المصدر: المدن
الكاتب: جاسنت عنتر
السبت 19 تموز 2025 11:12:38
لم تلتزم إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الثاني 2024، بحجة أن سلاح حزب الله يشكل خطراً على أمن وسلامة شعبها، فيما يعتبر الحزب أن مسألة السلاح "شأن داخلي". في المقابل، تحاول الولايات المتحدة الأميركية، بصفتها "الوسيط الأهم"، إنقاذ المنطقة من خلال اتفاقات وإجراءات تعتبرها ضرورية لإعادة الأمن والاستقرار. وقد أرسلت عبر الموفد الأميركي توم باراك "ورقة" تتضمن نقاطًا عدّة على لبنان الالتزام بها.
كواليس "الثنائي الشيعي"
جاء الرد اللبناني على "الورقة" مطلع الأسبوع الفائت، بعد مشاورات ولقاءات واتصالات بين الرؤساء الثلاثة: رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، إلى جانب مستشاريهم. وتولى بري التفاوض مع حزب الله بشأن الرد الذي صيغ ببصمة "الثنائي".
لكن موقف الحزب بعد اجتماع كتلته النيابية الدوري بدا متباينًا. فما الذي تغيّر؟
بالعودة إلى الـ48 ساعة التي سبقت وصول الموفد الأميركي إلى بيروت وتسلّمه الرد اللبناني، أفادت مصادر في "الثنائي الشيعي" لـ"المدن" أن سلسلة لقاءات عُقدت بين حزب الله وحركة أمل -قد تكون أعادت إلى الواجهة ثنائي "الخليلين": النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل- وتُوجت باجتماع بين بري وحسين الخليل، تم خلاله الاتفاق على عدم القبول بورقة باراك "كما هي"، وأن الأفضل أن يكون هناك "رد لبناني" بصياغة لبنانية، منفصل عن الإجابة المباشرة على الورقة الأميركية.
تؤكد المصادر أنه تم الاتفاق مع عون وسلام على الصيغة التي ارتكزت على عدّة أمور، أبرزها ضرورة العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، والانسحاب الإسرائيلي، وصولًا إلى استعداد لبناني لتطبيق مسار يؤدي إلى "تحقيق الاستقرار الدائم في لبنان". الجملة الأخيرة لم تكن عادية. وعند سؤال المصدر عن المقصود ، وهل تعني تسليم السلاح؟ أجاب: "إنه شأن لبناني، ولكن كل شيء بوقته حلو".
تُظهر هذه المعلومات أن حزب الله راضٍ عن الرد اللبناني على ورقة باراك، ويؤيد المفاوضات، كما أنّ موقفه يتناغم -ولو جزئيًا- مع موقف الدولة من الرد، وهو ما شدد عليه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير.
موقف الكتلة المستجد
في موازاة ذلك، قالت كتلة "الوفاء للمقاومة" في بيانها: "إن ورقة الاقتراحات الأميركية التي قدّمها الموفد الأميركي توم باراك، هي مشروع اتفاق جديد، في حين أنّ هناك اتفاقاً منذ 27 تشرين الثاني 2024 التزم لبنان بتطبيقه كاملًا، ولم ينفذ العدو الإسرائيلي أي بند منه. لذلك فإنَّ المطلوب أولاً هو إلزام العدو بتطبيق مندرجات ورقة الإجراءات التنفيذية للقرار 1701، قبل الانتقال للحديث أو البحث في أي إجراء آخر".
قد تفسر هذه العبارة كتراجع، أو تباين في المواقف، أو حتى إعادة تموضع. إلا أن مصادر مقرّبة من حزب الله توضح لـ"المدن" أن الحزب شعر بوجود "اتفاق جديد يُحاك في الأفق"، وهو لن يقبل بذلك. وتضيف المصادر: "فلتُطبّق إسرائيل اتفاق تشرين، ومن ثم نبحث في اتفاقات أخرى"، وتتابع: "نكرر... تسليم السلاح شأن داخلي نبحثه مع الرئيس عون". وهذا ما عبّر عنه بيان الكتلة بوضوح، حيث جاء فيه: وعلى هذا الأساس تجدّد الكتلة استعدادها لمناقشة هذه المسائل مع كل الجهات اللبنانية الجادّة، بعيدًا عن الضغوط الخارجية، وصولًا إلى استراتيجية وطنية للأمن والدفاع عن لبنان وسيادته".
وعند السؤال عن التنسيق مع رئيس الجمهورية حول هذا الموقف المستجد -خصوصاً وأن هناك قنوات مفتوحة بين الحزب وبعبدا- أجابت المصادر: "البيان منشور، والذي يريد الاطلاع عليه يمكنه ذلك".
الحزب وبري: بين العسل والمرّ
لا يخفى البعض الحديث عن "تحفظ" بري حيال مواقف الحزب ذات السقوف العالية، التي قد تعرقل أحيانًا المفاوضات التي يديرها بحنكة وذكاء. إلا أنه، وكعادته، يسعى لاحتواء الأزمة والتمسك بوحدة "الثنائي".
وتؤكد مصادر عين التينة لـ"المدن" أن المفاوضات "سالكة"، وأن الرد على ورقة باراك تمّ بالتنسيق الكامل مع حزب الله. ولا ترى في بيان كتلة الوفاء الأخير تبايناً، إنما تعتبر أن بعض الملاحظات على الورقة الأميركية "مشروعة" وتستحق النقاش.
وبينما يحرص "الثنائي" على إظهار وحدة الموقف، لا يمكن تجاهل "بعد نظر" بري، الذي لا يخفى انزعاجه من بعض التصريحات التي قد تكون سبباً في تعكير الأجواء في بعض الأحيان، خصوصاً تلك التي قد تعرقل مهامه التفاوضية. هي المرحلة ذاتها يعيشها بري في دور "الوسيط الداخلي" مع "الوسيط الخارجي" للعبور الى بر الاتفاق.