمل على ترسيخ الأمن في المنطقة". ويعتبر الخبير في الشؤون الدولية أن "زيارة مدير المخابرات المصرية إلى لبنان بعد إسرائيل يعني أن مصر أرادت تبليغ لبنان بوجود عملٍ أمني واسع النطاق قادم، وهو ما قد تعكسه الممارسات الميدانية الإسرائيلية ضد لبنان، وخاصة في المناطق الجنوبية".