النهار- الكتائب وتسريبة "حزب الله"... لضرب الدور السياسي؟

جاء في النهار: 

في الوقت الضائع، وفي عزّ الفراغ الدستوريّ والعقم السياسيّ القائم، سرّب "حزب الله" خبراً عن لقاء جمع الأمين العام لحزب الكتائب سيرج داغر ومسؤول الملف المسيحيّ في "حزب الله" محمد الخنسا.
 
وللمرّة الأولى، يغدق "حزب الله" عبر قنواته الرسميّة بالمعلومات على جميع وسائل الإعلام المناهضة له والصديقة وجميع المتّصلين به، وهو المعروف عنه تحفّظه في التسريبات الصحافيّة، وكأنه يُريد لرسالته أن تصل إلى من يهمّه الأمر، وهي رسالة مزدوجة تطال الحلفاء والخصوم في آنٍ واحد.
 
لا تُفصح مصادر "حزب الله" سوى عن تفاصيل مدّة اللقاء والمنطقة التي حصل فيها في الضاحية الجنوبية، وسط تناقض في تحديد تاريخ اللقاء بين 10 أيّام مضت أو أسبوع أو غير ذلك، مع الإشارة إلى أن الحزب سرّب منذ نحو شهرين معلومات عن لقاء مزعوم مع نفس الأشخاص. أما عن سبب التسريب وتوقيته فتجيب المصادر بأنّه أتّى انسجاماً مع كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي أعلن أنّه "لن نتكتّم على أيّ لقاء يجري معنا، ولن نلتقي أحداً في السرّ من اليوم وصاعداً"، من دون تفاصيل إضافية.
 
لا تقف الصيفيّ كثيراً أمام التسريب، مع استغرابها مدى الاهتمام الإعلامي به في اليومين السّابقين، خصوصاً أنّ اللقاء المزعوم حصل خلال واجب اجتماعيّ في أحد المنازل في الضاحية، والأحاديث تناولت مسائل كالدين والثقافة، وبحضور أشخاص غير معنيّين بالسياسة، من بينهم زوجة المسؤول في "حزب الله" الذي سرّب شخصيّاً اللقاء، ووضعه ضمن إطار الحوار، وهذا إنْ دلّ على شيء فهو أنّ من ليس لديه "شِيَم" الحفاظ على الصداقات والعلاقات الاجتماعية، لن يملك القدرة أو المبادرة لإجراء حوار مع الكتائب أو مع غيرها، ونواب الكتائب يلتقون على هامش الجلسات التشريعيّة وبشكل دائم مع نواب من حزب الله، بالرغم من الخلاف معهم على الخيارات السياسيّة.
 
اللقاءات بين نواب الحزبين يمكن أن تحصل في مجلس النواب أو بين المسؤولين في الحزبين في مناسبات اجتماعيّة معيّنة، وأن تحضر السياسة في الأحاديث أمر طبيعيّ، لكن غير الطبيعي إضفاء الطابع السياسيّ لأي لقاء أو مناسبة اجتماعيّة وتصوير المسألة على أنّها تواصل سياسيّ بين الكتائب و"الحزب"؛ فللحوار أصوله وآليّاته وخطط عمله وجدول أعماله، فهل هذه الأمور موجودة في هذه اللقاءات؟
 
لا إشكالية في الكلام مع "حزب الله" بالمطلق، لا بل إنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميّل دعا "حزب الله" في خطابه في ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميل إلى ملاقاة اللبنانيين الرافضين لهيمنته وسيطرته على الدولة. حتى الطلاق الذي تحدّث عنه الجميّل له عدّة أشكال، وهناك "طلاقات حبّية وبالاتفاق".
 
الإشكاليّة الكبرى تكمن أوّلاً في النيّة من التسريب؛ فالمسار السياسيّ منذ الـ2005 جعل من أيّ حوار مع "حزب الله" بمثابة استجداء أو خضوع له، وأصبح أيّ كلام مع "الحزب" يرتبط بتجربة مار مخايل التي سلّم فيها "التيار الوطني الحر" الاستراتيجيا للحزب مقابل الحكم وحصص في الدولة اللبنانية، وهذا ما لا يصحّ على حزب الكتائب بالذات، الذي لو أراد السير بهذا المسار لكان قَبِل بتسوية 2016، وتنازل استراتيجياً، وظفر بحصّة في السلطة، وهو بالفعل ما عرض عليه ورفضه، وظلّ متمسّكاً بخياراته الاستراتيجية، بل دفع ثمنها من محاربة لفترة طويلة، وربما أحد أسباب التسريب هذا الأمر.
 
أما الأمر الثاني فهو ضرب الدور، الذي يحافظ عليه حزب الكتائب. فعلى مرّ التاريخ كان الدور هو الأساس في عمل الحزب السياسيّ. ففي عزّ صعود الكتائب أو كما يُقال "الأيام الذهبية"، لم تكن الكتائب تمتلك كتلة نيابيّة كبيرة، ولم يتجاوز عدد نوابها التسعة، لكنّ دورها كان أساسيّاً، ومؤسّساً للكيان. وبعد العام 2005، استُهدف حزب الكتائب باغتيال أهمّ قائدٍ من قادته، والذي شكّل نبض ثورة الأرز، وهو الشاب بيار الجميل، إلى جانب النائب أنطوان غانم، وذلك نظراً للدور الذي كانت تقوم به الكتائب، إنْ كان عبر لقاء قرنة شهوان أو البريستول أو عبر حركيّتها في المعارضة. واليوم، يبدو أن هذا الدور مستهدف أيضاً بعد حركيّتها في المعارضة النيابية وقدرتها على التواصل والجمع بين مختلف الأفرقاء، وهو ما تقوم به اليوم، عبر الإيحاء بأنّها ليست أهلاً لهذا الدور، وهي تعمل تحت الطاولة.
 
وفي النهاية، العبرة من أيّ لقاء هي في خواتيمه، وليس باللقاء في حدّ ذاته. وطالما أنّ الأمور مجمّدة فلا أهمّية لأيّ أمر إن جرى ألف لقاء أو لم يجرِ.