المصدر: اندبندنت عربية
الكاتب: طوني بولس
الثلاثاء 3 حزيران 2025 10:11:29
لا يقتصر نفوذ “حزب الله” في لبنان على سلاحه وتنظيمه العسكري، بل يمتد عبر شبكة مدنية وتربوية وخيرية تستخدم كأدوات ناعمة لبناء مجتمع موازٍ يتبع عقيدته ويخدم مشروعه السياسي. من “جمعية القرض الحسن” التي تعمل كمصرف موازٍ خارج رقابة الدولة، إلى “مدارس المهدي” و”التعبئة التربوية” التي تغرس مفاهيم ولاية الفقيه بين الأطفال والطلاب، يعيد الحزب تشكيل البنية الاجتماعية والثقافية من الأساس، كذلك تتهم جمعيات كـ”كوثر” و”وتعاونوا” و”أخضر بلا حدود” بتنفيذ أجندات أمنية وتغيير ديموغرافي تحت ستار الخدمات.
كثيراً ما عرف “حزب الله” في لبنان منذ تأسيسه عام 1982 كقوة عسكرية وسياسية بارزة، تعاظم دورها خلال الحرب الأهلية وكذلك بعد انتهائها، فيما تعتبر مرحلة ما بعد حرب يوليو (تموز) 2006 والأعوام التي تلتها “فترة ذهبية” شهدت على ازدياد قوته، قبل أن يتلقى الضربات القاسية في الحرب الأخيرة ضد إسرائيل.
وفيما تحظى قوته العسكرية وسلاحه بكثير من الاهتمام، تبقى مؤسسات عدة تابعة لهذا الحزب بعيدة من الضوء على رغم أهميتها، المالية والاجتماعية والسياسية.
وفي هذا السياق، قد لا يعلم كثر أن للحزب ذراعاً مدنية واجتماعية واسعة النطاق، تستخدم لتحقيق أهداف أبعد من ظاهرها الخيري. هذه المؤسسات التي نمت وترعرعت خلال العقود الماضية، لم تكن فقط لتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، بل أصبحت أدوات فعالة لتعزيز نفوذ الحزب السياسي والاجتماعي، وحتى الديموغرافي، مع امتدادات تتخطى لبنان إلى الخارج، ولا سيما في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
وتجمع تقارير دولية عدة على أن هذه المنظمات المدنية تمثل “اليد الخفية” لـ”حزب الله”، وتستخدم كوسائل تمويه متقدمة لتفادي الملاحقة المالية الدولية، فالحزب يدير شبكة معقدة من الجمعيات والمؤسسات المرخصة والقانونية، وتضم في صفوفها شخصيات نافذة من رجال أعمال ووجهاء محليين وشركات وهمية، مما جعلها إلى حد كبير بعيدة من أعين الرقابة.
إلى جانب ذلك، تؤدي هذه المنظومة من المؤسسات دور السلاح السري في مشروع اختراق المجتمعات، كما يقول معارضو الحزب، عبر تقديم المساعدات والإغراءات المالية، وشراء الولاءات، وتثبيت الحضور الحزبي في البيئات “المحرومة” أو المهمشة. والأخطر أن هذه المؤسسات تشكل جزءاً لا يتجزأ من مشروع الحزب لتقديم نفسه كبديل كامل عن الدولة، من خلال إنشاء مؤسسات رديفة تحاكي بنية الدولة، بما يشمل “الجيش” الخاص، و”مصرفاً مركزياً” متمثلاً بجمعية “القرض الحسن”، وصولاً إلى منظومة صحية وتربوية واجتماعية متكاملة.
فما أبرز هذه الجمعيات والمؤسسات؟ وما دورها؟ وهل تصبح مستهدفة في مرحلة لاحقة؟
من القرض الحسن إلى “كوثر” و”وتعاونوا”
أُسست أولى مؤسسات الحزب المدنية مطلع الثمانينيات، مع انطلاقته كحركة حملت عنوان محاربة إسرائيل. وكان أبرزها “جمعية القرض الحسن” عام 1982، التي تعرف نفسها كجمعية خيرية تقدم القروض من دون فوائد، وتعتمد مبدأ “القرض الحسن” الإسلامي. لكن هذه الجمعية، التي نمت بصورة ملحوظة بعد الأزمة الاقتصادية اللبنانية عام 2019، تحولت عملياً إلى “مصرف موازٍ” يعمل خارج إطار النظام المصرفي اللبناني الرسمي. وقد وصلت قيمة القروض التي قدمتها إلى نحو 3.7 مليار دولار منذ تأسيسها، وفق بعض التقارير، مستفيدة من انهيار القطاع المصرفي اللبناني لتعزيز مكانتها.
عام 2020، كشف اختراق إلكتروني عن أكثر من 400 ألف حساب في الجمعية، مما عزز الشبهات حول استخدامها كقناة مالية سرية للحزب، ودفعت وزارة الخزانة الأميركية إلى إدراجها على قائمة العقوبات.
“جمعية كوثر” الاجتماعية، أُسست عام 2002، وتعمل في مجال الزواج وتأمين المساكن للمقاتلين وعائلاتهم، لكن دورها الاجتماعي كانت حوله شبهات كبيرة في الأشهر الماضية، إذ كشفت تقارير صحافية عن شراء الجمعية أراضي وعقارات في مناطق ذات حساسية طائفية، بخاصة في جبل لبنان الجنوبي، وتحديداً في بلدة الرميلة التي تتضمن أكثرية مسيحية من القاطنين، مما أثار اتهامات جدية حول دورها في محاولات تغيير ديموغرافي ممنهج، تحت غطاء اجتماعي.
جمعية “وتعاونوا” تتبع بدورها “حزب الله”، وهي أُسست عام 2007 بعد حرب يوليو، وهي تقدم الإغاثة والمعونات في القرى الجنوبية الحدودية التي تضررت من الحروب. غير أن تقارير دولية، ومنها تقرير معهد “ألما” الإسرائيلي، تتهم الجمعية التي يترأسها عفيف شومان علناً بأنها “واجهة مدنية للحزب”، وتستخدم نشاطها الإنساني كغطاء لنشاطات لوجيستية وعسكرية خفية. وتعرضت مراكز الجمعية لقصف إسرائيلي آخره قبل نحو أسبوعين في بلدة حولا، وسط اتهامات بأنها تخفي أسلحة أو تستخدم لأغراض عسكرية.
“أخضر بلا حدود” وجهاد البناء
أيضاً تبرز جمعية “أخضر بلا حدود” التي أُسست عام 2013 وتعرف عن نفسها كمنظمة بيئية تعنى بالتشجير والمحميات الطبيعية. غير أن تقارير أممية ودولية، إلى جانب تحقيقات أمنية، كشفت عن أن هذه الجمعية ليست سوى غطاء بيئي لعمل عسكري منظم تابع للحزب.
وفي السياق أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير أرسله إلى مجلس الأمن عام 2020، إلى أن قوات “اليونيفيل” ما زالت تمنع من الوصول إلى مناطق عدة على الجانب اللبناني من الخط الأزرق، خصوصاً إلى مواقع مرتبطة بإطلاق الصواريخ على “إسرائيل” من بينها مواقع لجمعية “أخضر بلا حدود”.
وتعزز الشبهات حول دور هذه الجمعية مع صدور بيان عن وزارة الخزانة الأميركية في أغسطس (أب) عام 2023، أضيفت فيه على قائمة العقوبات، باعتبارها “واجهة لحزب تستخدم لإنشاء مواقع مراقبة، وتخزين معدات عسكرية، وتنفيذ أنشطة استطلاع في الجنوب اللبناني، كل ذلك تحت ستار الحفاظ على البيئة”، وجاء في البيان أن الجمعية “تدار من قبل أفراد يعملون مباشرة تحت إشراف وحدات في الحزب.
وتلفت تقارير الخزانة الأميركية إلى أن مواقع “أخضر بلا حدود” تشكل جزءاً من بنية عملياتية متكاملة تهدف إلى فرض أمر واقع عسكري في المناطق الحدودية، من دون إثارة الشبهات أو المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي. وبذلك تتحول البيئة إلى وسيلة استراتيجية في يد الحزب، يستخدمها لخرق القرارات الدولية، والتمدد الجغرافي والعسكري تحت عباءة العمل المدني.
كذلك تضم شبكة الحزب المدنية مؤسسات أخرى مثل “جهاد البناء”، التي تعنى بالبنى التحتية وإعادة الإعمار، وأخرى تدعم عائلات مقاتلي الحزب، و”جمعية الإمداد الخيرية” التي تقدم المساعدات للفقراء والأيتام. وعلى رغم الطابع الإنساني الظاهر لهذه المؤسسات، فإنها تتهم بخلق بيئة تعتمد على الحزب كلياً، وتعزز ولاءها له سياسياً وعقائدياً.
الذراع الصحية
تعتبر “الهيئة الصحية الإسلامية” الذراع الصحية الأبرز لـ”حزب الله”. أُسست عام 1984 خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وتوسعت بعد انتهاء الحرب لتصبح شبكة من المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات التي تقدم الرعاية شبه المجانية، بخاصة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
تعمل الهيئة في مجال الإسعاف الميداني، وتواكب عمليات الحزب العسكرية، إذ تنقل الجرحى وتؤمن الدعم الطبي في مناطق النزاع. في الوقت نفسه تحظى الهيئة بدعم شعبي داخل بيئة الحزب، إذ تغطي فراغات الدولة، وتقدم الخدمات الصحية بأسعار رمزية، مما يكرس اعتماد المجتمع المحلي على مؤسسات الحزب بدل الدولة.
وخلال الحرب الأخيرة تعرضت سيارات إسعاف ومراكز تابعة للهيئة لقصف مباشر، مما أدى إلى مقتل عدد من المسعفين، وارتفعت الأصوات الحزبية لتصوير الهيئة كجزء من الجبهة المقاتلة وليس كمجرد مؤسسة صحية، مما عزز البعد الجهادي حتى في قطاع الطبابة، فيما تتهمها إسرائيل بأنها جزء من البنية التحتية للحزب.
جناح “التعبئة التربوية”
إلى جانب الأذرع الصحية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، يولي “حزب الله” أهمية استراتيجية للقطاع التربوي، إذ يشكل “جناح التعبئة التربوية” إحدى أبرز أدواته الناعمة، لكنها الأكثر فاعلية في زرع الولاء العقائدي والسياسي لدى الأجيال الناشئة.
وتعد التعبئة التربوية الجهاز الحزبي المسؤول عن الإشراف على البرامج التربوية والثقافية داخل المدارس الرسمية والخاصة، فهذا الجناح لا يكتفي بأنشطة طلابية تقليدية، بل يعمل على تطويع التعليم لخدمة المشروع الأيديولوجي للحزب، المرتكز على ولاية الفقيه والعقيدة الثورية الإيرانية.
في المدارس، لا سيما تلك الواقعة في بيئة الحزب ومنها في الضاحية الجنوبية وبلدات جنوبية، تقوم التعبئة بتنظيم دورات كشفية بعناوين دينية وعسكرية، كذلك تشرف على نشر صور الأمين العام للحزب السابق حسن نصرالله والمرشد الإيراني علي خامنئي داخل الصفوف. وقد رصدت حالات يُستبدل فيها بالنشيد الوطني اللبناني “دعاء الفرج”، مما يعكس مدى التغلغل العقائدي في العملية التعليمية.
أما في الجامعات فتتحرك التعبئة التربوية ضمن اتحادات الطلاب، وتسعى إلى تجنيد الكفاءات في مجالات الإعلام والهندسة وتكنولوجيا المعلومات، وتوجيهها لاحقاً لخدمة المنظومة الحزبية، كذلك تنظم معارض ثقافية وسياسية، تروج لمفاهيم الحزب و”الثورة الإيرانية”.
وتستخدم التعبئة التربوية أسلوب التحفيز المادي لاستقطاب الطلاب وعائلاتهم، إذ تقدم منحاً مدرسية، وكتباً وقرطاسية بأسعار رمزية، وتوفر دعماً مالياً للعائلات الفقيرة مقابل إدخال أبنائها إلى المدارس التي يشرف عليها الحزب.
وفي السياق تأتي “المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم” التي أسست عام 1993 وتدير شبكة “مدارس المهدي” المنتشرة في بيئة “حزب الله”، وهي تقدم تعليماً مزدوجاً: أكاديمي رسمي، وعقائدي حزبي، تدرس هذه المدارس المناهج اللبنانية، لكنها تدمج فيها محتوى خاصاً.
وقد أثارت هذه المدارس ضجة كبيرة عام 2009 وفي الأعوام اللاحقة، عندما استبدلت باللغة الفرنسية اللغة الفارسية، في سابقة مثيرة للجدل في لبنان. في المقابل يؤكد أولياء أمور وطلاب سابقون أن المدرسة لم تكن تعلم الفرنسية إطلاقاً، بل تقدم الفارسية منذ المرحلة المتوسطة حتى البكالوريا.
الدولة داخل الدولة
تكشف هذه الصورة أن “حزب الله” لا يستخدم هذه المؤسسات فقط لتقديم الخدمات، بل لتثبيت سلطته الاجتماعية، فهو يؤسس لمجتمع موازٍ مكتفٍ ذاتياً تربوياً وصحياً واقتصادياً، لا يحتاج إلى الدولة، بل ينافسها. وفي المقابل يغيب المشروع التربوي والصحي للدولة عن هذه المناطق، مما يتيح للحزب أن يملأ الفراغ ويكسب الولاء.
ويثير هذا الواقع مخاوف من أن يؤدي إلى ترسيخ هوية فرعية دينية – حزبية تتفوق على الهوية الوطنية، وتعمق الشرخ الطائفي، فالطالب الذي يلقن أن قائد الحزب هو ممثل الإمام، وأن دولة الولي الفقيه هي المرجع، لن ينشأ كمواطن في دولة مدنية بل كعنصر في تنظيم أيديولوجي.
وبات واضحاً أن هذه المؤسسات، بقدر ما توفر خدمات اجتماعية، فإنها تشكل سلاحاً ناعماً يستخدم لتطويع المجتمع وتكريس هيمنة الحزب، في الداخل والخارج، عبر أجيال تُربى على الولاء للعقيدة والسلاح. وفي ظل ضعف الدولة يستمر الحزب في تثبيت هذا النموذج الذي يطرح تحدياً على فكرة الدولة الجامعة ومفهوم المواطنة في لبنان.
اقتصاد خارج عن القانون
في قراءة لدور هذه المؤسسات وتأثيرها، يرى الباحث والأكاديمي في قسم التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مكرم رباح، أن جمعية “القرض الحسن” تمثل أبرز مظاهر تجاوز الحزب للدولة اللبنانية، ليس فقط عسكرياً أو أمنياً، بل اقتصادياً ومالياً أيضاً. ويعتبر أن الجمعية أقرب إلى “مصرف موازٍ” يفتقر إلى أي نوع من الرقابة المصرفية أو القضائية، وتعمل خارج منظومة مصرف لبنان وقانون النقد والتسليف.
وبحسب رباح، خطورة “القرض الحسن” لا تكمن فقط في كونها تقدم خدمات مالية خارج النظام الرسمي، بل في استخدامها كأداة لإعادة بناء قاعدة اجتماعية تدين بالولاء الكامل للحزب، بخاصة في ظل الانهيار المالي الذي أدى إلى فقدان الثقة بالمصارف التقليدية. ويشير إلى أن الجمعية تعتمد على شبكة أمنية وعقائدية لحماية أموالها، كذلك فإنها تمثل تهديداً مباشراً لأي محاولة لبناء دولة لبنانية حديثة تحكمها المؤسسات الرسمية لا الأحزاب المسلحة.
ويلفت إلى أن أي مواطن لبناني يودع أمواله في “القرض الحسن” يخضع لسلطة غير مدنية وغير قضائية، ولا يملك أي ضمانات لاسترداد أمواله، كذلك فإن الجمعية تحتفظ بسجلات غير خاضعة للتدقيق، وتدار من شخصيات معاقبة أميركياً بتهم تمويل الإرهاب. في رأيه، هذه المؤسسة ليست مجرد مخالفة قانونية، بل رأس حربة في مشروع إقامة اقتصاد لهذا الفريق بديل يقوض فكرة الدولة من الأساس.
كلام رباح يتوافق مع ما قاله الصحافي الاقتصادي خالد أبو شقرا، الذي اعتبر أن “حزب الله” أنشأ اقتصاداً موازياً، يتمتع ببنية مؤسساتية متماسكة لكنها خارجة عن القانون. ويقول إن خطورة “القرض الحسن” لا تتعلق فقط بالخدمات التي تقدمها، بل بقدرتها على استبدال النظام المصرفي التقليدي عبر شبكة ضخمة من الفروع، وآلات السحب الآلي، ونظام داخلي للإقراض قائم على الثقة الطائفية والانضباط الحزبي.
ويضيف أن الجمعية باتت ملاذاً للأموال غير المصرح بها، وأن وجودها يستخدم أحياناً لتبييض أموال ذات مصدر مشبوه، أو للتمويل غير الشرعي، سواء من إيران أو من أنشطة الحزب في أفريقيا وأميركا اللاتينية، على حد قوله.
ويحذر من أن استمرار الجمعية في العمل بهذه الطريقة يكرس مفهوم “الاقتصاد الطائفي العقائدي”، ويهدد بتفتيت السوق اللبنانية إلى أسواق موازية تخضع لنفوذ ميليشيات.
أدوات لتغيير الديموغرافية
من ناحيتها، أعربت المحامية ريتا بولس عن قلقها إزاء عمليات التملك العقاري التي تقوم بها جمعية “الكوثر” في منطقة ساحل الشوف، معتبرة أن هذه الأنشطة قد تكون جزءاً من خطة ممنهجة لتغيير البنية الديموغرافية للمنطقة تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي.
وأشارت إلى أن الجمعية اشترت عقارات في بلدات مثل الرميلة والدبية والدامور، وسجلتها في السجل العقاري من دون علم البلديات المعنية والاستحصال على الإفادات اللازمة للتسجيل، مما يثير تساؤلات حول أهداف الجمعية ومصادر تمويلها.
وأضافت أن مؤسس الجمعية هو شخص غير لبناني يدعى عيسى علي أصغر طبطبائي نجفي، كما كشفت لنا وفق ما لديها من وثائق أن أحد أعضاء هيئة الجمعية هو علي تاج الدين، الملاحق عبر عقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية.
ودعت الدولة اللبنانية إلى تفعيل الأجهزة الرقابية والقضائية لمتابعة هذه العمليات المشبوهة، مطالبة تفعيل النيابة العامة المالية التحقيق في مصادر تمويل الجمعية وأهدافها الحقيقية، ووضع إشارات لمنع التصرف على هذه العقارات المملوكة من قبل الجمعية إلى حين انتهاء التحقيقات والتأكد من مصادر التمويل.
وشددت على أهمية دور البلديات في حماية الهوية العمرانية والديموغرافية للبلدات، وإعداد مخطط توجيهي لتصنيف الأراضي ومنع التمدد العمراني العشوائي، مؤكدة أن الحفاظ على التوازن الديموغرافي في المناطق اللبنانية هو مسؤولية وطنية، داعية جميع الجهات المعنية إلى التحرك السريع والفعال لمواجهة هذه التحديات.
كيف يرد “حزب الله”؟
في المقابل، ينفي الحزب كل الاتهامات التي تتحدث عن استخدامه للجمعيات المدنية كأذرع أيديولوجية أو أمنية، ويؤكد أن هذه المؤسسات تنشط حصراً في المجالين الاجتماعي والإنساني لخدمة المجتمع. ويصف هذه المزاعم بأنها جزء من “حملة سياسية وإعلامية ممنهجة” تستهدف بيئته، وتهدف إلى ضرب مؤسساته التي تسد الفراغ الناجم عن تقاعس الدولة في تلبية حاجات المواطنين.
وكان الأمين العام السابق حسن نصر الله قال عام 2021، إن “القرض الحسن” ليست ذراعاً مالياً للحزب ولا تعمل في التجارة أو الاستثمار، بل تقدم خدمات اجتماعية ومالية للفقراء والمحتاجين، وتابع “هذه المؤسسة لا تموّل الحزب ولا تنفّذ عملاً تجارياً… وهي مبنية على مساهمات الناس وثقتهم”.
وفيما يخص جمعية “أخضر بلا حدود”، التي أُدرجت على لائحة العقوبات الأميركية واعتُبرت غطاءً عسكرياً للحزب، فقد نفى رئيسها زهير ناهلي في تصريح لوكالة “أسوشييتد برس” أية علاقة تنظيمية مع الحزب، قائلاً “نحن لسنا ذراعاً لأحد… نحن جمعية بيئية تعمل لكل الناس ولسنا مُسيّسين”. وقد أكد الحزب بدوره، وفق ما نقلت الوكالة، أنه لا توجد أية علاقة تنظيمية تربطه بهذه الجمعية، وأنها مؤسسة مستقلة تعمل في مجال التشجير والمحميات الطبيعية.
“الهيئة الصحية الإسلامية” التي وُجهت إليها اتهامات إسرائيلية بأنها واجهة طبية لأعمال أمنية، كانت ردت بدورها في بيان مؤكدة “أنها تلتزم بمهامها الإنسانية حصراً، وأن طواقمها تعمل لإغاثة الجرحى وتقديم الرعاية الصحية، وأن استهدافها المتكرر من قبل إسرائيل يهدف إلى منعها من أداء واجبها الإنساني في مناطق المواجهة”.
وفي السياق نفسه، قال النائب عن “حزب الله” حسن فضل الله في تصريح صحافي إن مؤسسات الحزب “تسعى إلى تخفيف معاناة الناس وتحقيق التنمية حيث تعجز الدولة، بعيداً عن أي اعتبارات فئوية أو سياسية”، فيما يرى مقربون من الحزب أن هذه المؤسسات ليست سوى امتداد للدور الاجتماعي، وأنها وُجدت لخدمة المواطنين في التعليم، والصحة، والإغاثة، وتوفير الاستقرار في بيئاتها، وليست أدوات عقائدية أو أمنية كما تدعي بعض التقارير الغربية.
“مجتمع شيعي”
في كتابه المرجعي “دولة حزب الله: لبنان مجتمعاً إسلامياً”، يقدم المفكر والكاتب اللبناني وضاح شرارة قراءة مبكرة واستشرافية لطبيعة المشروع المجتمعي الذي يعمل عليه الحزب منذ الثمانينيات. ويشير إلى أن “حزب الله” لم يكتف بالدور العسكري والأمني، بل شرع مبكراً في تأسيس بنية اجتماعية واقتصادية وثقافية موازية للدولة، تهدف إلى إنتاج “مجتمع مقاومة”، لا مجرد عناصر تابعة له.
وبحسب شرارة، المؤسسات المدنية للحزب – من مدارس المهدي، إلى جمعيات “الإمداد”، و”الهيئة الصحية الإسلامية”، و”جهاد البناء” – ليست مجرد أدوات خدمية، بل جزء من مشروع شمولي يستهدف إعادة صياغة الإنسان الشيعي في لبنان ضمن قالب ديني عقائدي يتماهى مع الولي الفقيه. يرى أن هذا “المجتمع” يخضع لتربية جماعية تبدأ من رياض الأطفال حتى الجامعات، وتغذى عبر الخدمات والزواج والعمل والسكن، بما يجعل الفرد يدين بوجوده للحزب لا للدولة.
ويؤكد شرارة أن هذه المؤسسات تستخدم أيضاً كأغطية لنشاطات غير مشروعة – من تبييض أموال إلى تسهيل تحركات الحزب المالية في الداخل والخارج – وتدار بمنطق الحرس الثوري أكثر مما تدار كمؤسسات مجتمع مدني. برأيه، الخطر الأكبر يكمن في أن هذا النموذج يتفشى ويتوسع مستغلاً ضعف الدولة وانهيارها، ليطرح نفسه كبديل نهائي عن الدولة الوطنية الحديثة.