انطلاق التعليم الرسمي يتعثر.. وشبح الإضرابات يهيمن

مثلما كان متوقعًا، لم يتوج أمس الخميس تاريخ انطلاق العام الدراسي لأكثر من 300 ألف في المدارس والثانويات الرسمية، وبقي مصيرهم معلقًا إلى تاريخ 25 من الشهر الجاري، حين ستبدأ المدارس بالأعمال الإدارية لتسجيل للتلاميذ الجدد، بينما ينطلق العام الدراسي في 9 تشرين الأول، وذلك استنادًا لقرار وزير التربية عباس الحلبي الذي استجاب لمطلب روابط التعليم وأرجأ انطلاقة العام الدراسي.  

سياسة الوعود
وفيما يحتدم الصراع بين المكاتب التربوية، التي تصر على إطلاق عام دراسي بلا إضرابات، وبين الأساتذة الذين يطالبون بحقوقهم المعيشية وإيفاء الحكومة ممثلة بوزارة التربية بدفع الحوافز المتراكمة، يواصل وزير التربية، عباس الحلبي، سياسة إطلاق الوعود لترغيب الأساتذة بالعودة، بينما يدفعون هم الثمن الأكبر لجهة انهيار التعليم الرسمي.  

ويعلق الأساتذة آمالهم على السلفة المالية الحكومية لوزارة التربية، والبالغة 5 آلاف مليار ليرة، رغم إدراكهم أنهم لن يحصلوا عليها غالبًا بالدولار، بل بالليرة وعلى دفعات متتالية، ما سيفقدها المزيد من قيمتها.  

ورصدت "المدن" غضبًا عارمًا يعم أوساط الأساتذة، وهم يعبرون عن استيائهم من طريقة التعامل معهم، وكأن الوزارة تمنّ عليهم بأبسط حقوقهم، بعدما دفعتهم الأزمة إلى الطبقات الفقيرة، لأن قيمة معدل رواتبهم الأساسية لا تتجاوز 35 دولاراً. ويجد كثيرون أنهم يتعرضون لعملية ابتزاز، خصوصًا أن الحكومة تخلفت عن تسديد المتأخرات من الحوافز الاجتماعية المرصودة لهم، وقيمتها نحو أربع رواتب عن أشهر الصيف.  

كما يخشى الأساتذة أن تُستهلك السلفة المرصودة لتسديد رواتب أساتذة التعليم المهني والجامعي، وتاليًا، ألا تغطي احتياجات العام الدراسي كاملًا، ما يجعله مفتوحًا على شتى الاحتمالات التي لن تقل سوءًا عن مصير العام الدراسي الماضي.  

وعود مستحيلة؟ 
وفي السياق، يقول رئيس رابطة التعليم الأساسي في لبنان، حسين جواد، في حديث لـ"المدن"، إن الوزير الحلبي وعد الأساتذة بالحصول شهريًا على مبلغ 300 دولار، معطياً إياها صفة "بدلات إنتاجية"، مقابل تسديد المساعدات الاجتماعية المتراكمة عن أشهر الصيف، مع تحسين بدلات النقل للأساتذة عن تعليم أربعة أيام أسبوعيًا.  

وفي ظل الشكوك حول آلية تسديد هذا المبلغ، خصوصًا أن الدولة تواجه أزمة بتوفير الدولارات من مصرف لبنان المركزي، يوضح جواد بأن تأجيل انطلاق العام الدراسي كان بناء على طلب روابط الأساتذة، احتجاجًا على تأخير صرف الرواتب الأربعة المتأخرة. ويقول: "نحن لن نبدأ عامنا الدراسي، لأن الرواتب الثلاث التي قبضناها تساوي 70 إلى 120 دولاراً، بينما شهر أيلول بالنسبة لنا هو شهر التكاليف الباهظة والتحضير للعام الدراسي ولمتطلبات فصل الشتاء. وأمام الواقع الكارثي للأساتذة، اضطررنا إلى اتخاذ موقف بالامتناع عن إطلاق العام الدراسي وتأجيله، رغم كل الضغوط التي تواجهنا".    

وفي ظل الوعود غير المؤكدة، يفيد جواد بأن الهيئات الإدارية في المدارس، ستلتزم ببدء التسجيل في 25 أيلول للطلاب الجدد، وإجراء الامتحانات لهم في الخامس من تشرين الأول تحضيرًا لدخول الطلاب المدارس في التاسع من الشهر عينه.   

ويؤكد جواد أن مسألة إطلاق العام الدراسي مرتبطة حصرًا بصدور قرار عن الوزير حول آلية تسديد مبلغ الـ 300 دولار شهريًا، ربطًا بنسبة حضور وغياب الأساتذة. ويتساءل عن كيفية احتساب المبلغ للأساتذة المتقاعدين وعدد الساعات المطلوبة منهم مقابل ذلك. ويضيف: "إذا لم نتمكن من استحصال هذا المبلغ شهريًا بالدولار، لن نقبل أن يكون إلا بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء عند توقيت تسديده".  

ويعتبر المتحدث باسم الرابطة بأن الحكومة تواصل سياسة القضاء على المدرسة الرسمية والتعليم الرسمي، لمصلحة تكريس خصخصة التعليم ونفوذ القطاع الخاص. ويؤكد أن الأساتذة ليسوا هواة إضراب إذا حصلوا على رواتبهم بانتظام وسلاسة. ويفيد بأن أصل رواتب الأساتذة لا يتجاوز معدلها 3 مليون و300 ألف ليرة، ولم يحصلوا على مساعدة بقيمة راتبين إلا أول شهرين بعد إقرار موازنة 2022.  

ويشير إلى أن معظم الأساتذة أصبحوا مشتتين في أكثر من عمل لتسديد كلفة معيشتهم، وأنهم لا يعتمدون على راتبهم من الدولة. ويقول للطلاب: "نحن نسعى أن نكون قدوة لكم، وأن نقدم أفضل رسالة تعليمية. لكن ظروفنا ضاغطة لدرجة الاختناق، ولن ينطلق العام الدراسي بصورة منتظمة من دون حل مستدام لقضية الرواتب والحوافز".