انتخابات جمعية المصارف مكانك راوح... المعارضة تُلوّح بجمعية عمومية عادية وكسر العرف

يشبه مأزق الشغور في جمعية مصارف لبنان، الشغور الرئاسي الممتد منذ سنة وتسعة أشهر. ويترسخ هذا المأزق أكثر، بفعل ثقافة "دخيلة" على اللعبة الديموقراطية، تعتمد تعطيل نصاب جلسات الانتخاب، وفرض تصريف الأعمال إلى أجل غير محدود، من دون مراعاة للمصلحة العامة، والظروف المصيرية والمأسوية التي يعيشها الاقتصاد اللبناني عموما، والقطاع المصرفي خصوصا.

في الانتظار، تستمر محاولات رأب الصدع المستجد بين أركان جمعية المصارف الحاليين من جهة، وممثلي المصارف الصغرى من جهة أخرى، الذين نجحوا في تعطيل انتخابات الجمعية في 10 تموز الماضي. ولكن لا يزال من المبكر التكهن بمآل الأمور ونتائجها، وما قد يسفر عنه الحوار الجاري في الكواليس، للخروج بالحد الأدنى من التفاهمات والتسويات التي تزيل عن الجمعية شبهة الانقسام العمودي الذي منيت به، وتعيد إبراز الوجه الحضاري لأبرز المؤسسات الاقتصادية في لبنان.

بيد أن تبسيط الواقع يغاير حقيقة ما يوضع من شروط، وما يرفع من مطالب، ولا بشائر بأن الدخان الأبيض قريب، وتشي الوقائع بأن الوصول إلى النهايات المرضية للجميع لا يزال بعيد المنال.

فالأمر وفق مصادر متابعة، يحتاج إلى حوار مكثف، يبدأ حسن نياته، من مبادرة المصارف الصغرى إلى وقف إصرارها على التمثل بعضوين إضافيين في مجلس الجمعية، حددت بمفردها طائفتيهما ومذهبيهما واسميهما. وحسن النيات الآخر، قوامه تفهم دقة المرحلة أكثر، من رئاسة الجمعية ومجلسها الحالي، ووعي خطورة عدم وجود مجلس لجمعية مصارف لبنان يتمتع بكامل المواصفات القانونية والمعنوية، في مرحلة تحتاج فيها المصارف إلى عناية مركزة، وتكاتف قطاعي يحمي بقاياها مما يحضر لها في كواليس المشاريع الحكومية "الإصلاحية".

الاتصالات لا تزال قائمة للوصول إلى توافق، علما أن ثمة اصرارا من المعارضين على أن يقابل التمديد للمجلس الحالي، وتأمين النصاب للجمعية العمومية غير العادية، تعهد بدخول مروان خير الدين ورائد خوري إلى المجلس الحالي، ورفع العدد إلى 14 عضوا، وهو ما يعارضه رئيس الجمعية سليم صفير ويرفضه بعض الأعضاء.

هل تنجح المساعي في التوصل الى توافق؟

أحد الناشطين على خط الحراك التوافقي بين أعضاء الجمعية، أسر لـ"النهار" بأن "التوافق واقتناع كل الأعضاء بأن مصلحة الجمعية فوق كل اعتبار، هما الأهم في هذه المرحلة"، واعتبر أنه "لا يمكن معالجة المسائل الشائكة في لبنان إلا بالتوافق، وهو ما سينطبق على الجمعية".

وإذ أكد "أن ثمة بوادر ايجابية لإمكان التوصل إلى حل توافقي قريبا"، أكد "أن المسألة ليست مسألة أشخاص بل مسألة منهج، فإذا تم التوافق على منهج واضح وموقف موحد، تصبح حينئذ مسألة الأشخاص ثانوية". وقال ممازحا: "الحوار ليس حكرا على الرئيس نبيه بري، ويمكن أن نطبقه في الجمعية، وهو ما يحصل حاليا، إذ تكثر اللقاءات والاجتماعات للتوصل إلى التوافق".

ولا يعطي الشكليات أهمية، "بل ثمة ضرورة للتوافق على القرارات والمنهج للسنتين المقبلتين، فإذا أجرينا انتخابات جديدة أو مددنا للمجلس الحالي، في حين أن ثمة أعضاء لديهم تحفظات عن طريقة مواجهة المرحلة الراهنة، نكون قد مددنا للخلافات، وليس هذا ما نرتئيه في الجمعية".

 

ومعلوم أن سليم صفير تولى رئاسة جمعية المصارف في دورتين متتاليتين، الأولى عام 2019 قبل اندلاع الأزمة المالية، والثانية عام 2021. ثم تم التمديد للمجلس استثنائيا عاما واحدا انتهى في تموز الماضي، ولكن انطلاقا من مبدأ الاستمرارية لا يزال المجلس الحالي يمارس دوره "إذ لا يمكن ترك القطاع بلا إدارة"، وفق ما يؤكد المصدر.

أما على مقلب المصارف الصغيرة والمتوسطة، فتؤكد المصادر لـ"النهار" أن الامور لا تزال على حالها، "ولم يبلغنا أحد بموعد جمعية عمومية جديدة، ولا اتفاق بعد على ما يطرح من حلول"، وتشير الى أن "محامي جمعية المصارف اكرم عازوري، بتفويض من رئيس الجمعية سليم صفير، يتواصل مع أعضاء من مجالس إدارات في المصارف الصغيرة والمتوسطة، لكن محاولاته لم تأت بعد بالنتيجة المرجوة، فجميع الذين تواصل معهم رفضوا الترشح، وأبلغوه صراحة بإجماع اتفاقهم على اسمين محددين، سيعلن عنهما فور الدعوة إلى جمعية عمومية".

وأكدت المصادر أن "التأخير غير المبرر لإجراء الانتخابات له صدى سلبي لدى المصارف المراسلة والمؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وغيره، فيما النظام الداخلي للجمعية ينص على عقد الجمعية العمومية في 31 حزيران"، كاشفة أن "بعض أعضاء مجلس الإدارة مستاؤون من هذا التأخير، وقد سجلوا اعتراضهم في الاجتماعين الأخيرين للمجلس، باعتبار أن الحل متاح وهو أن تختار المصارف الصغيرة والمتوسطة مرشحيها.

وفي حين أصبحت معروفة هوية الاسمين اللذين تطرحهما هذه المصارف للاتفاق على موعد جديد للجمعية العمومية، تشير المصادر عينها إلى أن "صفير يسعى إلى أن يسمي بنفسه المرشحين الإضافيين، وهو يضع ڤيتو على أحد الأسماء المطروحة التي يتوقع أن ترشحها المصارف الصغيرة والمتوسطة".

ووفق المصادر عينها "ثمة توجه لدى تكتل من المصارف الصغرى والمتوسطة، للدعوة إلى عقد جمعية عمومية عادية في نهاية الشهر الجاري، في حال عدم التوصل إلى توافق، حيث يعطي النظام الداخلي الحق لـ20% من المصارف الأعضاء بالدعوة لعقد جمعية عمومية، فيما عدد المصارف الصغيرة والمتوسطة يفوق هذه النسبة. وحينئذ سيتم فرض انتخاب مجلس جمعية جديد من 12 عضوا، والتخلي عن مطلب العضوين الإضافيين".

 

والحال أن ثمة عائقا يحول دون الدعوة إلى جمعية عمومية في نهاية الشهر الجاري، تشير إليه مصادر أخرى، ويتعلق بـ"عدم إنجاز مدققي الحسابات ميزانية الجمعية للعام 2023 لإطلاع المجلس على أرقامها، علما أن الموضوع لا يزال ضمن المهل المتاحة حتى آخر السنة".

حتى الآن، يرفض الأعضاء الموارنة الثلاثة الحاليون الترشح لرئاسة الجمعية لتلقف كرة النار التي يحملها صفير، وهو أمر تدركه المصارف الصغيرة والمتوسطة جيدا: "إذا رفض أي من هؤلاء الترشح لهذه المسؤولية، يمكن عندها أن ينتخب أحد الأعضاء المسيحيين من غير الموارنة لسد الفراغ"، تقول المصادر عينها، مستندة في ذلك الى أن "هذا العرف سبق أن خرق ثلاث مرات. من هنا دعوتنا صفير إلى قبول عرضنا لتجنب هذا السيناريو".

وهل تسبب إضافة عضوين إلى المجلس خللا في التوزيع الطائفي للمقاعد داخل الجمعية؟ تقول المصادر: "يجب أن يجتمع المجلس ليحدد المعايير التي يجب أن تختار بموجبها المصارف الصغيرة والمتوسطة ممثليها، وحكما سنلتزم توازنات الجمعية الطائفية ومعاييرها".

وتتطلع المصاف الصغيرة والمتوسطة إلى تمثيلها بعضوين إضافيين لأسباب عدة، أولها وفق المصادر أنها تضمن حمايتها مما يخطط للقطاع، إذ سيصبح لهذه المصارف التي قد تتعارض مصالحها في العديد من الأحيان مع المصارف الكبرى، تمثيل فعلي داخل الجمعية، كما ستخلق ديناميكية جديدة وتأثيرا إيجابيا داخل مجلس الإدارة يترجم بتعامل مختلف مع المودعين والدولة، بما يصب في مصلحة الجمعية ومصلحة المودعين، بدل وضعهم في مواجهة بعضهم البعض، كما هو حاصل حاليا. فمصالح المصارف والمودعين مترابطة إلى أقصى الحدود، وهم متضررون من السياسة التي تعتمدها الدولة. هذا عدا عن تفعيل دور الجمعية في اتخاذ القرارات وإعداد القوانين المتعلقة بالمصارف والمودعين".