انسحاب إسرائيلي ناقص من جنوب لبنان اليوم... والحكومة تشطب "المقاومة"من بيانها الوزاري

يَدخل اتفاقُ وَقْفِ النار بين لبنان وإسرائيل مرحلةً جديدةً ستكون أشبه بالسير في «حقل ألغام» عسكري وسياسي، أخطر حلقاته الانسحاب الناقص الذي ستكرّسه تل أبيب اليوم بمغادرة آخِر القرى التي بقيتْ تحت الاحتلال جنوب الليطاني والاحتفاظ بخمسة مرتفعات إستراتيجية بين الناقورة وشبعا، ومحاولة بيروت إدارة هذا التطور الذي يَعكس واقعياً نتائج حرب الـ65 يوماً الضارية، وذلك بما يمنع عودة «مطحنة» الدم والدمار ويوفّر الظروفَ لِسَحْب الذريعة من الدولة العبرية لتمديدِ «القبض» على النقاط الحدودية بالتوازي مع تحشيد الضغط الديبلوماسي لذلك، وفي الوقت نفسه المضيّ بمسار تخفيف «قبضة» حزب الله على الواقع الداخلي كأحد انعكاسات المتغيّرات الجيو - سياسية في المنطقة.

ومع إعلان الجيش الإسرائيلي أمس، أنه سيَنسحب اليوم من جنوب لبنان ولكنه سيَبقى في 5 مواقع «حتى يتّضح أنه لم يعد هناك نشاط لحزب الله جنوب الليطاني وتطبيق القرار 1701»، وأنه «سنقيم موقعاً عسكرياً قبالة كل بلدة إسرائيلية على الحدود مع لبنان»، لافتاً إلى أنه «سيسمح (اليوم) للبنانيين بالوصول للقرى التي غادروها وهي كفركلا والعديسة وحولا وميس الجبل»، فإن اتفاقَ 27 نوفمبر وهدنة الستين يوماً التي نصّ عليها وتم تمديدُها (حتى 18 فبراير) يقفان أمام امتحانٍ دقيقٍ لِما سيكون بعد تدشينِ مرحلة احتلالٍ غير محدَّدة زمنياً لمواقع داخل الأراضي اللبنانية، وخصوصاً أن هذا التطور يشكّل امتداداً لـ «تفوُّقٍ» تَعَمَّدَتْ تل أبيب أن تُظْهِره لجهة تطبيقِ وقف النار بحسب تفسيرها له:
* من الغارات التي لم تتوقف جنوب الليطاني وشماله وآخِرها أمس اغتيال قائد عمليات «حماس» في لبنان محمد شاهين في صيدا، والذي وصفته إسرائيل بأنه «عنصر مهم ذو خبرة في «حماس» وتورّط خلال الحرب في تنفيذ اعتداءات إرهابية مختلفة ومنها عمليات إطلاق قذائف صاروخية نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية»، وسط معلومات عن أن بنيامين نتنياهو خرج من جلسة محاكمته أمس 10 دقائق للمصادقة على الغارة – الاغتيال.

* وصولاً إلى تثبيت تل أبيب «خطاً أحمر» حول أي إعادة تسليح لحزب الله سواء مباشرة، أي عبر شحنات برية أو بحرية، أو بطريقة غير مباشرة من خلال أموال إيرانية تُستخدم في هذا الإطار، وهي الحيثيات التي تحكّمت بما بات يُعرف بـ«أزمة الطيران» الإيراني والتي انفجرت الخميس الماضي مع تهديد تل أبيب بقصف مطار رفيق الحريري الدولي بحال هبوط رحلة لـ«ماهان إير» زعمت أنها ستحمل أموالاً للحزب، الأمر الذي ولّد غضبةً فوضوية في الشارع وخصوصاً على طريق المطار استهدفت أكثر «موجاتها» خطورة قافلة لـ«اليونيفيل» تم الاعتداء عليها وحرق آليات لها ما أدى إلى جرح نائب رئيس البعثة وضابط فيها.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي أعلن أن الاحتفاظ بالنقط الخمس (تلة العزية، تلة العويضة، تلة اللبونة، تلة الحمامص، وجبل بلاط) التي تشرف على المستوطنات في شمال إسرائيل وتشكل خط دفاع متقدماً عنها، هو «إجراء موقت حتى يصبح الجيش اللبناني جاهزاً لتنفيذ بنود اتفاق وقف النار» وأن «تمديد التنفيذ يتماشى مع آلية وقف النار ونحن ملتزمون به»، فإنّ لبنان الرسمي بدا متهيّباً ومتأهباً بإزاء هذا الاحتلال الجديد الذي كان نتنياهو رَبَطه ضمناً وبتماهٍ مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بهدفِ «نزع سلاح حزب الله من الحكومة اللبنانية أو ننزعه نحن»، والذي تَرافق أيضاً مع معلومات أوردتها قناة «العربية» عن تخطيط الجيش الإسرائيلي للبقاء في هذه المواقع لأشهر، في موازاة خشية مما يشبه الحزام الأمني بحُكم الأمر الواقع الذي يشكله تحويل شريط من قرى الحافة الأمامية منطقة ميتة يستحيل العيش فيها.

وفي حين سيكون أول تَصادُم محتمل بين الجيش الإسرائيلي وبيئة «حزب الله» اليوم في ظل الدعواتِ التي كانت وُجّهت لتنظيمِ «يوم عودةٍ» جديد قلّلت تل أبيب من مَخاطره باعتبار أن جنودَها «لن يكونوا متمركزين داخل البلدات اللبنانية ما يقلل فرص الاحتكاك المباشر»، على أن يكون الموقف السياسي للحزب في يوم تشييع السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين الأحد المقبل، فإن السلطات الرسمية في بيروت حاولتْ تشكيلَ «مانعة صواعق» مبكّرة لتفادي الأسوأ - رغم الانطباع بأن «حزب الله» لن يكون في وسعه الضغط على الزناد وأنه سيستثمر «الاحتلال الجديد» لإحياء سردية المقاومة وضرورتها - وذلك على 4 محاور:

تحشيد دبلوماسي... ولا للحرب

1- إطلاق حملة ديبلوماسية للضغط على إسرائيل للالتزام بالانسحاب الكامل اليوم وفق مندرجات اتفاق وقف النار الذي قضى بذلك بالتوازي مع انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني بعد تفكيك البنية العسكرية لحزب الله في هذه المنطقة «ابتداءً».

وعبّر لقاء كل من رئيسيْ الجمهورية جوزف عون والحكومة نواف سلام مع سفراء مجموعة الخمس حول لبنان (تضم أميركا، السعودية، فرنسا، مصر وقطر) عن هذا «التحشيد»، وسط كلامٍ لافتٍ لعون أمام هؤلاء أكد «أن على الدول التي ساعدت في التوصل إلى الاتفاق ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا أن تضغط على إسرائيل للانسحاب وبعد إنجازه ستبدأ اللقاءات في مقر اليونيفيل في الناقورة للبحث في استكمال بنوده وأهمها ترسيم الحدود والبحث في النقاط المختلف عليها في الخط الازرق»، ومشدداً على «أن مهمة الجيش بعد انتشاره ستكون حماية الحدود في الجنوب (...) فلا عودة إلى الوراء والأمن خط أحمر».

2 - تأكيد الرئيس عون أمام زواره أن خيار الحرب لم يعد وارداً في مواجهة عدم امتثال اسرائيل للانسحاب الكامل محدداً إطاراً لبنانياً لمسألة معالجة سلاح حزب الله، وهو قال «نحنُ متخوّفون من عدم تحقيق الانسحاب الكامل غداً (اليوم) وسيكون الردّ اللبناني من خلال موقف وطنيّ موحّد وجامع»، مضيفاً: «خيار الحرب لا يُفيد، وسنعمل بالطرق الديبلوماسيّة، لأنّ لبنان لم يَعُد يحتمل حرباً جديدة. والجيش جاهز للتمركز في القرى والبلدات التي سينسحب منها الإسرائيليّون. والمهم هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، وسلاح حزب الله يأتي ضمن حلول يتَّفق عليها اللبنانيون».

مانيفست «دولتيّ» للحكومة... بلا مقاومة

3 - إقرار أول بيان وزاري في «جمهورية الطائف» وخصوصاً منذ ما بعد تحرير العام 2000 لا يتضمّن عبارة المقاومة، الاسم الحركي لـ«حزب الله»، ويُعْلي عنوان احتكار الدولة للسلاح وامتلاكها قرار الحرب والسلم «والدولة التي نريدها هي التي تتحمّل بالكامل مسؤوليّة أمن البلد، والدفاع عن حدودها، دولة تردع المُعتدي»، وصولاً إلى تشديد الحكومة على «التزامها بتعهداتها، لا سيما لجهة تنفيذ القرار 1701 كاملاً (...) كما تؤكد التزامها بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية كما وافقت عليه الحكومة السابقة بتاريخ 27 نوفمبر 2024. وتلتزم، وفقاً لاتفاق الطائف، باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتيّة، ونشر الجيش اللبناني في مناطق الحدود اللبنانيّة المُعترف بها دوليّاً. وتؤكد حق لبنان في الدفاع عن النفس في حال حصول أي اعتداء، وذلك وفق ميثاق الأمم المتحدة. وتدعو إلى تنفيذ ما ورد في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهوريّة حول حق الدولة في احتكار حمل السلاح. كما تدعو إلى مناقشة سياسة دفاعية مُتكاملة كجزء من إستراتيجيّة أمن وطني على المستويات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة».

وأضاف البيان الوزاري الذي أقرّ أمس، في جلسة لمجلس الوزراء ويُنتظر أن تمثل الحكومة بموجبه أمام البرلمان قبل نهاية الأسبوع لنيل الثقة على أساسه: «نريد دولة تملك قرار الحرب والسلم. نريد دولةَ جيشها صاحب عقيدةٍ قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض أي حرب وفقاً لأحكام الدستور. ويترتب على الحكومة أن تُمكن القوات المسلحة الشرعية من خلال زيادة عددها وتجهيزها وتدريبها مما يعزّز قدراتها على ضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وشرقاً وشمالاً وبحراً، وعلى منع التهريب ومحاربة الإرهاب».

أزمة الطيران الإيراني... تتمدّد

4 - التعاطي بحزم مع أزمة الطيران الإيراني وما شهده طريق المطار، وهو ما عكسته مقررات الاجتماع الذي ترأسه عون وشارك فيه سلام ووزراء وقادة أجهزة معنيون، وأبرزها تكليف وزير الأشغال والنقل «تمديد مهلة تعليق الرحلات من وإلى إيران» (كانت ستنتهي اليوم).

وقد أثنى «رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على عمل الأجهزة العسكرية والأمنية للمحافظة على الأمن المحيط بالمطار وإبقاء الطريق المؤدية إليه سالكة»، مع «إعطاء التوجيهات اللازمة والصارمة للأجهزة بعدم التهاون أو السماح بإقفال طريق المطار والمحافظة على الأملاك العامة، وتكليف وزير الخارجية متابعة الاتصالات الدبلوماسية لمعالجة مسألة الرحلات الجوية بين طهران وبيروت وتأمين عودة المسافرين اللبنانيين الذين ما زالوا في إيران، والتأكيد على التدابير والإجراءات المتّبعة في تفتيش الطائرات كافة وتكليف جهاز أمن المطار متابعة الالتزام بالتوجيهات اللازمة».

وكان رئيس الجمهورية أكد أمام سفراء مجموعة الخمس «أن الدولة لن تسمح بحصول أي عبث بالوضع الأمني وسيكون الرد حازماً على كامل الأراضي اللبنانية»، لافتا إلى أن القضاء وضع يده على الأحداث التي وقعت على طريق المطار وأصدر مذكرات توقيف بحق عدد من الذين اعتدوا على موكب «اليونيفيل».

وأضاف: «أن حرية التعبير والمعتقد مصونة لكن الأمن خط أحمر وممنوع المساس به وأعمال الشغب غير مسموح بها».

وهذا الموقف أبلغه عون أيضاً إلى قائد «اليونيفيل» الجنرال ارولدو لازارو الذي استقبله أمس واطلع منه على الوضع في الجنوب عشية الموعد المفترض لانسحاب القوات الإسرائيلية.

وجدد الرئيس اللبناني الإعراب عن إدانته للاعتداء الذي تعرض له موكب نائب قائد «اليونيفيل» على طريق المطار، مؤكداً أن التحقيقات جارية مع عدد من الموقوفين لكشف الملابسات وإنزال العقوبات بحق المرتكبين، ويستمر البحث عن متهمين آخرين لتوقيفهم.

وبدا مجمل التعاطي مع أزمةِ الطيران الإيراني التي أكدت طهران أنه يجري العمل على حلّها آملة «أن نتمكن في هذا الإطار من التوصل إلى حل منطقي يحقق مصالح الشعبين اللبناني والإيراني» ومن دون تدخل طرف ثالث (غامزة من قناة إسرائيل)، انعكاساً لِما يدركه لبنان الرسمي في ما خص تداعيات أي تساهُل في موضوع تسرُّب أموال وأسلحة إلى حزب الله، في الوقت الذي بدأ هذا الملف يثير أسئلة حول انعكاساته على يوم تشييع نصر الله في ضوء ترقُّب مشاركة إيرانية «على مستوى رفيع» كما أُعلن أمس في الجمهورية الإسلامية وما يطرحه تمديد لبنان تعليق الرحلات بحال استمرّ حتى الأحد من إشكاليات على هذا الصعيد يُخشى أن ترتب توتراتٍ في الشارع.