الهجوم الانتقامي افتقد عنصر المفاجأة

حقق "حزب الله" الانتقام لقائده العسكري فؤاد شكر قبل انتهاء مهلة الشهر على الاغتيال، بما يرضي بيئته لجهة ما وعد به من تصفية الحساب مع إسرائيل. وتفيد معطيات أن جهات سياسية عدة في لبنان، ومنها قريبة جدا من الحزب كانت على اطلاع مسبق على ما يعتزم القيام به، وبالتوقيت التقريبي، أي خلال أيام، بدأ العد العكسي لها منذ بداية الأسبوع الماضي، بل إن تداولا سياسيا واسعا حصل حول الموضوع. ولذلك لم يكن الهجوم مفاجئا لهذه الجهات ولعدد من الديبلوماسيين الأجانب تلقوا الرسالة نفسها، وهم على خط التواصل مع إسرائيل. لذلك كان الجميع في الانتظار إذا صح التعبير. وسجل تحرك إسرائيل استباقيا نقطة لمصلحتها على خلفية زعمها بمعلومات استخباراتية مسبقا حول هجوم الحزب، ما سمح لها بإجهاضه وفق قولها، فيما أعلن الحزب أن الهجوم لم يجهض وتمت متابعته على رغم مبادرة إسرائيل إلى فتح المعركة، لئلا يسجل لها النجاح في إجهاضه أيضا ويبدو الحزب ضعيفا لو تراجع.

يمكن القول إن الجميع كان يعلم. ولذلك خرجت إسرائيل راضية بعد رد الحزب، وقالت إنه لم يؤثر عليها، على غير ما رمى إليه الحزب الطي خرج راضيا أيضا بتنفيذه الهجوم، كما أن لبنان واللبنانيين ومعهم غالبية المجتمع الدولي لم يخفوا رضاهم لعدم توريط لبنان والمنطقة في حرب شاملة. ظهر الأمر بمثابة نموذج مصغر للهجوم الذي قامت به إيران في 13 نيسان الماضي من حيث توقع الرد والتحسب له، مع استباقه هذه المرة من إسرائيل وفق ما أقر به الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.

بالمعيار الإسرائيلي، فشل هجوم الحزب ولم يصب الأهداف العسكرية التي حددها وفق ما قال المسؤولون الإسرائيليون، فيما معيار الحزب أنه أرسى قواعد الردع مجددا، علما أن هذا الأمر يظل مرهونا بالوقت لرصد مدى التزام إسرائيل أو لا.

لكن الرسالة الواضحة المتعددة المضمون وصلت على نحو مؤكد، ومؤداها أن الحزب قام بما عليه من رد فعل انتقامي لإعادة الاعتبار إلى ما يسميه قواعد الاشتباك بينه وبين إسرائيل وإنهاء الأمر عند هذا الحد، بحيث أعطى كلمته للبنانيين الذين نزحوا بأنهم سيعودون إلى منازلهم، وتجنب التسبب بحرب واسعة من خلال تأكيد استهدافه أو نيته استهداف قواعد أو مراكز عسكرية بعيدة من المدنيين، وهي نقطة مهمة. فالحزب يسعى إلى بناء سمعته في الخارج، ومعه إيران. وقد نقل المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني إبرهيم رضائي، بعد اجتماع مع عباس عراقجي المرشح لتسلّم حقيبة الخارجية في حكومة مسعود بزشكيان، أن عراقجي أكد خلال الاجتماع مع النواب أنه "يجب استخدام القدرات السياسية والديبلوماسية كافة لتحقيق أهداف محور المقاومة والاعتراف بفاعليته دولياً ودعمه في شكل مستمر، بخاصة في فلسطين ولبنان، وتحديدا غزة وحركات المقاومة في المنطقة"، مشددا على " ضرورة إيجاد الشرعية الدولية لمحور المقاومة، ومساعدته على ذلك".

ولكن حتى لو كان الأمر منسجما مع هذا الخطاب الإيراني، بغض النظر عن مستواه النظري أو العملاني، فإن الحزب أدرك تماما الخسارة الجسيمة لحركة "حماس" في ضمان التعاطف العربي أو الدولي مع مقاومتها إسرائيل نتيجة استهدافها الواسع للمدنيين في عملية "طوفان الأقصى".

ترك كلام نصرالله صدى عن أنه أخذ في الاعتبار المفاوضات القائمة على خط وقف النار في غزة من أجل تأجيل الرد واضطرار الحزب إلى القيام بهجومه، فهو لا يرغب في إطاحة المفاوضات ويؤيد استغلال المدة المتاحة للقيام بطلك انطلاقا من أن الرد الانتقامي، في حال وقف النار، سيكون صعبا.

المهم في هذا السياق بالنسبة إلى بعض المراقبين طي صفحة حرب واسعة بين الحزب وإسرائيل، ثبت في ضوء الهجوم الأخير صعوبتها، بل استحالتها في الظروف الراهنة لاعتبارات تتصل بجملة أمور، من بينها حسابات إيران وانهيار لبنان والأكلاف الباهظة على الحزب الذي لم يتوقع أن تستمر الحرب كل هذا الوقت، وفق تعبير نائب الأمين العام للحزب في نيسان الماضي، وقد دخلها الحزب التزاما لمساندة حلفائه في محور الممانعة ودعم غزة، لكنهما غدت مكلفة جدا للبنان ولنازحيه من الجنوب، فيما يطل فصل الشتاء وتزداد وطأة إفلاس الدولة وعدم قدرتها على مساعدة النازحين.