المصدر: أساس ميديا
الكاتب: رنا نجار
الجمعة 21 حزيران 2024 07:22:39
بدأ وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي وسام مرتضى بمحاصرة مديرة “المعهد الوطني العالي للموسيقى” هبة القوّاس منذ أشهر. راح “يزيدها” في طلب تشغيل الأوركسترا الوطنية كما لو أنّها فرقة موسيقية يملكها. يريد إدخال مغنّين إليها، ونقلها بين مناسباته الشخصية وربّما الحزبية، في المناطق. وأخيراً أراد أن “يلعب” في الامتحانات النهائية للطلاب… فارتفع الصوت ضدّه. وقرّر أن يعزل رئيس مجلس إدارة الكونسرفاتوار.
خرجت الصرخة من الزميل طارق الحميّد، ورئيس تحرير جريدة “الشرق الأوسط” السابق. كتب على تويتر التالي: “وزير ثقافة عربي يقود حرباً طائفية ثقافية في وزارته، ويعادي كلّ صديق للمملكة، وإنجازه الوحيد هو إدخال الكتاب والموسيقى في الحرب الطائفية.. قد أضطرّ إلى الدخول في التفاصيل وبالأسماء”.
ما هي إلا ساعات حتّى دخل كثيرون على الخطّ، أبرزهم الزميل الصحافي السعودي محمد الساعد: “لنتخيّل، فقط في لبنان وزير ثقافة برتبة (عميل طائفي) وزير الحزب الإرهابي، وسام مرتضى، يحوّل وزارة الثقافة اللبنانية إلى ساحة لتصفية الحسابات الطائفية. ويدير مؤامرة لإقالة رئيسة المعهد العالي للفنون، الكونسرفاتوار، فقط لأنّها سنّيّة!! ليؤكّد أنّ الطائفية هي أمّ المصائب في لبنان”.
بعدها تدخّل صحافيون لبنانيون مؤكّدين ما كتبه الزميلان السعوديان. واتّهموا مرتضى بأنّه “ينفّذ أجندة الحزب وإيران في لبنان بالدفاع عن سلاح الحزب، ونعي قيادات عسكرية إيرانية في الحرس الثوري الإيراني مثل زعيم فيلق القدس قاسم سليماني والتحريض على اللاجئين السوريين والتحريض على المملكة العربية السعودية”.
وكتبت الزميلة السوريّة عالية منصور: “طبعاً هذا الوزير أبعد ما يكون عن الثقافة، عند محاولة اغتيال سلمان رشدي كتب مبتهجاً وشامتاً على حسابه على تويتر.. والغريب أنّ الوزير ينتمي لحركة أمل ومحسوب على الرئيس بري”.
إعادة بناء الكونسرفاتوار
لنبدأ من هبة القوّاس. من هي؟ ولماذا اختلفت مع الوزير؟
السوبرانو اللبنانية، والملحّنة المعروفة، كلّفها الوزير مرتضى نفسه إدارة المعهد في أيّار 2022 بعد استقالة وليد مسلّم. وخلال عامين، استطاعت القوّاس، في زمن انهيار مؤسّسات الدولة وإفلاسها، أن تنجح في إعادة بناء الأوركسترا الفيلهارمونية، التي كانت قائمة على العازفين الأجانب، الذين يدرّسون أيضاً في المعهد. ومعظمهم تركوا البلد بسبب انهيار قيمة رواتبهم، التي كانت تُعتبر عالية. وخلال أسابيع كانت ستعلن أنّ عدد العازفين عاد إلى الرقم 100، كما كان قبل الأزمة.
كذلك أعادت بناء الأوركسترا الشرقية العربية، التي فيها أيضاً عازفون أجانب ولبنانيون انهارت قيمة رواتبهم، وغادروا البلد. وبعدما كانت الأوركسترا تقدّم حفلاً أو اثنين أسبوعياً، بدأت تتزايد وتيرة حفلاتها أخيراً لتقترب من العدد القديم.
استطاعت القوّاس بالمساعدات التي أتت بها من الخارج أن تعيد بناء “الكونسرفاتوار”. وأبرمت اتفاقية مع مستشفى بعبدا الحكومي لتوفير الطبابة للعاملين والموظّفين. وأبرمت اتفاقيات تعاون مع دول كثيرة، أوروبية وعربية. وأعادت التدريس الحضوريّ في فروع المعهد الـ18، مع تحسين رواتب الأساتذة، بعدما تراجع الحضور بسبب انخفاض قيمة الرواتب.
حملات معارضة داخليّة
منذ تكليف القوّاس، شُنّت عليها حملات باعتبار المنصب ليس من حصّة الطائفة السنّيّة، بل الأرثوذكسية. مع العلم أنّ مؤسّس الكونسرفاتوار في عام 1925 هو وديع صبرا ملحّن النشيد الوطني اللبناني، وهو بروتستانتيّ الطائفة ولبنانيّ الانتماء والهويّة، ولم يؤسّسه ليتحاصصه السياسيون.
مرتضى الذي كلّفها راح يحرّض من هذا الباب، ودفع ثلاثة من أصل 6 أعضاء في مجلس إدارة المعهد للاستقالة، وهم: وليد مسلّم، وعبده منذر، ومريم غندور. ثمّ أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه “إلغاء قرار مديرة الكونسرفاتوار بإجراء امتحانات مركزية في الفرع الرئيسي للمعهد في سنّ الفيل، وتجميد العمل بامتحانات الـ musique d’ensemble وامتحانات الآلات والنظريات الموسيقية ابتداء من السنة الرابعة لجميع طلاب المعهد، إلى حين إعادة انتظام العمل في مجلس الإدارة واتّخاذ القرارات المناسبة في هذا الصدد الأسبوع المقبل بعد انتهاء عطلة الأعياد”.
قرّر “تجميد مفاعيل جميع القرارات والدعوات التي اتُّخِذَتْ من قبل المكلّفة رئاسة مجلس الإدارة خلافاً للآليّة المذكورة أعلاه، أيّاً كان نوعها ومضمونها، لا سيما تلك التي تتعلّق بالتزامات من المعهد أو بصرف مبالغ”، مع الدعوة إلى “تنفيذ القرار فوراً وإلزام جميع العاملين في المعهد بالتقيّد به تحت طائلة ترتيب المسؤوليات القانونية، لا سيما الجزائية التي ينصّ عليها القانون”.
ما هو ردّ مرتضى؟
قال الوزير في حديث لـ”أساس” إنّ “قرارات القوّاس باتت كيفيّة وتفرّديّة خلافاً للأصول والأحكام المرعيّة الإجراء، لأنّها لم تعرض على مجلس الإدارة ومن دون أن يصدّق عليها الوزير ولم تضعني في الجوّ”.
وفي ما يتعلّق بالامتحانات المركزية، اعتبر الوزير أنّ “الوضع الأمنيّ والوضع الاقتصادي لا يسمح للطلاب ولا لأهاليهم بالمجيء من المناطق البعيدة إلى العاصمة ودفع تكلفة مواصلات باهظة في هذه الأيام الصعبة”.
في حين يضع أحد المصادر رغبة الوزير في السعي إلى “تسهيل الامتحانات في المناطق، في حين أنّ مركزية الامتحان تحمي من الغشّ وتجعل الامتحانات رسميّة أكثر ممّا تكون عليه في المناطق”.
يوم الأربعاء أصدرت القوّاس قراراً بتعليق امتحانات نهاية العام الدراسي حتّى إشعار آخر.
صمت هبة القوّاس
رفضت مديرة الكونسرفاتوار الخوض في الجدالات الدائرة. فضّلت الصمت في الوقت الحالي. لكنّ “أساس” علم أنّها دعت مجلس الإدارة إلى الاجتماع، لكن لم يستجب أحد لدعوتها.
اعتبر المصدر أنّ “الوزير أصدر القرار المرفق بحجّة الامتحانات، مع العلم أنّه غير قانوني 100%. إذ ليس من صلاحيات الوزير التدخّل في الامتحانات ولا في أيّ تفصيل. ويمكن مقاضاته قانونياً بسبب هذا القرار. وهو قاضٍ ويعرف أنّ تصرّفه غير قانوني”.
تابع المصدر: “تاريخياً تجري الامتحانات في بيروت حيث الفرع المركزي للمعهد. والفروع لا علاقة لها بالقرارات. فمدير الكونسرفاتوار يقرّر بالتنسيق مع “نظّار” الفروع” (18 فرعاً). لكنّ الوزير يريد أن يجري كلّ فرع امتحانات طلّابه في فرعه”.
لكنّ الوزير اعتبر قراره قانونياً، وأن لا شكّ في قانونيّته، وأنّ القواس مخالفة للإجراءات والنظام الداخلي. وأوضح أنّ “كلّ مسألة تخرج عن العمل اليومي الاعتيادي، يجب أن تعود إلى أعضاء مجلس الإدارة كافّة، ويُتداول الأمر ويؤخذ القرار بالإجمال ويُرفع القرار إلى الوزير بالوصاية”. وختم مهدّداً قوّاس: “الذي كلّف يمكنه العودة عن التكليف”.
من يريد إقالة القوّاس؟
في المقابل، اعتبر المصدر أنّ استقالة الأعضاء الثلاثة أتت للضغط على مديرة المعهد وفرط مجلس الإدارة وتطيير القوّاس من منصبها، مع العلم أنّ “الكونسرفاتوار تحوّل مع هبة القواس إلى واحدة من مؤسّسات الدولة التي تقف على قدميها، في زمن محاولة تحطيم كلّ مؤسّسات الدولة”.
لفت المصدر إلى أنّ “الوزير من خلال مبايعته للحزب مع أنّه محسوب على حركة أمل التي يبدو أنّ رئيسها غير راضٍ عليه هذه الأيام، يريد تنفيذ أجندة سياسية إيرانية من خلال وزارة الثقافة”، وذلك “لتغيير هويّة لبنان الثقافية الوطنية، فهو يدافع عن السلاح غير الشرعي، ويمجّد قادة الحرس الثوري الإيراني على صفحاته، ويريد إدخال الحزب في كلّ عمل ثقافي كما يدخل المقاومة في كلّ بياناته ومواقفه، ويبارك محاولة اغتيال سلمان رشدي ويمنع فيلم “باربي” بحجّة الترويج للمثليّة الجنسية ويحارب الحرّيات الفردية… وهذه كلّها تتناقض مع هويّة لبنان الثقافية التي كان يتغنّى بها الأقربون قبل الأبعدين”.
في الخلاصة، يريد مرتضى أن يكون “الكونسرفاتوار” فرقة موسيقية طوع بنانه وحفلاته، ويريد التدخّل “غير البريء” في الامتحانات.
هل يريد الوزير تحويل المعهد إلى فرقة إنشاد ديني مذهبية؟ هل يريد القضاء على آخر قلاع الحداثة في دولة لبنان ومحاصرته ضمن استراتيجية كبرى لمحاولة تغيير هويّة البلد؟